المحرر موضوع: أطراف الميلاد (الحلقة الثالثة) يوسف البار ... صامت كبيروإيمان مُعاش  (زيارة 723 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أطراف الميلاد (الحلقة الثالثة)
يوسف البار ... صامت كبيروإيمان مُعاش

المونسنيور د. بيوس قاشا
    في البدء
   حَدَثُ تجسد المسيح يسوع في تاريخ البشر هو الذي يعطي التاريخ معناه. فالتاريخ ليس تراكمَ سنين
 وأجيالاً تمضي وتفنى بل هو مسيرة خلاصية تتمحور حول الكلمة الذي تجسد بيننا "ولما تمّ ملء الزمان أرسل الله ابنه". (غلا4:4). فالتجسد حدث نحياه في إنسانيتنا، ونعيش أبعاده عبر إيماننا وصبغة عماذنا، وهو يبدو في أوسع آفاقه حدثاً ثالوثياً من جهة ومشاركة بشرية تامة من جهة أخرى. فالآب السماوي بتدبيره الإلهي، والابن المتجسد في حضن الآب بروحه القدوس الذي قدس الإنسان للمشاركة في هذا الحدث إذ سكن في أحشاء العذراء لإتمامه، وانتسب بشرياً إلى أب أرضي يرعاه كسائر أبناء البشر. إنه الصامت الكبير، يوسف البار، حيث أعلمه الروح ببيانه عن الحبل الإلهي ليتهيأ لاستقبال وليد السماء عبر طاعة أبدية وتامة لإرادة الله، فقد أدرك بصمته وبرارته "سرَّ المسيح" (أفسس1:3-3).
رجلاً باراً
يقول متى الانجيلي أن " يوسف كان إنساناً بارّاً"( متى18:1)،  والبارّ يعني المحافظ على شريعة الرب، والشريعة بالنسبة إليه كانت الهدف الأسمى. صَمَتَ وبصمته كان حقيقة كلامه، فلا يناقش ولا يطلب تفاسير لأنه رجل التقوى، ويعني السالك في مسار الشريعة. فقد أظهر الله له إرادته فأصبح وذاته كلاًّ لله وليس بعضاً من جوارحه كما هو حال الكثيرين في دنيانا، فهم خُلقوا من أجل مصالحهم وأصدقائهم، بينما يوسف البار أحبّ من عمق قلبه ولم يفكر يوماً بانانياته ومخططاته. عاش بهدوء عزيز وصمت كبير وطاعة أمينة فأقدم بكل همّة كما قال له الملاك، وتخلّص بعد قيامه من النوم من قلقه وتردده وتراجع عن قراره وعن حقه ، وفكّر هل يحق له مخالفة الشريعة وهو البارّ "وكَانَ يُوسُفُ رَجُلُها بَارّاً، ولا يُرِيدُ أَنْ يُشَهِّرَ بِهَا، قَرَّرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرّاً" (متى18:1-25)، والشريعة تخوّله الحق بمحاكمة مريم ورجمها "كزانية"، لكنه عمل بكل جرأة إيمانية مع دعوة الخلاص، فتخلّى عن هذا الحق الانتقامي وصمّم على طلاقها سراً. كيف يتم هذا الطلاق بالسر؟ ربما يوسف الصامت صمّم على الرحيل بعيداً وتَرِكْ مريم وشأنَها، فموقفه هذا يعبّر عن المحافظة على الشريعة من جهة وعن نبل إنساني عظيم من جهة ثانية. فهو الرجل الصالح، ولأنّ للصلاح أرضية لابدّ منها لأهلية المزمع أن يطّلع على الوحي الإلهي. وصلاحه ليس إدّعاءً خادعاً قد يعزوه إلى نفسه، فحياته مسيرة تقوى وليس كلمات تباهي وإعلام إيماني مخدوع، وإنما كلَّ همّه إرضاءُ الله فيعرف أيَ منحى يسلك عندما يطرأ عليه حدث مفاجئ.
ملاك ويوسف
   اختار يوسف أن لا يعرّض مريم للمهانة عندما وجدها حبلى وإنما يهجرها سراً من دون أن يضيق عليها بأسئلة مربكة، فاختيار الفضيلة يفرض على الإنسان سلوك طريقٍ غير عادي ولا يأخذ بأحكام البشر ولا يركن إليها ولو كانت سليمة، وهذا ما جعله ـــ كما قال له الملاك ـــ أن يأخذ مريم امرأة له" قم خذ مريم أمرأتك " (متى 20:1) ، أي أن يطمئن إلى أبوّته في الصلاح. فيوسف الصامت ولانه كبير بصمته " ولم يشأ أن يشهرها " (متى19:1). لم يستسلم لشيء بسبب صلاحه، ولم يتهوّر في التشهير بمريم بفضل براءته (كما هو شأن الكثيرين في هذا الزمن القاسي )، فالإنسان يُعرَف عند المحنة وأمام صدمة كبيرة وخاصة إذا كان قد تسبّب بها أحبُّ الناس إليه. فالنبل الإنساني والموقف الإيماني يتجليان في ردة فعل والقرار الذي يتّخذه. إنها ثقة لا ينبغي الامتناع عن قبولها إذ هي صادرة من الله نفسه، العامل في مريم، والتي باتت مسكن العليّ وبات هو جزءاً من التدبير الإلهي، وهذه كلها تحمل معانٍ تدلّ عن مدلولها وعلى الورع الذي تتّسم به نفس يوسف البار. فماذا كشف الملاك ليوسف؟ كشف له أن حبل مريم هو من الروح القدس. كشف له هوية يسوع" عمّانوئيل " الله معنا"  (الله يخلّص) " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم"(متى 21:1) ، وبكلمة كشف له أن الأزمة التي يمرّ بها لا تخصّه ولا تخصّ مريم فقط، إنها لخير البشرية جمعاء.
