الحوار والراي الحر > المنبر الحر

ذكرياتي الجامعية مع رحلة الفقيه الدستوري الدكتور منذر الشاوي "رحمه الله" يقودها الدكتور عبد الحسين شعبان

(1/1)

أبرم شبيرا:
ذكرياتي الجامعية مع رحلة الفقيه الدستوري الدكتور منذر الشاوي "رحمه الله"
يقودها الدكتور عبد الحسين شعبان
============================================================== أبرم شبيرا
نشر إستاذنا الفاضل وعالم القانون والسياسة الدكتور عبد الحسين شعبان موضوعاً مؤثراً عن رحيل عمود من أعمد القانون الدستوري في العراق المرحوم الدكتور منذر الشاوي في بعض وسائل الأعلام والتواصل الإجتماعي وكذلك على موقع عنكاوه دوت كوم، الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1012102.0
فعلى الرغم من طول الرحلة التي قادها إستاذنا الفاضل الدكتور عبد الحسين شعبان عبر محطات تاريخية على مسيرة العلم والثقافة خاصة في حقلي القانون والسياسة التي إجتازها الدكتور منذر الشاوي "رحمه الله" مع  أقرانه وزملائه وطلابه من فرسان هذه المسيرة، فأن طول هذه المسيرة بدت لي بصفحاتها العديدة قصيرة جداً خاصة عندما جاء ذكر بعض الأساتذة الأفاضل الذين كان لهم فضلا كبيرا على تحصيلي العلمي للبكلوريوس بدرجة جيد جدا ثم لدرجة ماجستير وبتقدير إمتياز في العلوم السياسية من جامعة بغداد، فهو الأمر الذي دفعني لأن أقرأ الموضوع أكثر من مرة وأستمتع أيما إستمتاع خاصة عندما شعرت بأنه فعلاً يرجعنا إلى مرحلة الشباب والجامعة والنضال العلمي الفعلي في ظروف صعبة كان يسودها الإستبداد الفكري،  خاصة بعد إنهيار الجبهة المشؤومة وقيام حزب البعث العراقي قبيل نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي بقمع الأفكار التقدمية والشخصيات العلمية البارزة التي رفضت الدوران في فلكه الإستبدادي. ظروف إستبدادية وضعت الأساتذة وطلاب الجامعات خاصة في كلية القانون والسياسة في مواقف صعبة لم يكن أمر الإنفلات منها سهلاً دون مخاطر وخسائر، وقد يكون أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الحسين جزء من هذه الحالة. ففي تلك الفترة  شرع أزلام البعث بوضع أسلوب لتقييم التوجهات الفكرية والإنتماء السياسي لبعض الأساتذة والطلاب التقدميين والمستقلين في الكلية والتي كانت تقوم على قاعدة، "إذا أنت غير منتمي إلى حزب البعث... فإذن أنت شيوعي"، وأنعكس جانب من هذه الظروف الإستبدادية الفكرية في مواضيع الأطروحات الجامعية التي قدمت لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه.
لا أستطيع أن اضيف شيئاً إلى مسيرة المرحوم سواء على مستوى العلمي كأستاذ بارع في القانون الدستوري أو على المستوى المهني كوزير للعدل ثم التعليم العالي والبحث العلمي، لأن الدكتور عبد الحسين شعبان قام بالواجب المطلوب تجاه صديقه وزميله. صحيح كما يقول الدكتور عبد الحسين عن المرحوم "بغض النظر عن الإختلاف في التوجه والرؤية وزاوية النظر والخلفيات الفكرية أزاء تلك النصوص الدستورية والقانونية وفلسفتها ومقاصدها والأهداف التي تقف خلفها والجهات التي تخدمه، فقد كان الشاوي جزءاً من مرحلة شديدة الحساسية والتعقيد والوحدانية والإطلاقية وكان هامش حرية التعبير محدوداً إن لم – يكن - معدوماً، وعلينا أن لا ننسى ذلك عند التوقف عنده أو عندها، وحاول أن يفلسف رؤية السلطة القانونية ضمن سياقات السلطة النافذة وتوجهاتها المعلنة وأيديولوجيتها السائدة في مراحلها المختلفة...." وتجلى ذلك في عمله كوزير للعدل ثم وزير للتعليم العالي والبحث العلمي ومستشار لرئاسة الجمهورية ولمكتب صدام حسين...." ويضيف الدكتور عبد الحسين "في جميع المواقع التي شغلها المرحوم وعمل فيها كان يتمتع بصدقية وإستقامة وحرص ومسؤولية وحاول أن يحتفظ لنفسه بهامش من الاجتهاد في حدود الممكن والمسموح به، وكان يدرك الأرضية التي يقف عليها ويقيس المسافة بدقة بينه وبين قمة الهرم من خلال ذكائه الحاد وحكمته وبُعد نظره وصبره...". لا بل والأكثر من هذا فالمرحوم يعتبر عراب الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 وقانون الحكم الذاتي ومشروع الدستور الدائم لعام 1990 الذي لم يرى النور بسبب غزو النظام العراقي للكويت. وقد أنعكست جوانب كثيرة لإستبدادية البعث في هذه التشريعات خاصة في الدستور المؤقت لعام 1970 بمادته الثانية والأربعين التي اعطيت لمجلس قيادة الثورة صلاحيات تشريعية وبالخص الفقرة (آ) منها التي جاء فيها "إصدار القوانيين والقرارات التي لها قوة القانون" أي بهذا المعنى كان مجلس قيادة الثورة سلطة تشريعية وتنفيذية.
