بطريرك الوحدة والسلام
رجل دين ، يحب قومة ويعشق وطنه ،
عرفناه رجل دين غيور ، اشتغل على نفسه وتدرج في العلوم والمعرفة وحصل على شهادات عليا ، وتسنم مهام داخل الكنيسة مربياً ومعلماً ومدبراً ومديرا للسيمنير ، واستاذا جامعياً ، عرف عنه بتزهده ومساعدته للناس ، أحبته رعيته أينما كلف بالعمل ، لبيب العقل ، عنيد على الحق ، له كاريزما وحضور أينما يحل ، حامل لشهادتي دكتوراه وماجستير ، يجيد عدة لغات منها ( الكلدانية الأم والعربية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية ) ، ولد في العام 1949 في شمال العراق / زاخو ، سيم كاهنا 1974 ، أسقفاً 2003 ، بطريرك 2013 ، كاردينال 2018 .
انه غبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم الذي كتب بحوثا ودراسات في مجالات عديدة ، اشترك في عدة محافل ومؤتمرات دولية وله مؤلفات 38، ومن المقالات اكثر من 300 ، ارتقى اعلى المنابر العلمية لالقاء المحاضرات والدروس في مختلف دول العالم ، كل هذا زاده تواضعا واقتدارا ، لم يحيد عن مبادئه التي اقرها يوم سيم كاهناً، وكرسها وثبت عليها عندما قدم خطابة اثناء تسنمه رتبة المطران واقرها وهى (الأصالة ، الوحدة ، التجدد )
كرم من اعلى واقدس محفل ديني كاثوليكي بالعالم ( الفاتيكان ) عندما اختير ليكون كاردينالاً ، قاد بصبر ونفس طويل رسالته محافظاً على مبادئها ، وفي نفس الوقت يؤكد ويراهن على ان التحدي الحقيقي امام كنائسنا في الشرق هو المستقبل الخاص بها وكيفية الحفاظ على المؤمنين في بلادهم ، وهو من قال ( على الكنيسة قراءة علامات الازمنة) وأصر على حضور الكنيسة بين الشباب والشابات لسماع مطالبهم ومعاناتهم لانهم مستقبل الوجود المسيحي ، وهو من دعا الى مجالس مسكونية بين الكنائس من اجل الوحدة وهو من قال لرؤساء الكنائس الشقيقة تعالوا نجلس معاً اخوة ونتقاسم الهموم ونطرح الحلول لمشروع وحدة الكنيسة ومازال يعمل ويجتهد وبدون كلل او ملل لتحقيق ذلك ، ولكي نبقى نستمر بالكتابة علينا فرد صفحات كثيرة لعملة وجولاته ومواقفه الدينية .
هذا كان سيدنا البطريرك مار لويس ساكو رجل الدين صاحب الحبور والسرور .
والان لنغور في سيرة غبطة البطريرك مار لويس ساكو العطرة في المجال القومي والوطني ، علينا ان نقدم الشكر للرب لانه بيننا في هذا الزمن ، زمن الازمات ، في زمان خلت فيه الرجال المتزنة والقارئة للمستقبل وذوات الفكرة الثاقبة والعقل الراجح عندما تعصف ريح الشغب والقلق والكروب والحروب ، انه كان حاضراً وشاخصاً رافعاً صوت الحق امام من أراد ان يبخس حق شعبنا المسيحي في المجال الديني والوطني ، وهو من نادى باصلاح قانون الأحوال المدنية ، والتجاوز على الممتلكات والعقارات ، وحالات الإقصاء المتعمد لابناء شعبنا في دوائر الدولة ، وتغييب دوره في مراكز صنع القرار والحكومة والبرلمان ، كان الحاضر المقدام الباسل الشجاع امام الحاكم ، والرئيس والوزير ، وطرق أبواب الشخصيات الدينية والوطنية الموالية والمعارضة حاملاً هموم شعب ومصير مكون مهم واصيل وأساسي في تشكيلة الأمة العراقية ، عندما غاب من كان مكلف بالقيام بواجبه ، والسبب واضح وجلي لان غبطته كان يعمل بدون أجنده خاصة ، وليس له مصلحة حزبية ضيفة او مصلحة شخصية انانية ، كونه رجل ذو قيم سامية خاض عملاً مجبراً عليه تدفعه غيرته على بيته وشعب، كان يعمل بتجرد ومسؤولية وابوبيه ، وبلا تفاوت ، فكانت الأبواب مشرعة امامة ، نجح في الكثير الكثير ومازال الى يومنا يقارع الحجة بالحجة من اجل مصلحة العراق وشعبة وتأسيس دولة المواطنة والقانون .
