المحرر موضوع: تسمية الكرسي البطريركي للكلدان بين كرسي بابل وكرسي بغداد  (زيارة 1583 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

عنكاوا دوت كوم/موقع البطريركية الكلدانية


شهد الكرسي البطريركي للكلدان عبر تاريخ كنيسة المشرق في بلاد بين النهرين التحرك من مكان إلى آخر، بسبب مختلف الظروف الجيوسياسية والراعوية، بما في ذلك، تناغم التسمية مع المكان. في هذا الطرح، أود قراءة التقليد بهدف التأوين التاريخي، على أمل ان نناقش الامر ضمن الجماعية الاسقفية في السينودس القادم.

كرسي كنيسة المشرق من ساليق إلى بغداد

الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية هي ابنة كنيسة المشرق، وحافظت على جذورها المشرقية وروحانية ليتورجياتها بأصالتها الجوهرية.

 كان كرسي كنيسة المشرق (مقرها) في المدائن (ساليق وقطيسفون) في ضواحي بغداد، قبل ان تُشيّد بغداد وينتقل اليها البطريرك.

ان الكراسي البطريركية تسمى باسم رسولها أو مقرها، فمن المستغرب ان كرسي البطريركي الكلداني لم يحظ بتسمية مار توما ولا باسم مقر كرسي كنيسة المشرق في ساليق وقطيسفون – بغداد، بل سمي تسمية قومية. وهذا دليل قاطع يفند من يروّج من المتزمتين بان الكلدان مذهب. الكلدان امة حالهم حال بقية الشعوب، ومذهبهم المسيحي هو كاثوليكي مثل سائر الشعوب، أذكر  على سبيل المثال الارمن فهم  أمة عريقة فيها من يتبع المذهب الارثوذكسي ومن يتبع المذهب الكاثوليكي واعتقد ايضاً الانجيلي.

لمحة تاريخية عن بابل

بابل كانت عاصمة الامبراطورية الكلدانية الحديثة (اسسها نبوبولاصر الكلداني سنة 627 ق. م. واستمر حكمها لقرن ونيف حتى سنة 539 ق. م.). وبابل هي الحلة الحالية مركز محافظة بابل، وتعني بالأكدية والسريانية”بوابة الله” وجاء اسمها تحت صفة البلبلة في الكتاب المقدس لأبعاد لاهوتية، وليس تاريخية، ولم تكن بابل أبداً كرسياً أسقفية ولا بطريركية.

 مؤسس كنيسة المشرق هو مار توما الرسول والتلميذان أداي وماري، وكان مقرها كنيسة كوخي في منطقة بوعيثا-بقرب حي الميكانيك في ضواحي بغداد.

محطات تاريخية في المسار الكلداني الكاثوليكي

الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ولدت أولاً في قبرص سنة 1340 عندما أعلن إيليا اُسقفها إيمانه الكاثوليكي (وهؤلاء المسيحيون المشرقيون عموماً هجّروا من مناطق ارزون- تركيا وبعض بلدات بلاد ما بين النهرين) واتحد مع كنيسة روما، وسُمي اتباعه كلداناً لانهم قادمون من بلاد بين النهرين وكانوا يستعملون اللهجة السريانية الشرقية. وتجدد هذا الإتحاد مع كنيسة روما عام  1451 ، بانضمام طيمثاوس اُسقف كنيسة المشرق أيام البابا أوجين الرابع (1431-1447)، إثر إنعقاد مجمع فلورنسا – فيرارا – تريدانتيني (1438-1445). حمل طيمثاوس لقب رئيس أساقفة الكلدان المقيمين في قبرص “Archiepiscoporum Chaldeorum, qui in Cypro-sunt”. هذا الإتحاد لم يدم طويلاً بعد وفاة طيمثاوس 1489، إذ انصهر الكلدان في الكتل الأكبر للجماعات المسيحية الكاثوليكيةالمحلية كالموارنة واللاتين.

يوحنا سولاقا بطريركاً على الكلدان وليس بابل: ثم في 21 نيسان سنة 1553 باعتناق يوحنا سولاقا المذهب الكاثوليكي أعلنه الكرسي الرسولي بطريركاً على الكلدان من دون الاشارة الى بابل. وأقام كرسيه في آمد (ديار بكر) في تركيا الحالية، لأسباب عملية وأمنية، ومع ذلك لقي حتفه شهيداً للاتحاد.

من الملفت للنظر أن خط سولاقا بوفاة شمعون التاسع دنحا سنة 1600 عاد الى كنيسة المشرق. وأن قداسة مار كوركيس الثالث صليوا، بطريرك كنيسة المشرق الاشورية هو من هذا الخط.

السلسلة البطريركية تحت اسم يوسف: عندما أعلن المطران يوسف، في عام 1672 اعتناقه الكثلكة، طلباً للشركة التامة مع خليفة بطرس، ثبّتته روما بطريركاً للأمة الكلدانية المحرومة من رئيس ” patriarch of the Chaldean Nation deprived of its patriarch”. وبه نشأت سلسلة بطريركية آمد. وقد حمل بطاركتها لقب “يوسف”.

أسم قومي بلا موقع جغرافي واقعي: أول بطريرك سمي ببطريرك بابل على الكلدان هو يوسف الثالث مروكي وأصله من كركوك (1714-1757)، ذلك بحسب مرسوم صدر من الكرسي الرسولي بروما في 18 آذار سنة 17124، مع العلم أنه لا توجد علاقة كنسية ببابل، إنما علاقة قومية، بكون بابل عاصمة المملكة الكلدانية.

يوحنا هرمز بطريرك بابل رسميا وكرسيه في الموصل: وفي الخامس من تموز 1830، ثبّت البابا بيوس الثامن يوحنا هرمزد رسميًا” بطريرك بابل على الكلدان ” Patriarcha Chaldaeorum Babylonensis”، وجعل كرسيّه في الموصل والبطريرك يوحنا هرمز منشق من خط التوريث في كنيسة المشرق. عمّه البطريرك ايليا الثاني عشر دنحا (1778- 1804). ولد يوحنا في القوش سنة 1760 ورسم شماساً وهو صبي ذو 12 سنة. رسم كاهناً واسقفاً في عيد حلول الروح القدس سنة 1776 وسمّاه يوحنا باسم أبيه، وهو في السادسة عشرة من عمره. البطاركة الكلدان الحاليون هم من هذا الخط (طالع سيَر البطاركة ص 172).

كرسي ساليق ضمن بغداد لقرون عديدة

إن الكرسي البطريركي كان في المدائن (ساليق وقطيسفون- سلمان باك اليوم)، أي بغداد ولقرون عديدة. نقله البطريرك يهبالاها الثالث المغولي الى مراغة – ايران، عاصمة المغول، بسبب سقوط بغداد على يد هولاكو خان سنة 1258. وبوفاته نقله طيمثاوس الثاني إلى أربيل، ثم سكن خليفته دنحا الثاني (1332-1364) في كرمليس. وبعد وفاته سكن بعض البطاركة في الموصل أو  في جزيرة ابن عمر، ودير الربان هرمزد والموصل من جديد، الى ان – تحت ضغط الأوضاع المضطربة في الموصل – اعاده البطريرك بولس الثاني شيخو الى مقره الاكثر امتداداً في التاريخ الى العاصمة بغداد سنة 1960. هكذا، كما أرى، تاريخياً وعلمياً، سادت تسمية “بطريرك بابل على الكلدان” من دون وجه تاريخي أو كنسي. وكثيراً ما يسألني بعض الكرادلة وألاساقفة الغربيين عن معنى تسمية بطريرك الكلدان ببابل، فاقول لهم التسمية اُطلـِقت علينا بسبب الانتماء القومي وليس التقليد الكنسي المتوارث لكنيسة المشرق.

شخصياً وفي نطاق الموضوعية العلمية والراعوية لا أجد ضيراً في أن يتلقى هذا الموضوع التحفظ من جهات سياسية قومية بحتة، بل على العكس، أجده يضع هذا التوجه الكنسي للتسمية في المسار التقيلدي الطبيعي لرسالتها، واستقلاليتها عن مختلف المحاور السياسية، والتي قطعت شوطاً في الاستقلالية عن الكنيسة وفي الشعور القومي معاً.

وبعد، يعزُّ عليَّ وأنا بطريرك الكنيسة الكلدانية، وله تخصص أكاديمي، وأبحاث عن تاريخها، ان يمر هذا الموضوع مرور الكرام، فكان من باب الأمانة العلمية والحسّ الراعوي أن أتناوله بكل موضوعية، والتي على ضوئها اتمنى أن نعود الى التسمية التاريخية الأكثر دقة ومواءمة “بطريرك بغداد على الكلدان”. وسوف أطرح هذا الأمر على أخوتي الأساقفة الأجلّاء لتدارسه في السينودس القادم.
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية