المحرر موضوع: قصص جورجينا بهنام تحظى بقراءات نقدية في طريق الشعب  (زيارة 913 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي

عنكاوا كوم –خاص

بعد ان حظيت الكاتبة جورجينا بهنام  بجلسة توقيع مجموعتها القصصية الاخيرة اقيمت مؤخرا في بلدة عنكاوا، سلط النقاد والمتابعين الضوء على ما دونته بهنام في سياق اصدارها وذلك عبر جريدة (طريق الشعب ) من خلال الناقد المعروف جاسم عاصي الذي كتب مستهلا رؤيته بالاشارة  الى ان نص  جورجينا بهنام  فيه شفافية في التعبير وفيما يلي قراءته النقدية حول ذلك ..

جورجينا بهنام وثراء النص

جاسم عاصي

نص (جورجينا بهنام) فيه شفافية في التعبير. سواء كان هذا التعبير يخص اللغة القصصية التي تتمظهر مع طبيعة الشخصية، أو الاعتناء بالأفعال وردودها، ومحاولة لافتراض تاريخ للشخصية في النص خلال تكثيف العناية ببنائها وقدرتها على أن تكون أكثر توازنا ً ضمن مجموع المؤثرات في النص. فالسلوك والسلوك المغاير، يخلق صراعا ً مبنيا ً على جدلية الوجود، وعفويته، ووضع التراكم الحسي من أجل خلق منطقية معينة لمجريات جريان الحدث. فالعفوية في السرد والوصف، كفيلان بتقديم القناعة بأن ما يجري جزء من الحياة، غير متعمد في صناعته وتهويله لوجود الإنسان وفعاليته في الواقع. إن الانسيابية في القص، لازمت كتابات القاصّة وتحكمت في نمطها والاهتمام المباشر بهموم عامة وخاصة. أصبح جل اهتمام القصّة عندها بالنموذج الأخلاقي، الذي يعد العلاقات الاجتماعية والأسرية أساسا ً في بناء المعنى الذي انوجد من أجله الإنسان. من هنا تخوض في ملابسات هذه العلاقات، خالقة وجهة النظر التي تنحاز إلى البناء الأخلاقي في الوجود. لقد نظرت إلى تلك العلاقات خلال نصوصها، على أنها جزء من تاريخ الفرد والجماعة، فنصها يغتني بما هو حيوي ومخصب لمجرياته. فهي في العديد من قصصها، استفادت من الأُسطورة التي أفاضت على نصوصها بلاغة مضافة . ولعل اعتناءها بالعتبات  يُثير الاهتمام النقدي ؛لسببين .أولهما: علاقته البنيوية بمحتوى النص ،والثاني: بتركيبته الملفتة والمثيرة . ومجموعتها البكر( تَيْم وَطَن ) هي قراءة  قصة ( أُخوة يوسف)، تحمل مغريات جلبت ذائقة كتّاب القصة، فاستعملوه عتبة لنصوصهم . ومنهم القاصّة (جورجينا بهنام  حبابة). العنوان مثير بتركيبته المنطوية على لُغز غير معقد. فالعارف لقصة يوسف وتشكله الأُسطوري لا يستغرب من سحر العنوان. كذلك الطبيعة(الأُنثورجولية) لشخصية يوسف أيضاً أضفت سحراً، حيث امتد إلى فعل الأُخوة المشين. وهو التغييب بسبب اهتمام يعقوب به. وهو مرّحل من طبيعة تأثير علاقته بـ (راحيل)، حيث فصّل من ثوب زفافها الأحمر قميصاً ليوسف تبركاً وديمومة لحضورها الأزلي في الحياة. وهو نوع من التمري واستبدال الأصل بالفرع. هذا من جهة، ومن جهة أُخرى تخص تركيبة العنوان فلو كان ( يوسف وأُخوته) لتماهى السحر، لأن المعني من الأول الأُخوة وليس يوسف. كما وأنه أضفى جملة أسئلة عن طبيعة هذا الفعل الذي كشفته قصة يوسف المثيولوجية، وعلاقته بقوطوفار، ومن ثم (زليخا)، حتى الوصول إلى ما قامت به زليخا من إعداد متكأً حيث جرّحت النسوة راحات أيديهن بعد أن خف الضغط على نوع الفاكهة واستمر فعل التقطيع الذي أسال دماً بشرياً . هذا ما يخص سحر العنوان في النص، أما محتواه فقد انطوى على جملة مشاعر فيها نَفَسٌ صوفيٌ ميثولوجي، في ما يخص البحث عن يوسف الذي غيّبته الحرب. فقد احتشد النص بكثافة الأحاسيس الصوفية ابتداءً من جملة الاستهلال:

}هل نزور ضريح أحد الأولياء ،أم نتبرك بمزار أحد القديسين؟{

هذا السؤال وازن بين توجهين دينيين ( الولي /القديس).، احتماء وتذرعاً لفك لغز الغياب. وهي ظاهرة ابتلي بها الإنسان العراقي في كل الحروب التي شُنت على البلد، حيث وفرّت كمّاً من الشهداء والمفقودين. ولعلها علّة العلل التي ينتجها التسلط السياسي المقيت. وقد راعت القاصّة المستوى الفني للنص، فعمدت على أن لا تكشف الأشياء بأسمائها، وإنما بجملة مفردات كما في الجملة القصصية التالية:

}هذه الأسمال شهود أيام فُنيت ، وغبطة بُليت... وتلك البدلة الكاكية هي

الميراث الوحيد من الحبيب الفقيد{

وبهذا تمكّن السرد أن لا يُفيض بما لا يتطلب الإفاضة .فقط ملاحقة الحس إزاء الفقدان .كذلك العود الأبدي كما ذكر(مرسيا إلياد) إلى الحكاية الأولى ، فاستبدل السرد يعقوب بالعمة ، واستعانت بحس التعويض بحس التعميد في جملة:

}العمة خاطت ثوب يوسف(عماذ يوسف{

هذه المشاعر وغيرها ربطت النص بجملته الفنية، ونعني بصياغته الجمالية. وإن طال النص، إلا أنه لم يؤثر باستطالته على موجز المعنى، فقد كُثفت الاستطالة بالتعبير الدال. ولعل من أهم ما قاد النص نحو رهافة المشاعر، وصوفية الأحاسيس جملٌ فائقة الجمال، وهي نوع من التصوّرات الذهنية، نقتطع منها الحوار المفترض هذا :

}ــ أتعلم كم انشغلت بتنظيف البيت يا يوسف؟ ولم أشأ أن أُغادره قبل

أن يكون كل شيء فيه على أحسن حال{

ــ لماذا يا أُمي؟

ــ أردته لائقاً بيونس أخيك وسائر أُخوتك يا يوسف{

هذه الجملة وسواها التي حفل بها النص، تدل على نوع الوجدان الذي يختلج به صدر الأُم إزاء الفقدان المتوالي ليوسف ويونس. وهو نوع من استدراج أهم منطقة في حس الأُم، داورته القصة العراقية كثيراً كما هو عند (لطفية الدليمي وبثينة الناصري) مثلاً. وهو نوع من التعبير المكثف بأجواء روحانيةــ صوفية، القصد منه استلال أهم شعيرة تنتاب الفاقد للعزيز من الأبناء والأزواج والأُخوة. ثم أنها بهذا الحوار أطلقت العنان بموازنة حين أضفت مفردتين (ومن أجل إخوتك) . وهي مشاعر فاضت على مستوى العلاقات باستبدال ما حدث بما يحدث. صحيح أن النصوص تتمارى ببعضها مهما بَعُدت زماناً ومكاناً، لكنها تفيض بما تمليه عليها اللحظة الحرجة التي يُكتب خلالها النص من جهة، ونوع المشاعر الخاصة بالكاتب من جهة أُخرى. لذا نرى في نص (أُخوة يوسف) تمرئيات عديدة بنصوص غائبة، لكن خصوصية الإبداع عمدت إلى إبعاد ما يُشير إلى النسخ، أو الفهم الخطأ للتناصب، أو ما نطلق عليه بالمجاورة كفهم يقرن النص بنصوص أُخرى بعيدة الغور في التاريخ، أو قريبة منّا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

قصة (أُخوة يوسف) ضمن مجموعة قصصية (تَيْم وَطَن) للقاصّة (جورجينا بهنام حبابة) صدرت عن وزارة الثقافة والشباب/المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية أربيل 2019[/b]