   الزمن المسيحاني
نعم الله ذاته كشف السرّ ليوسف. هذا الولد الذي في حشا مريم لا يشبه سائر الأولاد. حُبل به بواسطة الروح القدس. هذا السر لم تعرفه الأجيال الغابرة وأُعلن الآن، صار معروفاً، ما عدنا في انتظار بعيد أو قريب كما كان حال الأنبياء. قال إشعياء للرب "ليتكَ تشق السماوات وتنزل" (اشعيا1:64 )، والآن شقّ الله السماء ونزل لا بواسطة حلم في الليل مع ما في هذا الظهور من نور وعتمة، ولا بواسطة ملاك، الله ذاته نزل، أخذ جسداً من جسد مريم، ويوسف يرى هذا الحبل دون أن يفهم، ولكن الله بيّنَ له حقيقة الحبل. فكان الحلم هو إحدى الوسائط التي يعلن الله من خلالها عن إرادته، وهي عند الأنبياء ظاهرة من ظواهر الزمن المسيحاني، ويدعوه الملاك "ابن داود"(متى 20:1)  ليذكّره بهويته الملوكية.
     فطنة وحكمة
   هناك دائماً اسباب تدفعنا للتشكيك بغيرنا وربما بأقرب الناس وأحبّهم إلينا، لذا علينا أن لا نحكم أو نَدين غيرنا بل نحاول أو نجد حلولاً تحفظ كرامة الآخرين وتترك مجالاً لجلاء الحقيقة، لأن المنطق البشري وحده لا يكفي أحياناً كثيرة لكي نعرف كيف نبني أحكامنا وتصرفاتنا، فنحن بحاجة إلى إلهام (رؤيا)، فهل نصلّي ونسأل الله ليمدّنا بوحيه وينير عقولنا وقلوبنا.فهل نتحلّى بالفطنة والحكمة ونترك مجالاً للفهم فلا نجعل الأوضاع أكثر تأزماً، بل نسعى لاقتناص المناسبات فنحصل على ما يكفي من أنوار لفهم الآخرين ومساعدتهم. لذا نحن مدعوون إلى أن نعي إيماننا لنتمكن من الإصغاء إلى المهمة التي سيوكلها إلينا في هذه الحياة ونحن نحمل صفة الصمت بل الصمت العميق، فلا نَقْدمْنَ على أي تصرف ينبع من انفعال بشري بل ننتظر بصمت كبير ورجاء بيان مشيئته.
       الخاتمة
هوذا يوسف يدفعنا إلى التفكير في تصرفاتنا،كي تتماشى مع الرغبة الإلهية بأن لا نظلم أحداً أو نفتري على أحد. جميل أن نطيع الذي أحبنا. جميل أن نتمّم إرادة الله لخلاص نفوسنا.لذا علينا أن نصغي إلى ما يريده الله من خلال تأملنا بكلامه دون انتظار إجابة واضحة، في الأوقات العصيبة، فنحن متأكدون بأن لا حلول ممكنة، لولا تدخل الرب في حياتنا ليكشف لنا سرّ ما نتحمّله ويعطيه المعنى الجوهري. لذا نسأل حتى ما نجعل الآخرين يعانون من ظلمنا لهم وتشويه صورتهم!من أجل مصلحتنا وسهولة وصولنا حاملين قساوة الافتراء وأنانيتنا وخاصة عندما يكون الظلم من  كبار دنيانا ، لأنَّ عالمنا اليوم ، ومن المؤسف ،  يدعونا إلى أن نكون في محطة الكبرياء، وأن نزرع الأنانية في مواقف مسيرتنا،  وننسى أن الحقيقة هي أن نقف مع المظلومين لا أن نكون من جماعة الظالمين والفاسدين لتدمير الاخر البريء، وأن تحمل نفسنا صمتاً كيوسف البار، وروحنا هدوءاً، ونجابه الشر بقول الحقيقة مهما عاث الفاسدون ومهما تسلط كبار الزمن ناسين أنهم في الحياة ليس  لتدمير الإنسان الآخر بل لبنيانه ، ولندرك جيدا أنه مهما عمل أصحاب المصالح والطائفيات إلى زرع الفتن والشقاقات وتفضيل شخص على آخر من أجل الدنيا وكراسيها بل ومملكتها، سيأتي يوم الديان ، لذا فالمطلوب أن نكون في الحقيقة فهي علامة صمت كبير وثقة عمياء بالذي أحبّنا حتى الموت ، إنها إيمان مُعاش ، ورجاءٌ في قوة الصمت والصلاة، فاختبار يوسف هو دعوة لنا لسماع صوت الرب الذي يكشف لنا البُعد لكل ما نعيشه. ، إنه صوت الصامت الكبير.. نعم وامين

   
   


غير متصل Husam Sami

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1086
  • الجنس: ذكر
  • ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اخي في المسيح المونسيور بيوس قاشا المحترم ...
