المحرر موضوع: فَـــرَاغْ ...  (زيارة 403 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل jean yazdi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 83
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
فَـــرَاغْ ...
« في: 16:00 03/04/2021 »
فَـــرَاغْ ...
( أنا و الليل و الذاكرة)   
حَل الغسق و بدأت  الذاكرة  تَرَنُّحِهِا
كأمواج نهر تعرَّى من الصفصاف..
كَمصيري الشاحب المُرتجفْ...!؟
يأخذني الليل لينثر بأضواء الذاكرة على لوح مدرستي كان فيها  مَـقْعَـدي ،  و يرش الليل عِطرهُ الداكن على  أُرجوحة في ساحة المدرسة و قد تآكل حديدها بعد غياب الجميع ، لأول مرة الكُل يُسجَل غياب..! غابت صديقاتي و لا زلت هناك أنتظر...! غاب المعلمون و أنا أُحضر وظائفي..!
تمَلصُت بنفسي قليلاً  متوارياً عن الأنظار لأسرق من الوقت  بعض الوقت كَي أرتشف خِلْسَةً جُعب سيجارة التقطته من أمام دكان العجوز ، حيث كان مُلتقى الجميع كل مساء  ، و بعد كل رشفة سَريعة كنت اختلس النظر من خلف الحائط عَلَّ أحدهم  يأتي...!؟ لكن لا أظهُر تستند على الأسوار لـتُخفي كِتابات الحيطان__ كذكرى سركون أو ذكرى حَمد وشعارت أُخرى... رشفت جُعبَ السيجارة  بسرعة البرق خوفاً من عيون مارقة ، قَضَمَت كَمشة زبيب لقتل روح الرائحة الممنوعة و كالجبان اخبط صفعات فوضوية  عشوائية على سحابة الدخان  تلك لأظهر من وراء دورة المياه تمويهاً بأني كنت في قضاء حاجة ما .! نعم هكذا لكل شيء سرَه وطيّاته.
انتظرت طويلاً و لم يأتِ أحد ...! النوافذ عالية و مُغلقة ، و في الخارج الطريق خالٍ لم المح سوى شيخ عجوز يَجُر خَلفهُ بحبل مصنوع من ثياب قديمة ماعزة مُصابة بالوهن ، أو ربما سَئمت
عِشرة العجوز الطويلة أو لربما هي مثلي تَشعر بِوحشة الوحدة لغياب الأصدقاء .
لم أرى تحت سهام الشمس المُضيئة  سوى نحيب أمل كل شيء كان قد استبيح ، ولم أرى سوى أثر المَنَاسِر المارقة  و آثار  فَرار الأهل.! هذا الفرار الذي يتلو تَرنيمتُه كل فترة من الزمن.
مَللت الإنتظار و لم يأتِ أحد و لكن خَشيتُ الرجوع الى البيت من توبيخ أبي....! لكن مهلاً..! أبي قد مات ، و إخوتي و الخِلان لا أثر لهم ....! مشردون كالطيور في السماء ، و الشوارع  مُقْفِرة خالية من النقاشات ، و حواف الأرصفةِ مُشمئزة من ظِلال أشواك الجمل المُتطفلة ... سَرقت من  الأرض كمشة رماد  من شُجيرات الكُروم  المُحترقة  كي يكون دليلي و زاد ذاكرتي في تشردي  فأنا لم يعد ليَّ ثقةٌ  بالتاريخ.. لأن التاريخ لا يُحب التأمل و قَلمُ  التاريخ هو السلاح و أنا سلاحي هو القلم . فكلما توغلنا في عمق التاريخ لن  نصادف الفرح ...! كله مَليء بالويلات... فَقُلت للتاريخ تافه أنت  و مُكرر أما أنا
لا شيء  يُشبهني لأنني أنا .
أشعلت سيجارتي العشرون  هُنا ، و لكن....!  لَكِنِّي  هناك لا زلت أنتظر رفقتي  وحيداً هناك .
 فـشَرنقة الذاكرة  تحتجزُ روحي خلف أسوار مدرستي... و  خارج الأسوار لا شيء يبشر بطمأنينة الحياة  سوى  ذلك العجوز الذي لم يرغب  ترك الديار.... وحيداً مع مِعزته العقيمة .
(المَنَاسِر= جماعة اللصوص)
جان يزدي
جان يزدي