المحرر موضوع: سباق الحب ليسوع بين مرثا ومريم  (زيارة 648 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وردااسحاق

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1208
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • https://mangish.net

سباق الحب ليسوع بين مرتا ومريم
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( كما أنّ إبن الإنسان لم يأتِ ليخدَم بل ليخّدم ، وليبذل نفسه فديَة عن كثيرين ) ” مت 28:20″
  الحب الحقيقي هو الفرح مع يسوع ، فكل حياتنا وصلاتنا وخَدماتنا هي تعبير عن حبنا لله ، نعملها بدافع نعمة الروح القدس فينا ، والحب الأعظم وأروع من أي عمل أو خدمته ، هو اللقاء مع يسوع لأنه الهدف والفرح والسلام الحقيقي ، فعلينا أن نعرف كيف نلتقي به لنتمتع بحبه وبكلماته التي تقودنا إلى الطريق الصحيح . فطرق اللقاء به كثيرة . لكن هناك طرق أقصر تأخذنا إليه ، وهو يريد أن نكون بقربه . أعمالنا قد لا تفيد بقدر محبتنا الصافية والطاهرة له . وهذا أفضل مثال على ذلك : دخل إلى بيت الأختين مرتا ومريم . كانت مرتا منهمكة بأمور الضيافة وعلى الأرجح كانت هي الأخت الكبرى التي تدير المنزل ، وهي التي تقرر ما يجب أن يهيء لأستقبال الضيف كإعداد الطعام الذي هو بالنسبة لها الأمر الأساسي الذي يجب أن يفعله صاحب البيت ليرضي ضيفه . أما مريم فاختارت الجلوس أمام قدمي الضيف ، ولم تبالي لأمر أختها لأن نظرها مركز صوب كنزها فلا تريد أن تفارقه . وعندما احتجت مرتا لدى يسوع ، فأجابها : ( مرتا ، مرتا ، أنت تقلقين وتهتمين بأمور كثيرة ، مع أن الحاجة إلى شىء واحد ، فمريم أختارت النصيب الأفضل ، ولن ينزعه أحد منها ) .
  ظنت مرتا بأن حبها ليسوع يفوق حب اختها ، ولكن حبها توقف على صورة تحملها في قلبها ، أي تريد أن تحبه بطريقتها فهذا ما منحها الرضا والثقة بنفسها فتمنت أن يتجاوب يسوع مع حبها لكي تكون هي المميزة ، وأن لا ينافسها أحد بحبها له . فكانت تتوقع بأن يسوع سيفهم حبها له بسبب خدمتها وعملها ، وبسبب جهدها الشخصي ستربح يسوع أكثر من أختها . أي بمثابة نوع من الإغراء ، أو بسبب ما تقدمه له ستملك عليه ليكون لها وحدها . لكن نظرة يسوع كإله تختلف عن ما نتوقع نحن البشر، لأنه يريد أن يلتقي مع حقيقة المرء في إنسانيته الطاهرة والمجردة من حب الأنا ، وهذا أفضل من الطعام التي تعده أو الخدمة التي تقوم بها له كضيف . عملها يفسره كهروب من الجلوس بجنبه وسماع كلمة الحياة والخلاص من فمه المبارك وكما فعلت مريم . مرتا تتعب في سبيل يسوع ، ويسوع لن يأتي لكي يُخدّم ، بل ليخدِم . وخدمته هي تعليم الإنسان طريق الخلاص . فما كان يريده منها هو أن تسمح له أن يمنحها هو حبه وخدمته ، أي كلمته للحياة والفرح والحرية والخلاص .
  عجيب هو الإنسان ، يحب ، لكنه يخاف من اللقاء بالحب الحقيقي ، لأن الحب يجعله يفقد زمام الأمور ، ويقوده بالتأكيد إلى حيث لا يدري ، فهو يأخذه إلى أعماقه الإنسانية ليعرف طعم الحياة والفرح بفضل حبه . المحب يتطلع إلى أمر واحد ، وهو أن يستقبله المحبوب في حياته . والحب يمر بالموت عن الذات للعيش في الآخر . أستسلم للحب الذي يقود الحياة ، قال يسوع ( لأن الذي يريد أن يخلص حياته يخسرها ، ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها ) ” مت 16: 25 ” هذا هو منطق الحب الحقيقي .
  تحول استقبال مرتا ليسوع إلى الأستحواذ عليه ، وعنى لها الحب أن تعمل من أجله بغية الإحاطة به ، أختارت الغيرة في قلبها ، ومع الغيرة جاء الإحباط والفشل ، فصوّرَت بأن مريم أختطفت يسوع منها بجذبه تجاهها وذلك بالجلوس عند قدميه ، لهذا طلبت من يسوع أن يصرفها إلى العمل . ومن الممكن وحتى وإن سمح يسوع لمريم بأن تذهب إلى أختها قد لا ترضى بعملها في إعداد الطعام لكي تتظاهر بأنها هي وحدها قد أعدت المائدة . وهنا نجد التناقض بإتهام أختها بالتقاعس والإنسحاب من واجب خدمة الضيف ، كما تتهم يسوع أيضاً بسبب قبوله ببقائها عنده بدون أن يحثها لمساعدتها . حب مريم كان الأقوى ، وقد أظهرته في ليلة الآلام عندما تناولت قارورة طيب غالي الثمن من الناردين النقي وسكبتها على قدمي يسوع ومسحتها بشعرها ” يو 3:12 ” .
  يسوع كان يحب مرتا أيضاً ، وحبه لها كان يفوق ما يمكن أن تدركه ، لا وبل أعمق بكثير عن ما كانت تنتظره ، هو يريد أن يعطيها ذاته ، أي حياته على الصليب ولم يكن بحاجة إلى عملها وخدمتها .

  ختاماً نقول : قال يسوع ( الحاجة إلى واحد ) وهو سلام القلب الذي يقود الإنسان إلى يسوع ، إلى الوداعة لروحه القدوس الساكن والعامل في الإنسان المؤمن . بأعمالنا الشخصية لا نستطيع أن نربح يسوع كأعمال مرتا التي كان عليها أن لا تغضب وتتذمر كعمال الساعات الأولى في الكرم ، فصاحب الكرم الكريم أعطى لعمال الساعة الأخيرة مثلهم ، لا وبل قبلهم ” مت 20 : 1-16 ” فبدأ الأولون يتذمرون كمرتا دون أن يدركوا كَرَمهُ وسخاءه ، ولم يفهموا حبه لهم جميعاً ، وهو الذي دعاهم إلى الكرم لكي يعطي لهم القيمة ، وعندما يفقد العمل دوره كوسيط في العلاقات الإنسانية يصبح وسيلة لأظهار الذات وتمجيدها ثم الضغط على الآخرين لأستغلالهم بسبب القلب الذي يخترقه الحسد . على الإنسان أن لا يذكر خدمته للآخرين ، بل أن يقدمها بمحبة ونقاء الضمير ، ويقول ( فما أنا إلا خادم ، فعلت ما كان يجب أن أفعل ) ” لو 17: 7-10 ” فمن يريد أن يعيش في الفرح التام ، يصير خادماً للحياة في الآخرين مقتدياً بيسوع الخادم والفادي . له كل المجد .