إدعاء أن مسيحيي (دشتا وطورا)
ً إقليم آشور !!
ً ﻷنهم يسكنون فيما كان يسمى قديما
ليسوا كلدانا
ً) وإنما آشوريين ، وذلك
ً : أن الكلدان (ليسوا كلدانا
من بين الموضوعات التي روجت مؤخرا
ً
ً اﻵن فيما عرف يوما
بحسب إدعاء هؤﻻء ، ﻷن البلدات والقصبات الكلدانية تتوزع جغرافيا
بإقليم آشور !
ً أنه يمسك ببدايتها ، ذلك
ومع أن مثل هذا الرأي يشبه من يمسك العصا من المنتصف مدعيا
أن السومريين هم السكان اﻷصليين لشمال وادي الرافدين كما أثبتت ذلك دراسات العديد من
المؤرخين الذين أوردت في الجزء اﻷول من البحث جملة من آرائهم ، كما أن آخر اﻷقوام
القديمة التي ورثت اﻷرض عن السومريين كانوا كلدان اﻷلف اﻷول ق.م ، ثم أستولت بعد
ً ذلك على اﻹقليم مجاميع جديدة من الغزاة إبتداء باﻹخمينيين وأنتهاء بالعرب فالكورد ..
ً، أن أصحاب هذا المنطق الﻼعلمي يتناسون الحقائق التاريخية الدامغة التالية :
الغريب أيضا
-1 أن كلدان العهد البابلي الحديث كآخر سﻼلة قومية وطنية ، كانوا هم وليس أحد غيرهم
ورثة ما يزيد على خمسة آﻻف عام من الحضارة الرافدية التي أبتدأت في أريدو عاصمة
الكلدان اﻷوائل ، لذلك بقوا مؤثرين في وادي الرافدين منذ اﻹحتﻼل اﻷخميني حتى ما
بعد الغزو الحجازي إبان التوسعات اﻹسﻼمية ، الذي أنهى اﻹحتﻼل الساساني ليبدأ مع
الحجازيين إحتﻼل جديد ، وفي كلتا الحالتين لم يدخل الغزاة على بلدان خالية من السكان أو
ً تفتقر إلى المدنية والحضارة ، وإلى ذلك يشير الباحث اﻹجتماعي العراقي المسلم سليم
شعوبا
ً مطر قائﻼ: عندما دخل المسلمون وجدوا أمامهم كنيسة بابل النسطورية ( مقرها في المدائن)
ً)
التي كانت تضم 90٪ من العراقيين وتمتد أسقفياتها من نينوى حتى قطرايا (دولة قطرحاليا
ويقول في مكان آخر : عندما زار بنيامين التودلي جبل سينا حوالي 1170م وجد على قمته124
ً وعند سفحه قرية كان أهلها يتكلمون باللغة الكلدانية مما يدلل على عمق إنتشار
ًمسيحيا
معبدا
ً إلى هجرات الكلدان الذين أرادوا التخلص من اﻹضطهادات الدينية
اللغة الكلدانية وأيضا
فقصدوا المناطق الجبلية والصحراوية النائية .
وها هو أمين الريحاني يقول في المجلد الرابع من ملوك العرب ص 36 : أن تسمية بغداد
بابلية اﻷصل وقد أستمدت أسمها من مزار بناه الملك الكلداني نبوخذنصر أثر معركة أنتصر
فيها هناك على أعدائه . كما أقتنى الطبيب الفرنسي أندريه ميشو عام 1780م كودورو
/ حجر حدود كان قد عثر عليها في المدائن بالقرب من ضفة النهر تعود للملك البابلي
الكشي كوريكالزو وقد سميت فيها منطقة يعتقد أنها كانت مجاورة لبلدة دوركوريكالزو
ً معجم المصطلحات
/ عقرقوقوف بأسم بكدادا -Bag da da- ويورد هذه المعلومة أيضا
واﻷعﻼم في العراق القديم .
ً أثر أكتشاف سور حصن قديم في جانب الكرخ من بغداد حملت
وقد ثبت كلدانية بغداد أيضا
آجراته أسم الملك الكلداني نبوخذنصر الثاني ، والطريف ذكره هنا ، أن بعض المسلمين بنوا
ً أسموه مقام (الخضر) بجانب ذلك السور الكلدي ، يؤمه اليوم المسيحيون والمسلمون
مقاما
على حد سواء للتبرك والدعاء !
