المحرر موضوع: الإسلاميون يريدون العلمانية لحمايتهم فقط عندما يكونون أقلية  (زيارة 569 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31431
    • مشاهدة الملف الشخصي
الإسلاميون يريدون العلمانية لحمايتهم فقط عندما يكونون أقلية
أنصار العلمانية في الهند هم أنفسهم أعداؤها إذا كانوا أغلبية.
العرب

العلمانية صديقة الأقلية وعدوة الأغلبية
أثار اكتساح حزب الشعب الهندوسي (بهاراتيا جاناتا) الانتخابات البرلمانية في الهند وفوزه بـ280 مقعدا من ضمن 543 مخاوف الأقلية المسلمة في البلاد التي دعت إثر ذلك إلى ضرورة احترام نيودلهي لعلمانيتها، لكن نفس الدعوات لا تتكرر في دول يفوز فيها الإسلاميون بالانتخابات، فهم في هذه الحالة لا يتمسكون بالعلمانية بل يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية على الأقليات التي تتقاسم معهم نفس الجغرافيا.

لندن - يروج الإسلاميون في ما بينهم في الدول التي يمثلون فيها أغلبية أن العلمانية معادية للدين وأن الدين والدولة لا ينفصلان، وأن الإسلام منهج حياة اجتماعي واقتصادي وأخلاقي فهو كل لا يتجزأ، من أجل فرض عقيدتهم وثقافتهم الدينية على جميع الأقليات الأخرى بل يطالبونها بالاندماج، أما في البلدان التي يمثلون فيها أقلية فتراهم يستنجدون بالعلمانية لكي تحميهم. وهذا يعني بكل بساطة أن الإسلاميين يريدون العلمانية عندما يحتاجون إليها لحماية أنفسهم ويرفضونها عندما تكون مطلبا لحماية غيرهم.

ورغم أن عدد المسلمين في الهند يفوق 180 مليون نسمة، إلا أنهم يظلون في حكم الأقلية وسط مليار من الهنود. ولطالما كان تمثيلهم السياسي كمجموعة سيئًا للغاية. واعتبارًا من هذا العام يشغل المسلمون 27 مقعدًا فقط من أصل 543 مقعدًا في البرلمان، وهو ثاني أقل عدد من المقاعد منذ السبعينات.

و قوّى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من شوكة القوميين الهندوس في ظل حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، وأصبح الحزب بمثابة غذاء سياسي للسياسات الطائفية في الهند لعقود قادمة، ما دفع بالأقلية المسلمة إلى مساندة حزب المؤتمر الهندي العلماني لتهدئة المخاوف. واستنكر رجال الدين البارزون أي طموحات لوضع سياسة تقسّم المواطنين الهنود.

وعلى الرغم من وجود الأحزاب الدينية على المستوى المحلي والإقليمي، لا يزال عدد غير قليل من القادة المسلمين يحملون عباءة السياسة الهندية العلمانية على المستوى الوطني.

عودة حزب الشعب الهندوسي للحكم في الهند دفعت الأقلية المسلمة إلى المطالبة بتمسك نيودلهي بعلمانيتها

ومن الناحية العملية لا يزال المسلمون في الهند يصوتون في الغالب للأحزاب التي لديها أقوى فرصة لهزيمة حزب بهاراتيا جاناتا. وحسابات الأحزاب الإسلامية السبعة المسجلة في الهند تدعم العلمانيين بقوة.

وفي ولاية غرب البنغال مثلا يحظى المسلمون بـ6 في المئة فقط من الوظائف الحكومية، و11 في المئة فقط من الطلاب في التعليم العالي مسلمون، و80 في المئة من مسلمي الريف يكسبون أقل من 5 آلاف روبية هندية وأسوأ 6 مناطق أداءً في مجال الرعاية الصحية لديها نسبة سكان مسلمين تزيد عن 25 في المئة. لكن نزلاء السجون من المسلمين يمثلون 37 في المئة.

ويرى متابعون أن دعم الإسلاميين للقوى العلمانية في الهند مرّده إلى المخاوف من تفاقم مظاهر اضطهادهم وظلمهم على الصعيد الاجتماعي والقانوني بعد أن قويت شوكة الهندوس مع وصول مودي للسلطة منذ 2014، لا لأنهم يحبذون العلمانية كنظام حكم تحترم فيه جميع الأقليات ويتم التعامل معهم على أساس المواطنة لا الانتماء الديني.

وقد لخص هذا التناقض عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي (1913 – 1995) عندما قال “لو خيّروا بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية”، فهم يريدون ثمار العلمانية من مساواة وفرص وعدم تمييز في البلاد التي يعيشون فيها وفي نفس الوقت يريدون فرض معتقداتهم الدينية على الآخرين في بلادهم!