لقد أشرت هنا إلى المادة الثانية والأربعين من الدستور لعام 1970 لأنها كانت "بلوة البلاوي" في إضفاء الشرعية القانونية والدستورية على جميع القرارات التي أصدرها نظام البعث في العراق.  فبلسان المرحوم نفسه، أكد بأن هذه الفقرة هي من بنات أفكاره. حيث كان المرحوم أستاذنا لمادة القانون الدستوري للسنة الثانية في الجامعة المستنصرية – كلية القانون والسياسة – قسم العلوم السياسية، وفي أحد محاضراته كان الموضوع عن الدستور الجامد والدستور المرن. فجاء الحديث عن هذه الفقرة من دستور عام 1970 كحل بين النوعين من الدستور وقال بأن النقاشات دارت كثيراً بين أعضاء لجنة صياغة هذا الدستور وبالاخص المادة الثانية والأربعين منه، ولجنة الصياغة كانت متكونة من عشرة خبراء في القانون الدستوري يرأسها صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. وعندما طرحت للتصويت عليها تسعة أعضاء رفضوا هذه الفقرة ضد المرحوم الذي دافع عنها ثم وقف صدام حسين إلى جانبه فأقرت هذه الفقرة. ليس هذا فحسب فأنا شخصياً كطالب مبتدأ في القانون الدستوري كنت أدخل في نقاشات مع المرحوم وهو أستاذ بارع في هذا المجال. وذات مرة أتذكر كان موضوع المحاضرة عن أطروحته للدكتوراه التي حصل عليها من فرنسا ونال عنها شهادة دكتوراه دولة، وهي أعلى شهادة أكاديمية في فرنسا، حيث ذكر بما معنى بأن القوى السياسية والأحزاب المسيطرة في الغالب هي التي تضع الدستور، سواء بتأثير مباشر أو غير مباشر، وليس لجنة صياغة الدستور المنتخبة من قبل الشعب او من خلال لجانه. فأنتفضتُ من مكاني كطالب يطمح يوماً ما ليكون مثل أستاذه، وقلت "يا أستاذ هذا عادي وشيء طبيعي". فأثار كلامي هذا هيجانه وقال وبنوع من الإنفعال "يا أفندي... فهذا الذي تقول عنه بأنه عادي وشيء طبيعي كلفني سنوات عديدة من البحث والتقصي في العشرات من الدساتير إلى أن وصلت إلى هذه النتيجة!!. وقبل إكماله السنة الدراسية الثانية تم توزيره وتوقف عن إلقاء المحاضرات في الكلية فحل محله أستاذ آخر كبير في القانون الدستوري وهو الدكتور نوري لطيف، طيب الله ذكراه.
على العموم، أعود وأقول بأنني أكتب هذه السطور ليس لبيان عبقرية المرحوم في القانون الدستوري، فالدكتور عبد الحسين شعبان قام بأكثر من واجب تجاه المرحوم، بل أن ورود بعض أسماء الأساتذة الأفاضل التقدميين واليساريين وربما بعضهم شيوعيين البارعين في حقل إختصاصهم هو الذي طرق "صندوق دماغي" وفجر الذكريات الأليمة والجميلة أيضا سواء في فترة دراستي لمرحلة البكلوريوس في كلية القانون والسياسة بجامعة المستنصرية أو لمرحلة الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد. فهؤلاء الأساتذة الفطاحل والتقدميين هم الذين اثروا كثيرا في مساري التعليمي والحصول على شهادة ماجستير في العلوم السياسية وبتقدير إمتياز. ومن هؤلاء الكبار، وأجيز لنفسي أن أطلق عليهم عباقرة، إبراهيم كبه أستاذي لفكر الإقتصاد السياسي الذي حرم من درجة "بروفيسور" لكونه لم يكن يحمل شهادة الدكتوراه. والأستاذ التقدمي الدكتور صادق جعفر الأسود إستاذي لعلم الإجتماع السياسي، والأستاذ الدكتور هشام الشاوي، شقيق المرحوم، الذي كان يدرسنا مبادئ علم السياسة، فعلى الرغم بأنه لم يكمل عامه الدراسي معنا إلا أن محاضراته "ملزمه" أصبحت هي المادة الأساسية لدراسة مبادئ علم السياسة. ومن المعروف عن الدكتور هشام الشاوي بأنه كان بعكس شقيقه المرحوم الدكتور منذر لا يساير النظام بل كان صامدا ومدافعاً عن أفكاره القومية التي لم تكن مرضية لنظام البعث في تلك الفترة فأحتسب على القوى المعارضة. والمعروف عن عائلة الشاوي بأنها عائلة علم وثقافة وأذكر منهم الدكتور سلطان الشاوي أبن عم المرحوم والدكتورة منار الشاوي بنت عم المرحوم وغيرهما. وهنا يجب أن لا أنسى الدكتور حكمت شبر أستاذي لأصول القانون في السنة الأولى والدكتور صالح جواد كاظم إستاذي لمادة "الحريات" في السنة الثالثة والدكتور علي الملاح إستاذي في السنة الرابعة لمادة "الجغرافيا السياسية". كان هناك نوع من الهمس ينقله الطلاب عن بعض الأساتذة الذين كان العلم والتعليم يجري في عروقهم وجزء من حياتهم، أمثال عالم الإقتصاد السياسي إبراهيم كبه والعالم الجغرافي الدكتور علي الملاح بأنهم يلقون محاضراتهم في الجامعة المستنصرية – القسم المسائي مجاناً وبدون مقابل أو أجور.