وما كفاحه ومتابعته واستماتته لتحقيق زيارة الحبر الأعظم البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الا إيمانه بوطنيته لانه كان يتوخى من هذه الزيارة بالاضافة الى تحقيق غايات تاريخية دينية، كان له أمل بان تعطي هذه الزيارة رجاء وطمأنينة للعراقيين ، عندما خاطب غبطته البابا بنفس وطني غيور بقوله ( زيارتكم التاريخية من شانها ان تشجع العراقيين على تخطي الماضي الأليم بالمصالحة الوطنية ، بانهم اخوة ) .
وكيف ننسى مواقفه ومداخلاته وزياراته المتكررة لاحتواء أزمة المحكمة الاتحادية وما رافقها من مشاكل ، ولم يدخر وسعاً لأبعاد القضاء العراقي عن اي تدخل خارجي في رسالته القانونية العادلة وهى ان للقضاء استقلالية مقدسة تنبع من روح القانون بدون الخلط بينها وبين التشريع الديني المختلف علية .
ناهيك عن ابقاء باب مقره في البطريركية ببغداد مرحبا بكل الفعاليات السياسية وغيرها من داخل وخارج العراق ، والتي يهمها خير وتقدم الشأن العراقي .
ان المتطلع لخطابه القومي المتجرد، يلاحظ كم انه شفاف كما عهدناه ، فهو كلداني ولكنه يعتبر نفسه أخاً للسرياني والآشوري في عين الوقت وكما يردد دائما ( الكلدان والاشوريون والسريان إخوة متنوعون) .
سنكتفي بالحديث الى هنا وسنهمس بصوت عالي في اذان البعض من الذين خدشوا وصدعوا مسامعنا بالحديث المؤذي والمسيء بدون اي مبرر او سبب ، وكذلك اصحاب الأقلام المسيئة عليهم مراجعة حساباتهم الخاطئة ، ونقول ، اين انتم امام هذه القامة والقيمة الدينية والوطنية والقومية ، اين انتم امام هذه المنارة العالية المضيئة في سماء العلوم والمعرفة ، اين انتم من هذا الثرا والغنى الروحي والنفسي ، والحضور والوجود الشخصي المستحكم بفكره وحقه ومطالبه .
ان وجود قائد بهذه الصفات مدعات فخر واعتزاز وايضا رجاء لإعادة الحياة لجذور حاولت قوة الظلام اجتثاثها من ارض الأجداد ، آن الأوان لكي نتوحد على الكلمة السواء بيننا من اجل تخطي كل العقد المصطنعة بيننا سواء كان اختلاف تاريخ الاحتفالات الدينية او التسميات الدينية والقومية ، لاننا حتما عبرنا الى الطرف الثاني حيث الأمان والمستقبل الزاهر حيث ان العراق اليوم يشهد بداية لإعادة ما خربته الحقب السابقة ، وبدا يستفاد من نتائج التجارب الفاشلة ، واصبح له حضور إقليمي ودولي ، العراق اليوم يسير صوب دولة مدنية تؤمن بالمواطنة ، وهذا المناخ هو الذي سيعطينا الامل والزخم لترميم بيتنا وبث روح العمل والنضال من اجل بناء أسرتنا الموحده ، وهذا التحول والهامش الكبير من الحرية ، والسقف المتساوي من الحقوق يؤسس للشعور بالأمان والطمائنينة .
من هذا المنطلق الم يحن الوقت لإعادة إطلاق دعوة غبطة البطريرك مار لويس ساكو ، من جديد لحوار مسكوني لإزالة الاختلافات ، الم يحن الوقت لإعادة إطلاق نداء غبطته : (هل سيهُبُّ المسيحيون لاجتماعٍ يناقشُ اوضاعَهم ؟)، أوليست دعوته لتشكيل مرجعية مسيحية علمانية موحدة سبيل للخروج بخطاب موحد .
التذكير بهذه الدعوات وغيرها ضروري وواجب ليس لكونها ممكنة التحقيق وواقعية فقط بل الأهم انها افضل واعدل وأقصر السبل لنبقى موحدين تجمعنا الاخوة الصادقة .
"هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!"
سلام مرقس / باريس
29/03/2021