الدفاع عن العلمانية

علي الوردي: لو خيّروا بين دولتين لصوّتوا للدينية وذهبوا للعيش في العلمانية
عمدت الحكومة القومية الهندوسية برئاسة مودي إلى سن تشريعات معادية ومستفزة للأقلية المسلمة في الكثير من الأحيان، مثل إلغاء الوضع الخاص لكشمير، وقانون تعديل المواطنة الذي سمح بربط الجنسية بالدين، ومنع الزواج بين الأديان في أجزاء معينة من البلاد، ما زاد الضغط على المجتمعات المحلية المسلمة وفاقم مخاوف أفرادها من الغطاء السياسي الذي توفره مثل هذه التشريعات من تقنين اضطهادهم وشرعنة الاعتداء عليهم وعلى مقدساتهم.

ويمنح قانون المواطنة الجديد الجنسية الهندية للمهاجرين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان شريطة ألا يكونوا مسلمين، ما أثار حفيظة المعارضة والتيار العلماني الليبرالي في الهند، فهم يرون أن من الخطأ استبعاد أتباع دين محدد، وأن منح الجنسية على أساس الدين يقوض الدستور العلماني.

وأبدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة قلقهما وقالتا إن القانون يُقوّض مفهوم علمانية الدولة في الهند، فالعلمانية هي التي قادت الهند منذ الاستقلال وجعلتها من أكبر دول العالم استقراراً وتميزت بالتنمية الاقتصادية في مجال المعلوماتية.

ويرى مراقبون أن ما يحدث في الهند يرجع إلى إرادة مودي في إعادة تشكيل الهند العلمانية وتحويلها إلى دولة أصولية هندوسية، إلا أن هذه الإرادة ليست كافية لإحداث ذلك التحويل، إذ أنه من اللازم وجود تيار أصولي يقاوم تياراً علمانياً يكون عاجزاً عن المقاومة.

وتتعدد تعريفات العلمانية لكن أكثرها اتساقًا واتفاقًا في أغلب بلدان العالم تعريفها على أنها فصل للدين عن الشؤون المدنية، وهذا يعني بالتبعية عدم تدخل الجماعات الدينية في شؤون الدولة، وبالمقابل لا تتدخل الدولة في الشؤون الدينية.

وأجبرت عودة حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة الإسلاميين الهنود على التفكير بجدية حول مستقبلهم في الهند والخيارات السياسية المتاحة أمامهم، فبعد أن كانوا خزانا انتخابيا للأحزاب العلمانية في الهند بدأ التفكير بجدية في ضرورة تشكيل كيان سياسي مستقل وموحد يمثلهم في البرلمان الهندي بدل تواجدهم في البرلمان تحت رايات أحزاب أخرى.

وحاول الإسلاميون في ما سبق تشكيل حزب سياسي حتى يتسنى لهم حماية وصون وتطوير مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، إلا أن المحاولة واجهت العديد من التحديات لعل من أهمها الانقسامات الداخلية بما فيها تلك الناتجة عن الولاءات المتصارعة، والحزبان الإسلاميان الأساسيان في الهند هما العصبة الإسلامية وجماعة الإسلام، وقد كان أداؤهما السياسي ضعيفا طوال خمسين عاما من الديمقراطية البرلمانية.

العلمانية ضمانة لحريات الأقلية
وهذا التمثيل المتدني حدث ربما بسبب عدم وجود حزب  وطني. وعلى النقيض من الصور النمطية للمسلمين الذين يصوتون ككتلة، فإن المجتمع منتشر جغرافيًا في جميع أنحاء الهند ولا يصوت باعتباره كتلة واحدة وطنية ناهيك عن الأحزاب الدينية. وفي أعقاب التقسيم العنيف لشبه القارة الهندية على أسس دينية، دعم معظم المسلمين الهنود حزب المؤتمر الوطني الهندي العلماني لتهدئة مخاوف الانفصال الديني.

وفي الانتخابات هذا الربيع يحلم أسدالدين العويسي وهو نائب في البرلمان الهندي وزعيم مجلس عموم الهند لاتحاد المسلمين بتوسيع حزبه في جميع أنحاء البلاد لمنح المسلمين صوتًا أكبر، حيث يشكل المسلمون 15 في المئة من إجمالي عدد السكان لكن حجمهم لا يعكس ثقلهم السياسي.

وقبل إغلاق الهند مباشرة بسبب الوباء، أدت حركة احتجاجية ثارت على مستوى البلاد ضد قانون الطيران المدني إلى إثارة أعمال شغب في العاصمة.