أما في مرحلة الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد، قبل إنتقالها من منطقة الوزيرية إلى الجادرية وإنفصال قسم السياسة عن القانون وتأسيس كلية خاصة بالعلوم السياسية، فأن تأثير بعض الأساتذة على توجهاتي العلمية والفكرية كان أكثر بكثير وبشكل مباشرة خاصة في مرحلة إعداد أطروحتي لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية. وقبل هذا من الضروري أن أعرج قليلا على سياسة القبول في الدراسات العليا في الكلية في تلك المرحلة الصعبة من القمع الفكري والسياسي. فقبل نهاية العقد الثامن من القرن الماضي كانت الكراسي للدراسات العليا أو أغلبها محجوزة للوزراء وقادة حزب البعث والكوادر المتقدمة الذين بعضهم لم يكن يحملون حتى الشهادة الثانوية، غير أن أمر قبولي في الدراسات العليا كشخص مستقل غير منتمي لحزب البعث، كان بسبب تخرجي من مرحلة البكالوريوس بدرجة جيد جداً وكنت الأول في قسم العلوم السياسية في كلية القانون والسياسة بجامعة المستنصرية لعام 1975 – 1976. وبعد أنخراطي في الدراسات العليا وبناء الصداقة مع بعض زملائي، ومنهم من كانوا أعضاء في منظمة حزب البعث في الكلية، سألت ذات يوم أحدهم، وأتذكر كان أسمه "خلدون" طيب الله ذكراه، عن سبب قبولي للدراسات العليا وأنا غير منتمي لحزب البعث، فقال "بالإضافة إلى درجة تخرجك العالية، كنا نعرف بأنك مستقل وغير منتمي لأي حزب، خاصة الحزب الشيوعي، فأعتقدنا بأنه سيكون أمر كسبك للإنتماء للحزب أسهل بكثير ولكن ظهر بأنك كسبتنا أنت ولم نستطيع أن نكسبك!!!" . ومصدر كسبي لهم كان قائما على بناء صداقة نظيفة وصريحة معهم تخللتها سهرات وطلعات وسفرات بعد أنتهاء الدروس لا بل ومساعدتهم كثيرا في شرح وتفصيل بعض مواد الدروس لدرجة إنني طرحت على بعضهم مواضيع لتكون مادة لأطروحتهم الجامعية وإرشادهم للمصادر المطلوبة في الدراسة والبحث، فكان كل هذا موضوع تقدير وأحترام لي من قبلهم.
مرحلة الدراسات العليا وبالذات فترة إختيار الموضوع لكتابة الأطروحة والأستاذ المشرف، تعبر أكثر المراحل تأثيراً وأهمية في حياتي العلمية في تلك الفترة. فقد ذكر أستاذنا الدكتور عبد الحسين أسماء بعض الأساتذة الذين كانوا مصدراً لإلهامي في مواصلة الدراسة بهمة وإصرار رغم الظروف الصعبة، منهم الدكتور وميض جمال نظمي رئيس قسم العلوم السياسية في كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والدكتور صادق جعفر الأسود والدكتور طارق علي الهاشمي. ويظهر بأنني كنت موفقاً، لا بل محظوضاً عندما طلبت من أستاذي الفاضل الدكتور وميض جمال نظمي أن يكون مشرفاً على الأطروحة التي سأكتبها بعد أنتهاؤنا من السنة التحضيرية، فوافق على الفور لأنه كان يعرف حق المعرفة قدرتي العلمية وإصراري على مواصلة الدراسة والحصول على نتائج مبهرة. كان الدكتور وميض معروفاً بنزاهته وصدقيته وعدم مساومته على حساب فكره وتوجهاته السياسية المستقلة عن النظام وبقية الأحزاب السياسية، لا بل كان يعرف بعض الشيء عن الآشوريين وتاريخهم وحركتهم السياسية لعام 1933 والمذبحة التي أرتكبت بحقهم من قبل بعض قطعات الجيش وبعض العشائر الكردية خاصة وأن أطروحته للدكتوراه كانت عن التاريخ السياسي للعراق وتحديدا عن ثورة العشرين. هذا الأمر هو الذي دفعني أن أطرح عليه فكرة أن تكون (الحركة الآشورية لعام 1933 – الأسباب والنتائج) موضوع أطروحتي للماجستير، فما كان منه إلا أن يتوقف عن الحديث وبإندهاش قال وبنوع فيها مزحة "والله أنت بطران.... تريد نبتلي ويحطونا بالسجن". على العموم كنت أرغب أن أكتب موضوعاً خارجاً عن أطار المواضيع المألوفة للرسائل الجامعية في الكلية والتي كانت معظمها تدور في فلك فكر حزب البعث أو اللجوء إلى المواضيع التاريخية، مما أضطريت للسفر إلى لندن وقضاء أربعة أشهر هناك للبحث والتقضي في المراجع المتاحة في مدرسة لندن للإقتصاد والعلوم السياسية التابعة لجامعة لندن. فبعد العمل المضني والشاق، لأن الكومبيوتر لم يكن متاح في تلك الفترة بشكل واسع خاصة لفهارس المكتبات، توصلت إلى أن أكتب موضوع أقرب إلى علم الإجتماع السياسي وتحت عنوان "المثقفون ودورهم في التحولات الإجتماعية" وهو بحث مقارن بين الفكر الماركسي والفكر الرأسمالي عن المثقفين وعلاقتهم بالطبقات الإجتماعية والأحزاب السياسية والسلطة السياسية والثورة متخذا من مفهوم المفكر أنطونيو غرامشي، المؤسس الفعلي للحزب الشيوعي الإيطالي، عن المثقف العضوي كأساس لبحث علاقة المثقفين بهذه الظواهر وموقعهم ووظيفتهم السياسية والفكرية فيها.