ً بناطقي السورث في
مما يؤكد أن بغداد التي تسكنها اليوم اﻷغلبية الناطقة بالسورث قياسا
مدن العراق اﻷخرى بما فيها بلدات الشمال ليست أرض مهجر ، ﻷنها كانت منذ العهد البابلي
القديم مدينة أسﻼفهم الكلدان اﻷوائل فالكلدان القدماء الذين أسسوا أشهر السﻼﻻت البابلية ،
وبالتالي فإن سكانها الحاليين من الناطقين بالسورث ليسوا نازحين شماليين كما يتوهم البعض
، وإنما الصحيح هو أنهم من العائدين إلى ديارات آبائهم وأجدادهم الكلدان ، مما يدحض
ً ﻷنهم يسكنون اﻵن فيما كان يسمى
الرأي القائل بأن مسيحيي (دشتا وطورا) ليسوا كلدانا
ً بأسم دولة آشور ، بعكس بغداد
ً إقليم آشور ، الذي تسمى ولزمن محدود كما بين ذلك آنفا
قديما
ً ﻻ يتجزء من اﻷقليم البابلي والتي تضم اليوم غالبية الناطقين بالسورث
ً جزءا
التي كانت دائما
/ الكلدانية الدارجة .
-2 كان كلدان الحيرة وبغداد وسامراء وحدياب والموصل (السريان المشارقة المتنسطرين
والمونوفيسيين) في العهد العباسي يمثلون طبقة كبيرة من الشعب (وصل تعدادها في بعض
المصادر العباسية إلى ما يزيد على مائتي ألف) وكان جلهم من المتعلمين وأصحاب المهن من
كوازين وخمارين ووراقين وبزازين وغيرهم مثلما كان من بينهم عدد كبير من المترجمين
واﻷطباء والمستشارين والمهندسين والفلكيين ، ناهيكم عن المزارعين الذين كان يطلق
العرب عليهم تسمية النبط والذين كان أعدداهم بعد ما يزيد قرنين من الصهر والتذويب يزيد
على المليونين (للمزيد من المعلومات يرجى مراجعة دراستنا الموسومة / سكان العراق /
بﻼد بابل .. عرب أم مستعربة) .
وحري بالذكر هنا أن المأذنة الملوية في شمرا / شيمورم (سامراء) التي بناها المهندس
الكلداني دليل بن يعقوب النصراني قد أستوحى تصميمها من تراث أجداده الكلدان الذين
تناقلت أخبارهم كتب اليونان وأشار العهد القديم إلى برجهم العظيم ، لذلك جاءت تلك المأذنة
مطابقة في الرؤية لطراز اﻷبراج البابلية وتشبه إلى حد بعيد برج كاهنة القمر (ننار / سين)
من منطقة أور الكلدان الكاهنة إنخيدونا أبنة ملك أكد الكلدي شروكين (سرجون الكبير) ، لكن125
الكلدان قصدوا البلدات الكلدانية التي أبتناها أجدادهم من قبل في عصر التهجيرات اﻵشورية
، وذلك بعد سقوط الدولة العباسية وتزايد اﻹضطهادات الدينية في عصر الصراع الفارسي
العثماني .
وإلى ذلك يشير الوزير الكاتب والمؤرخ الكلداني يوسف رزق أﷲ غنيمة في كتابه الموسوم
(نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) ص172 : أن يهود العراق بقوا في هذه الديار في
القرون التي أعقبت إستيﻼء المغول والتتار ، ولم يضطروا إلى مغادرة أوطانهم مع ما كان
فيها من المظالم واﻹضطهادات كما فعل النساطرة (السريان من أحفاد الكلدان اﻷوائل) الذين
هجروا بغداد والبصرة وكل مدن العراق ما خﻼ الموصل ونواحيها وألتجأوا إلى قمم الجبال
ً ، فخربت بيعهم وهدمت معابدهم ، ولم تعد
حتى أنقطع ذكرهم من عاصمة العباسيين عهدا
فئة النصارى إلى مدينة السﻼم إﻻ بعد مرور قرن أو أكثر.
تؤكد هذه الحقائق على أن تنقل الكلدان بين مستوطنهم التاريخي وسط وجنوب العراق وبين
ً
بلداتهم التي أنشئت في منطقة دشتا وطورا إبان عهد تنامي قوة الدولة اﻵشورية كان واقعا
ً أن تلك البلدات كانت قد أقيمت على مستوطنات
ً تطلبته متغيرات الحياة ، علما
مفروضا
عمورية قديمة ومستوطنات أكدية وسومرية أقدم ، أما السبب الرئيس لتوجه كلدان اﻹقليم
البابلي نحو الشمال الرافدي في فترة اﻹضطهادات الكبرى ، فكان بدافع حماية العرض
والدين والنجاة بحياتهم وحياة عوائلهم من سطوة المحتلين الظﻼميين من مغول وفرس
وعثمانيين .