وفي ديسمبر 2019 مزق العويسي نسخة من قانون الطيران المدني المثير للجدل في البرلمان أمام الجميع. وفي الشهر نفسه قاد الآلاف من الأتباع في مظاهرة ضد التحالف في حيدر أباد، حيث قرأ المشاركون ديباجة الدستور الهندي باللغتين الأردية والإنجليزية.

ويحرص العويسي على تنحية التاريخ العنيف لحزبه جانبًا. والآن يصوره على أنه مجموعة من المسلمين المحاصرين لحماية الدستور الهندي العلماني.

ويقول عدنان فاروقي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملة الإسلامية بنيودلهي، الذي أجرى أبحاثًا مكثفة حول الأحزاب الإسلامية، إن حزب المؤتمر الوطني الهندي “كان دائمًا يعامل المجتمع المسلم على أنهم خراف يجب رعايتها.

ولكن مع صعود العويسي لا يبدو أن هذا هو الحال اليوم”، لاسيما بعد أن بدأ المجتمع المسلم في التحول من دعم الأحزاب العلمانية التقليدية إلى دعم مجلس عموم الهند لاتحاد المسلمين تحت قيادته.

فلا عجب إذن أن يرى معجبوه أنه حصن يحمي مسلمي الهند. ومع ذلك فإن حظوظه في توحيد أصوات مسلمي الهند خلف طموحاته تبدو صعبة المنال وطريقا شائكا على المدى المنظور.

على طرفي نقيض

يتعرض غير المسلمين المتواجدون في عدد من الدول ذات الغالبية المسلمة إلى التمييز على أساس الدين رغم أن أغلب الحكومات لا تتبنى هذا وتسن تشريعات لحمايتهم، إلا أن ذلك محكوم بمنطق الأغلبية والأقلية التي يفرضها عرف مجتمعي مهيمن، فالإسلاميون الذين يستنجدون بالعلمانية لحمايتهم عندما يكونون أقلية خارج بلدانهم يطالبون بتطبيق تعاليم الإسلام في بلدانهم عندما يكونون أغلبية أو بمجرد فوزهم بالانتخابات.

وبالنسبة إليهم فإن تعاليم الدين الإسلامي كونية وأن بقية الأديان حتى السماوية منها “منقوصة” ويمكن أن يستوعبها الإسلام.

ففي تركيا مثلا قاد حزب العدالة والتنمية الإسلامي منذ وصوله إلى السلطة في 2002 جهود تقويض مبادئ العلمانية الأتاتوركية ولنا في ذلك أمثلة متعددة؛ من تغيير مناهج التعليم وإضفاء صبغة دينية إلزامية عليها، إلى تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد رغم وجود 84 ألفا و684 مسجداً في عموم البلاد بحسب الإحصائيات الرسمية.

وبتحويل الكنيسة المسيحية إلى مسجد باتت تركيا أكثر انغلاقا وأقل تسامحا وفتحت سجالا حضاريا دفع بعض الحكومات مثل الهند، حسب مراقبين، إلى إعادة النبش في التاريخ عبر تحويل مسجد بابري في مدينة أيوديا في ولاية أوتار براديش في إلى معبد هندوسي.

وحتى داخل المجتمعات المسلمة نفسها، نجد جماعات دينية متطرفة تريد فرض سلوكها وتفسيرها للشريعة الإسلامية على مسلمين آخرين لا يعتنقون نفس توجهاتهم الفكرية. ويبدو هذا التناقض واضحا في تونس بعد ثورة يناير 2011 حين وصل الإسلاميون (حركة النهضة) إلى السلطة.

وأطلقت حركة النهضة التونسية العنان للجماعات الإسلامية لتسيطر على المساجد والخطاب الديني وسعت بالقوة لفرض نمطها المجتمعي ليعود مع هذه السلوكيات جدل الهوية وبالتالي تكفير العلمانية التي كرسها الرئيس التونسي المؤسس الحبيب بورقيبة.

ورغم أن أغلب قيادات الإسلاميين في تونس كانوا يعيشون في الغرب ضمن أنظمة علمانية وفرت لهم الحماية والمساواة وضمنت لهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أنهم بمجرد وصولهم إلى السلطة أصبحت العلمانية خطرا ويجب مقاومتها على الأرض حتى إن لم يستطيعوا تقويضها على مستوى القوانين.

وفي مصر حاول تنظيم الإخوان المسلمين أيضا عقب الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك فرض شريعتهم على الأقليات الدينية وبقية المسلمين المخالفين لرؤاهم، حيث عاد للمجتمع المصري الجدل بشأن حقوق المسلم وغير المسلم ومست تفسيراتهم الدينية حتى الحريات العامة والخاصة قبل هبة شعبية رافضة لسياساتهم وأجنداتهم أطاحت بهم من الحكم.