عندما طرحت الموضوع على إستاذي الدكتور وميض وشرحت له خطة البحث، وقف صامتا ومندهشاً لا بل وحائراً وأتذكر عندما قال "يا أفرام أنك تُدخل نفسك في متاهاة قد لا تصل بها إلى نتيجة موفقة ولكن.... أشجعك أن  تخوض هذه المغامرة العلمية لعل قد تصل إلى نتيجة ما خاصة وأنه موضوع جديد غير مألوف في الرسائل الجامعية في الكلية". وفي حينها عرفت سبب موقف الدكتور وميض هذا لأن في تلك الفترة كانت معظم الكتب الماركسية واليسارية وحتى التقدمية كانت قد أختفت من المكتبات والأسواق بسبب سياسة البعث في مطاردة الأفكار التقدمية ومحاولة تطبيق منهجه في "إعادة كتابة التاريخ". ولكن الكتب والمختصرات التي جلبتها من لندن كانت خير عون لي في إكمال رسالتي بالشكل المطلوب واللائق والتي أستغرق إكمالها بحدود سنتين.


أدرك الدكتور وميض صعوبة الموضوع وخطورته العلمية لذلك إختار ثلاثة  أساتذة مستقلين وتقدمين غير منتمين إلى حزب البعث ومعروفين بقدرتهم العلمية العالية وخبرتهم في مثل هذا الموضوع ليكونوا أعضاء لجنة المناقشة طالباً من الدكتور عبد الرضا الطعان ليكون رئيساً والدكتور صادق الأسود والدكتور طارق الهاشمي أعضاء لجنة المناقشة، خاصة وأن كل من الدكتور عبد الرضا الطعان والدكتور صادق الأسود كانا أساتذتي في مرحلة البكلوريس ولهم معرفة بقدراتي العلمية ومثابرتي الحثيثة في الدراسة.
 