-3 أن نسبة تزيد على 60٪ من الناطقين بالسورث المتبقين في العراق من أبناء مختلف
الطوائف المسيحية الناطقة بالسورث ﻻ يقيمون اليوم في البلدات الشمالية وإنما في منطقة
أجدادهم التاريخية بغداد والمدن الكبيرة اﻷخرى ، وما دفعهم إلى مثل هذه الهجرة المعاكسة
هو أن معظم القرى والبلدات الكلدانية الشمالية قد تم أحتﻼلها من قبل الكورد بتخطيط من
الدولة العثمانية أبتداء من تاريخ جلب الكورد إلى العراق عام 1515م ، وﻻ تزال عدد من
البلدات والقرى في دهوك وأربيل وسهل نينوى حتى اليوم تتعرض لﻺحتواء الكوردي
المبرمج ، ناهيكم عن أن تحسن اﻷوضاع اﻹقتصادية منذ أواخر القرن التاسع عشر ،
وﻻسيما في المدن الكبيرة مثل بغداد والبصرة دفع بالعديد من العوائل للنزوح إليها لتحسين
ً بمستواها في
المستوى المعاشي والحصول على الخدمات اﻹجتماعية والثقافية المتميزة قياسا
البلدات الشمالية وأرياف المدن الكبرى .
ً، بأن التعكز على المنطق الجغرافي لتحديد اﻷعراق البشرية هو من
يتبين لنا مما ذكرت آنفا
السذاجة بمكان ، بحيث ﻻ يمكن ﻷي عاقل تصوره ، فقد بينت اﻷثباتات اﻵثارية بأن السﻼلة
السرجونية التي أنشأ ملوكها أعظم إمبراطورية في إقليم آشور إنما تنحدر عن البابليين
ً عن
(تسمية أقليمية) ، كما أن مؤسس الدولة اﻵشورية اﻷولى شمشي أدد اﻷول ينحدر أيضا
البابليين .
إن أستخدامي لتسمية البابليين الوطني هنا ، هو في الواقع محاولة لتوضيح أن العموريين
الذين ينحدرون عن الكلدان اﻷوائل وكلدان اليوم هم شعب واحد ، لغته وعرقه وأصله واحد ،
إﻻ أن الهجرات والتهجيرات التي نقلت ما يقرب على المليون كلداني إلى اﻷقليم الشمالي في
عهد تسلط الدولة اﻵشورية وخاصة السﻼلة السرجونية ، عﻼوة على الهجرات الﻼحقة التي126
ً أثر تقبل الرافديين للبشارة المسيحية ومحاولتهم للتخلص من مضطهديهم
ً دينييا
أتخذت طابعا
أبان عصور الغزاة التي أبتدأت باﻷخمينيين وأنتهت بالعثمانيين والبريطانيين أنتهت بهم إلى
اﻹستقرار في إقليم الشمال .
وهنا ينبغي علينا أن ندرك بأن مثل هذه التبدﻻت المكانية ﻻ يمكن لها أن تنسينا أصلنا
الوسط جنوبي ، أما إعتماد منطق الجغرافيا وحده فإنه منطق عاجز ، ذلك أننا بحسب منطق
الجغرافيا هذا ينبغي أن نعتبر الكورد والتركمان والكلدان وكلدان الجبال والعرب الذين
ً يقيمون اﻵن في القسم الشمالي من العراق سومريين ، ﻷن أقليم الشمال أصﻼ هو مستوطن
السومريين (شومرايي) .
وإذا ما قمنا بتطبيق هذا المنطق الﻼعلمي على الشعوب التي تسكن اليوم في أمريكا وكندا
ومنهم العرب واﻷكراد والتركمان والكلدان واﻵثوريين (كلدان الجبال) وكذلك بقية الشعوب
ً حمر !!!
ً هنودا
اﻷخرى من أوربيين وصينيين وأفارقة ، فليس أمامنا إﻻ أن نعتبرهم جميعا
ﻷن هذه البﻼد (أميريكا وكندا) هي مستوطن الهنود الحمر وبالتالي فإن زنج البصرة والهنود
السيخ وبعض العشائر الحجازية التي هاجرت إلى العراق بعد الغزو اﻹسﻼمي يضاف لهم
العشائرالمسيحية العربية من بني طي وربيعة وتنوخ وتميم والعباد النجديين الذين أستقروا
في العراق قبل الغزو اﻹسﻼمي هم كلدان بابليون !!
إن منطق الجغرافيا المحدود هذا ﻻ يمكن أن يقنع أو يرضى به إﻻ البسطاء والسذج ، كما إن
مثل هذا المنطق المتهريء ﻻ يمكن أن يروج له إﻻ المتعصبون الذين يسعون لتمرير أهداف
ً، يخضع
ً ومكانا
غير سوية ، ذلك أن منطق الجغرافيا البشرية هو منطق زمكاني متغير زمانا
ً للتبدﻻت المستمرة بحسب المتغيرات الجيوسياسية وليس أدل على ذلك من التغيرات
دائما
الدراماتيكية الهائلة التي طرأت على الخارطة اﻷوربية ليس منذ منذ عصر النهضة اﻷوربية
وما تلته من متغيرات كبيرة ، بل منذ سقوط جدار برلين حتى يومنا هذا
نقل هذا الموضوع من كتاب الكلدان منذ بدأ الزمان وللاطلاع الرابط ادناه
http://www.alqosh.net/topics_2012/aug/08192012/chaldean_past.pdf