تحية ميلاد الرب وسلامه معكم دائماً ..
1 ) لم يكن تأخري للمشاركة في موضوعكم الجميل هذا إلاّ لمتابعة تأثير هكذا مواضيع مهمة على واقع مواقعنا الأجتماعية وهل لا يزال هناك من يؤمن بتغيير ذاته لمتطلبات مشيئة الرب ... ام ان العملية كلّها كما المثل الشعبي ... ( عفية على واحد يعرف يعبي بالسكلّة ركي ) فهذا الشعار اصبح نتيجة تثقيف المؤسسات بكل اشكالها واصنافها هو الدارج اليوم وكل يوم .. ولهذا نلاحظ عدد المتابعين بالعشرات .
2 ) مشاركتي المتواضعة في مبدأ الصمت :
     الصمت يستخدمه الحكماء من أجل :
أ ) ان يستزيدوا علماً وحكمة .
ب ) من اجل ان يكوّنوا فكرة واضحة لما يسمعوه بالتحليل والدراسة .
ت ) ليهذّبوا ذواتهم على الصبر في تحمل سماع توافه الأمور وانتقاء المناسب من الرد عليها لتقويضها واحلال البديل الحكمي لها .
 بعد الأعداد تأتي مرجلة انهاء الصمت فلا يبقى هناك مبرر له وكما علّمنا المعلم العظيم بعد ان أعد دورات لأنشاء المبشرين الذين كانوا في اغلب الأمور صامتين ليتعلّموا وبعد تخريجهم اعطاهم العلامة ( اذهبوا وبشروا " علّموا " ... ) وهذه هي علامة تحريرهم من الصمت .
  الصمت عندما يستخدمه الجهلاء ..
أ ) عندما لا يقدرون على مواجهة حقيقة يجابهون بها فيتجاهلونها بحجة ان المقابل دون المستوى وخوفاً من كشف وجوههم الحمقاء .
ب ) عندما يكونون مؤمنين بالمثل ( اذا سكت جدار وان نطق حمار ) . وهذا يعني كشف معدنه الفارغ مما يسبب ( قطع رزقه ) من جهلاء القوم فلا يعودوا مؤمنين به وبحكمته المزيّفة .
 الماضية تنطبق على اصحاب الكراسي لحماية كراسيهم وقداساتهم بالمناسبة ( ليست القداسات فقط في المراكز الدينية انما تتجاوزها لمواقع قيادات مجتمعية ) من هنا سنقول عن الصامتين عن جهالة في الفقرة ..
ت ) هؤلاء ( لا يهشون ولا ينشون ) وجودهم وعدمه سيان لهذا يبررون صمتهم على انه حكمة وشعارهم ( أني شعليّة ... عسى نارهم تاكل حطبهم خليني راسي بارد ... ) يرقصون مع الراقصين ويزمرون مع المزمرين ( هكذا وصفهم رب المجد يسوع المسيح )
الخلاصة : البار يوسف النجار عمره ما كان صامتاً ومن جعله كذلك هو عدم تسليط الضوء عليه سوى في حادثة الملاك الذي ارسل له لتبرئة سيدتنا العذراء مريم وليساهم في حمايتها ومشاركتها تربية يسوع ولينمي فيه حكمته الأرضية ... أوليس يسوع المسيح ( إنسان كامل وإله كامل ) وبما انه كذلك فهو يمتلك ( حكمة ارضية وحكمة سماوية ) وكل واحدة منهما من مصدر ... من هنا نقول ... ان يوسف البار كان حكيماً معلّماً ولهذا عهد الرب الإله مهمة تربية كلمته لأنه يستحق هكذا امتياز ...
في النهاية ... ارجوا منك عزيزي ان تخرج من صمتك وتعطينا ما نستحق من اجابة ...
تحياتي   الرب يبارك حياتكم وخدمتكم   وكل عام وانتم تسعدون بولادة كلمة الرب الإله في صحة وحكمة ..
اخوكم الخادم    حسام سامي   21 / 12 / 2019