المحرر موضوع: قرابين على مَذَبحّ الشّك  (زيارة 427 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قرابين على مَذَبحّ الشّك
« في: 04:37 29/03/2021 »
قرابين على مذبّح الشكْ
بقلم/ سلوان ساكو
تتغير الحوادث التاريخية مع تغير الوقائع من حولنا في اتجاهات مختلفة، وفي سياقات عديدة، منها ما يكون ديني أو سياسي أو أجتماعي، ليبحث هذا التغير في مكان ما يتمحور حوله أو يُشكل مكانة خاصة ضمن إطار معين ليصير لاحقًا مذهب أو عقيدة أو اتجاه فكري في أحيان آخرى. في النهاية تصبح هذه الاتجاهات مجموعة أقوال وأفعال بأُطُر مُقعنة يقذفونها مخترعيها داخل هذا المجتمع بكل قوة لتتبلور  وتتخذ لها مكان ما. نعم هناك بعض الأمور الغير مفهومة بالحياة، كخشية الناس من بعض الناس، وسطوتهم عليهم والسيطرة على عقولهم بالكامل مما يجعلهم أسرى لذلك الشخص أو ذلك المُعتقد.
في عام  1965 أدعى القس جيم جونز أنه المسيح المنتظر، كان ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية. قال جونز فيما قاله أن العدالة والمساوة والتسامح يجب أن تكون بطريقة ماركسية اشتراكية، ومن خلال هذه الأفكار تمكن من السيطرة على رؤوس المئات من البسطاء والجهلة والمعوزين وأيضًا بعض المثقفين. حقن رؤوسهم برماد الوهم الايدلوجي والذي كان  يعدهم من خلاله بالخلاص المقدس والدخول إلى فناء اورشليم العليا هناك في الفردوس السماوي.
تمكن هذا الإنسان العجيب الذي لن يتكرر مرة ثانية، من السيطرة المطلقة على الجماعة، وحولهم إلى قطيع يُمارس نفوذه عليهم بشكلٍ كامل. واستطاع في النهاية من إلغاء مريديه نهائياً وحولهم إلى جماد طوع بنانه. أخذهم حيث أراد وأسس معبداً سماه معبد الشعب في غويانا في أمريكا الجنوبية وتحديداً في الجزء الشماليّ الشرقيّ منها، وقال لأتباعه إنه يريد تأسيس مجتمع جديد خالٍ من العنصرية والظلم والاستغلال، فبات مُجمع الشعب يضم مئات العوائل من كافة شرائح المجتمع ومثقفيه. هنا خرجت الأمور عن السيطرة داخل الكونغرس الاميركي وتوجس الرأي العام انذاك من هذه الجماعة الشاذة، وأرادوا معرفة الحقيقة خاصة بعد أن سلحهم جيم بالسلاح والذخيرة الحية، فقام أحد اعضاء المجلس بالسفر إلى غويانا، وبعد وصوله بساعات أمر جيم جونز بقتل ليو رايان العضو البارز، كان ذلك في 17 نوفمبر تشرين الثاني من عام 1978. خاف جونز من هجوم وشيك تشنه عليهم القوات الأميركية فأمر جميع مريديه بالانتحار الجماعي، وقال مقولته الشهيرة (لقد حان موعد الليلة البيضاء)، فوقفوا في طوابير طويلة لتلقِّي أكوابٍ من السيانيد القاتل، بدأ بتسميم الأطفال أولاً فتجاوز عددهم 300 طفل، مع نهاية المجزره أطلق جونز رصاصة على رأسه، كانت حصيلة القتلى تتجاوز 900 شخص، تلك الحادثة هزت الرأي العام الأميركي وحازت اهتمام الدارسين والباحثين على مدار عقود. فقد مثلت تلك الحادثة نموذجاً غير مسبوق من السيطرة على جمعّ كبير من البشر بينهم أفراد متعلمين ومثقفين.
سار هؤلاء القوم وراء وهم كبير معتقدين أن الخلاص يأتيهم من شخص مريض أو في أفضل الحالات صاحب  مَأْرَب دنيئة، يستغل الناس أبشع الاستغلال، في النهاية كان السقوط مريع وذهبوا بتجاه هاوية واسعة لا قرارة لها.
تكرر  ويتكرر هذا المشهد عبرَ تجليات اخرى، مثلًا فرقة الحشاشين وزعيمها حسن الصباح، تنظيم ألدولة الإسلامية وابو بكر البغدادية، حتى رجب طيب أردوغان رئيس تركيا الحالي هو جزء من هذا المدّ بشكلٍ  ما، يتلاعب بمشاعر الناس عن طريق الوتر الديني.
 هناك دروس في التاريخ تصلح لأن تكون عبرة وحكمة، لفهم هذا العالم الواسع وعدم الانقياد مثل القطيع وراء أهواء أشخاص يستثمرون توجس وخوف ناس وبالتالي إيقَاعِهم في ضلال مبين.