ومما أثار مشاعري تجاه اللجنة هو مشاركة الدكتور طارق الهاشمي في اللجنة رغم كونه معتل الصحة ويصعب عليه المشي مصراً على المشاركة في اللجنة وذلك لكون موضوع الرسالة جديد في نوعه وأهميته ومثير للإهتمام. ففي يوم المناقشة طلب من أحد الطلاب أن يحمل له النسخة الثقيلة من الأطروحة المتكونة من اكثر من 560 صفحة إلى قاعة المناقشة لأنه كان صعباً عليه حمله.
ثم بعد الإنتهاء من المناقشة التي أسستغرقت ما يقارب أربعة ساعات وإنسحاب اللجنة للمداولة وتقدير الرسالة، عادت اللجنة إلى القاعة بعد مداولة طويلة ليعلن رئيسها الدكتور عبد الرضا الطعان بأن الرسالة "مقبولة ومنحت درجة الماجستير في العلوم السياسية وبتقدير إمتياز مع توصية بطبعها على نفقة جامعة بغداد" فأعتلت القاعة بالهتافات والتصفيق التي كانت مكتظة بأساتذة وزملاء وأصدقاء وعدد كبير من أعضاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد.


   
تقديم الشكر والعرفان لأعضاءلجنة المناقشة، من اليمين الدكتور صادق الأسود، ثم الدكتور وميض جمال نظمي (المشرف على الأطروحة)، ثم الدكتور عبد الرضا الطعان (رئيس اللجنة)، ثم الدكتور طارق الهاشمي، طيب الله ذكراهم ورحم روح الذين أنتقلوا إلى الأخدار السماوية.
=============================================================

بعد الإنتهاء من المناقشة ومنح درجة الماجستير للأطروحة وبتقدير إمتياز ... صورة يظهر فيها ثلاث أساتذة مصريين جاءوا لتهنئتي، في الوسط الدكتور محمد أنور عبد السلام أستاذي لعلم الإجتماع السياسي والإثنان الآخران أساتذة في كلية الآداب بجامعة بغداد أستدعاهم الدكتور محمد أنور لحضور مناقشة أطروحتي وكان من المعجبين بموضوع الأطروحة، وفي الخلف يظهر الصديق زيا دنخا، حاليا في كندا. أرجو المعذرة على رداءة الصورة فعمرها أكثر من اربعين عاماً.
=================================================================
قبل الإنتهاء من هذه  الرحلة الطويلة أود أبين بعض الحالات التي تبين إستبدادية نظام البعث للعلوم والفكر المستقل وما له علاقة بحياتي العلمية في الجامعة.
•   بعد إنتهاء المناقشة وصدور قرار اللجنة بتقدير إمتياز ذهب الدكتور محمد أنور عبد السلام إلى عميد الكلية متسائلا عن سبب عدم حضوره لهذه المناقشة الفريدة من نوعا والتي حصلت الأطروحة ولأول مرة على تقدير إمتياز. فرد العميد عليه قائلاً لا فائدة من هذه الأطروحة لأنها لم تتطرق إلى فكر حزب البعث ولا إلى ثورة السابع عشر من تموز.
•   كان قرار لجنة المناقشة إضافة إلى تقدير إمتياز، طبعها على حساب جامعة بغداد. وفعلا قامت الكلية بالإجراءات اللازمة لطبعها غير أنه ذات يوم أستدعاني الدكتور وميض وقال لقد رفضت الرقابة طبع الأطروحة، فقلت لماذا؟ فجاء بنسخة من الأطروحة ومكتوب على غلافها الثاني (لا تصلح للطباعة لكونها لم تناقش أو تساهم في فكر البعث) مع الختم والتوقيع. يظهر بأن هذا الرفض كان بتوصية من عميد الكلية.
•    قدمت عدة مرات لإكمال دراستي نحو الدكتوراه، الأمل الذي كنت أنشده في تلك الفترة، سواء عن طريق البعثات أو على حسابي الخاص. كنت إجتاز المقابلة أو الإمتحان الشفهي وبإمتياز وبتأكيد من أساتذة أعضاء لجنة المقابلة ومنه الدكتور صادق الأسود الذي بعد إنتهاء اللجنة من مهماتها قال: "تهانينا فأنت أول المقبولين". ولكن بعد بضعة أيام ظهر أسماء المقبولين لدراسة الدكتوراه ولم يكن أسمي من بينهم، ولما أستفسرت عن السبب قالوا بأنه لم تحصل موافقة الجهات العليا.
صحيح هو أن النظام المستبد في العراق في تلك الفترة حرمني من تحقيق حلمي في إكمال دراستي الجامعية نحو الدكتوراه، ولكن الذي حصلته وبتقدير إمتياز وفي ظروف إستبدادية قاسية  يعد شرفاً عظيماً وإعتزازا كبيرا في بناء شخصيتي العلمية والثقافية المستقلة لا بل هو بمثابة عنصر من عناصر الصمود والثبات والسعي نحو تحقيق الهدف من دون المساومة والتملق والخضوع للإستبداد.  فأنا راضي كل الرضى بما حصلت عليه متأملا أن أستطيع تسخيره لخدمة أبناء أمتي من الكلدان والسريان والآشوريين، وهذا الذي كنت أطمح إليه منذ اليوم الأول في الجامعة عندما أنتقلت من كلية الاداب إلى كلية القانون والسياسة – قسم العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية – القسم المسائي حيث كنت أعمل في النهار وأدرس في المساء مدركاً صعوبة الحصولة على درجة علمية عالية وبتفوق ما لم يتوفر لها الوقت والثبات وربما العناد في إستمرار التعلم. فأرجو من أخوة القراء أن يستوعبوا الظروف الصعبة التي من خلالها حصلت على تعليمي الجامعي وبتفوق وبأمل أن لا يتهمونني بالنرجسية بسبب عرض هذا الموضوع الشخصي، فالغرض منه هو أن يكتسب غيري، خاصة طلاب الدراسات العليا، تجربة تؤكد بأن الأماني والتفوق لا تتحق إلا بالمثابرة والجهد المتواصل.
وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أشكر أستاذنا الدكتور عبد الحسين شعبان على فتح نافذة مطلة على مرحلة مهمة من مراحل التعليم في العراق وخاصة في كلية القانون والسياسة مسطراً أسماء أساتذة كبار لعبوا دوراً كبيراً في بناء المفاهيم الفكرية التقدمية في ظروف صعبة جداً ملئها الإستبداد الفكري. فألف تحية وتحية لكل أساتذة الكلية وخاصة الذين وقفوا معي سواء في مرحلة البكلوريوس أو في مرحلة الماجستير.

رغم كون تخرجي بتفوق وكنت الأول على الكلية لم ينشر الخبر في الجرائد العراقية، كما كانت العادة جارية، غير عمود في جريدة بغداد أوبزيربر باللغة الإنكليزية وذلك بفضل محررها الآشوري السيد إيشو (آسف لا أذكر أسمه الكامل) ولكن أتذكر كان والد الدكتور جالس أحد أعضاء النادي الثقافي الآشوري.
=====================================================================








اخيقر يوخنا:
رابي ابرم  شابيرا
شلاما

مع فخرنا واعتزازنا بشهادتك القانونية الا اننا نعتقد وحسب ما يفرزه الواقع السياسي العراقي
ان المثقفين لا دور لهم بل تم نبذهم والدور المؤثر السياسي  الوحيد هو لرجال الدين
تقبل تحياتي 

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة