النظام السداسي عند أجدادنا القدامى
الدكتور: موشي كيسوجامعة RMIT ملبورن ـ استراليا
هذا المقال يرمي الى أبراز أحد اهم صفحات حضارة ما بين النهرين القديمة, التي تركت إحدى تاثيراتها على حياة البشر لحد يومنا هذا، ألا وهي طريقتهم في الحساب ومقدراتهم العلمية في حقل الرياضيات .
لا يهدف هذا ألمقال لشرح أو توضيح نظام العد السداسي والذي أبتكره أجدادنا ألسومريون والبابليون وألأشوريون. لأنه (وبفخر أقول) ولأهميته وأستعماله في بعض المجالات لحد ألأن فلقد تداولته عدة مصادر. فمن ألسهل ألبحث عنه في أي من محركات البحث مثلا: جوجلGoogle اوأليوتيوب U tube للأطلاع على كيفية أستخدامه. وأنما ألمقال هذا يرمي التطرق ألى عدة جوانب غير مطروقة في المصادر او متطرق اليها ولكن بصورة غير كاملة
فأول واهم دوافع واهداف هذا المقال هو طرح السؤال التالي: ما هي ألأسباب ألتي حدت بأجدادنا لأختيار الرقم 6 كأساس لحساباتهم دون إستعمال ألأرقام ألأخرى؟ وسنذكر هنا بعض ألأجوبة كما أرتأها العلماء ألضالعون في هذا ألمجال.
وثانيا لاحظت تفوقا واضحا لأبناء شعبنا ألسورايي في مدينة ملبورن بأستراليا على أقرانهم من المهاجرين من مختلف القوميات في مجال العلوم وخاصة الرياضيات. فقد يكون هذا متأصل في جيناتنا الموروثة من أسلافنا القدامى والمعروفين بتفوقهم الكبير في هذه المجالات.
فتأريخ الرياضيات مهم لأحتواه أسس الأفكار وتقدمها، ويمثل مفتاح للمستقبل. كما أنه اساسي لتعلم الرياضيات حاضرا ومستقبلا. وسنبدءا بلوح تأريخي يكشف نظام العد السداسي لدى أسلافنا. ومن ثم نتطرق الى أهم ألأسباب التي حدت بهم الى استعمال الرقم (6) ومضاعفاته كأساس لحساباتهم. ونختم مقالنا ببعض ألأمثلة على أستخدام هذا النظام.
لوح بليمبتون؛Plimpton التأريخي رقم 322في عام 1922 أقتنى كاتب في جريدة النيو يورك الأمريكية، اسمه جورح بليمبتون لوح قديم من إدغار بانكس Edgars Banks الذي يبيع الحاجات الأثرية القديمة. وان كان اللوح نسبيا في حالة جيدة الا انه كان فيه تصدع او تفطر كبير ففي منتصف اللوح من الجهة اليمنى كما هو مبين في الشكل 1 . اللوح ألأن هو بطول 13 سم تقريبا وعرضه 9 سم وثخنه حوالي 2 سم. واللوح كان أكبر حجما في ألأساس، لأنه يبدو قد فقد قسم منه خلال أجتثاثه من باطن ألأرض حيث يبدو عليه الكسر.
تبين من دراسات علماء ألأثار لهذا اللوح بأنه من مدينة لارسا التاريخية والتي تقع في جنوب العراق الحالي. وتأريخه يعود الى الأعوام 1822 ألى 1784 قبل الميلاد. أي خلال الفترة التي أحتل الملك حمورابي مدينة لارسا في عام 1762 قبل الميلاد.
مات مالك اللوح السيد بليمبتون عام 1936 واهدى لوحه هذا الى جامعة كولومبيا حيث يحتفظ به ألأن بأسمه وتحت رقم 322 .
ما هو اللغز الذي اظهره/ كشفه هذه اللوح؟
أجدادنا وطريقتهم في الحساب مبنية على نظام الرقم 60أن ألأرقام في هذا اللوح مرتبة في أربع أعمدة حسب النظام السداسي الذي يختلف عن نظامنا العشري. والمقصود بهذا هو ان النظام السداسي مبني على الرقم 6 الذي هو ألأساس فتكون وحدات القياس هذا الرقم ومضاعفاته (12، 24، 60 والخ). ويسمى هذا ألنظام بالأنكليزية (sexagesimal) . والنظام العشري والمستخدم حاليا في جميع أنحاء ألعالم يعتمد على الرقم 10 ومضاعفاته. أن النظام السداسي للعد قد ابتكره السومريون قبل حوالي خمسة الاف عام، ومن ثم أنتقل ألى ألبابليين ومنهم الى ألأشوريين. ولا يزال هذا النظام مستخدما في حياتنا أليومية، مثلاً ألساعة مجزءة ألى 60 دقيقة وألدقيقة ألى 60 ثانية وأليوم الى 24 ساعة وغيرها. فهذه ألأرقام جميعها من مضاعفات الرقم 6. وكذلك يقسم محيط الدائرة الى 360 درجة كما كانوا يقسمونه أجدادنا قبل ألاف السنين.
الشكل 1: لوح بليمبتون ألتاريخي
لماذا أختار أجدادنا هذا النظام السداسي للحساب؟• أحد أهم ألأسباب يكمن في صفات الرقم 60 البديعة. إذ لا يوجد رقم اصغر منه يقبل ألقسمة على اعداد أكثر من الرقم 60، بكلمة اخرى هذا الرقم يقبل ألقسمة على أكبر عدد من ألأرقام مقارنة بجميع ألأرقام التي هي أصغر منه. فالرقم 60 يقبل ألقسمة على 12 رقما (1 و2 و3 و4 و5 و6 و12 و15 و20 و30 و60). لا يوجد رقم أصغر من 60 ويقبل ألقسمة على عدد أكبر من هذه ألأرقام. وهذه ألصفة لها أهمية كبرى حين يراد ألتعامل بالكسور حيث تعمل ألعمليات ألحسابية عندئذ بسيطة جدا. ففي تلك ألأزمنة لم تكن ألحاسبات متوفرة. فهذه ألصفة تكون ذات فائدة كبيرة لتسهيل ألعمليات ألحسابية. إن عدداً كبيراً من علماء ألرياضيات حاليا يعتقدون بأن هذه ألصفات أالرائعة للرقم 60 هي كافية لتجعل أسلافنا يختاروه كأساس للعد وفي حساباتهم.
وكذلك للرقم 60 ميزات خاصة من ناحية ارتباطه بألأرقام ألأولية (الأرقام الأولية: هي تلك ألأرقام ألتي لا تقبل ألقسمة الا على نفسها ورقم واحد). ولكننا سوف لن نخوض في هذه الأمور هنا، لضيق المجال. وللأطلاع على هذه ألصفات يمكن مراجعة ألمصادر ألمذكورة في نهاية ألمقال.
في ألقرن ألرابع ألميلادي أقترح ألعالم ثيون Theon من ألأسكندرية بأنه قد يكمن ألسبب في أستعمال ألنظام ألسداسي في ألحقيقة ألمتصلة بأحدى صفات ألرقم 60 ألا وهي أنه أصغر رقم يقبل ألقسمة على ألأرقام 4,3,2,1, 5 و6
• وهناك من يعزي ألسبب في أستخدام ألنظام ألسداسي للعد من قبل أجدادنا ألى حقيقة أنهم لاحظوا ظهور 12 قمرا خلال ألفصول ألأربعة في ألسنة. وأن 12هي ضعف ألرقم 6.
• ويضيف كاتب هذا ألمقال أيضا, قد يكون عدد ألأبراج ألفلكية ألأثني عشر وألتي أكتشفها أسلافنا أنفسهم ألداعي لأختيار ألنظام ألسداسي.
• وألسبب ألأخر وألأكثر مصداقية هو كون ألسنة تقسم ألى 365 يوما وأن محيط الكرة يقسم ألى 360 درجة. وكان أسلافنا يراقبون النجوم في ألسماء بدقة ملاحظين تغير موقعها ألى أن تكمل دورة كاملة فأعتبروها سنة. ولاحظوا أن دورة كاملة تستغرق تقريبا 365 يوما. وهذا يعني ان خلال أليوم ألواحد تكون ألمسافة ألمقطوعة تساوي 365/1 من المحيط. فقربت هذه الى 360 للسهولة. وهذا الرقم من مضاعفات الرقم 60.
• وهناك ايظا بعض الصفات الهندسية الخاصة للرقم 6 ومضاعفاته. فمثلا لو رسمنا شكل سداسي ألأبعاد (كخلية النحل) داخل دائرة فأن طول أي من أبعاده يساوي نصف قطر الدائرة.
• أن الإحتمال الأخر لتبرير أختيار ألرقم 60 كأساس للعد من قبل أسلافنا (العد بالنظام السداسي) قد يكون مبني على ملاحظتهم بأن قرص ألشمس يسلك مساراً في سماء ألأرض طوله تقريبا يساوى 720 مرة لقطره. وبما أن ألنهار كانوا قد قسموه ألى 12 وحدة وألتي نسيمها ألأن ألساعة. فهنا يبرز ألرقم 60 ومنه ألنظام ألسداسي. ولكن هذا ألسبب يعتمد على فرضية غير مثبتة وهي أنهم كانوا يعلمون كيف يقيسوا قطر قرص ألشمس.
رمزان فقط لجميع ألحسابات:إن أجدادنا إستعملوا رمزين فقط في جميع حساباتهم. والرمزان هما ألواحد وألعشرة (
) وكما نلاحظ في ألجدول فأن حساب ألبابليين من 1 الى 10، كان بسيطا فقد أضافوا الرمز واحد عدة مرات ألى ألرقم تسعة فمثلا الرقم ثلاثة يكتب هكذا
وهذا يذكرنا بنظام العد المعروف حاليا والذي عليه مبني عمل الحاسبات الاكترونية (الكومبيوتير) والذي يسمى بنظام الباينري (Binary System). وهذا النظام مبني على رمزين فقط وهما الرقم صفر والرقم واحد. فمكونات من هذين الرقمين يكونون جميع الارقام والحروف التي نستعملها اليوم في اجهزتنا الإلكترونية.
. أذا طريقة العد من واحد والى 60 واضحة حيث يوضع الرمز 10 الى اليسار وتكراره يضاف (فمثلا تكراره ثلاث مرات يعني ثلاثين وهكذا) وكذلك الى يمينه الأحاد بعدد المرات المكررة للرمز واحد.
هذه كانت طريقة ألعد بالنظام ألسداسي الذي كن أجدادنا في بلاد ما بين ألنهرين يستعملونه في حساباتهم. ولوحة بليمبتون منقوشة على هذه الطريقة كما ترى في ألجدول ادناه. ولكن هذه ألطريقة تستعمل فقط للعد لغاية الرقم 60 حيث مثلوه برمز يشبه الرقم واحد فقط يمكن تميزه بواسطة موقعه ويترك فراغ بينه وبين الارقام الى يمينه.
كيف كانوا يستعملون هذا ألنظام للعد في حالة ألأرقام التي هي أكبر من ألرقم ( 60 ) ؟في حالة ألأرقام ألأكبر من الستين كانوا يضعون ألرمز الذى يرمز الى الواحد من جهة اليسار وهذا يعني ( 60 ) زائدا ألأرقام التي على يمينه. ولهذا يسمى هذا النظام بال(sexagesimal) .
فمثلا لو ارادوا كتابة الرقم (72), لكتبوا الرمز ستين (والذي يشبه الواحد كما في الشكل ادناه) من جهة اليسار وهذا يعني الرقم 60 مرة واحدة زائدا مجموع ألأرقام الى يمينه. فيكتب كالأتي:
( 1+1 + 10 + 60 )
ونلاحظ مدى سهولة نظامنا ألحالي (العشري) مقارنة بالنظام الذي كان يستخدمه أسلافنا. فمثلا الرقم ( 3) والرقم ( 62) فانهما مختلفان تماما أي يمكن التمييز بينهما وبدون أي صعوبة ولا يمكن ألخلط بينهما. ولكن في النظام السداسي الذي كان يستخدمه أسلافنا وحسب القاعدة التي ذكرناها والتي أستنبطت مما جاء في لوح بليبمنتون ألتاريخي وألواح أخرى استكشفت في ألتنقيبات ألأثرية في بلاد ما بين ألنهرين فالرقم 3 متكون من ثلاثة رموز للرقم واحد، كما تراه في جدول لوح بليمبتون. ولكن الرقم (62) أيضاً متكون من ثلاثة رموز للرقم واحد حسب قاعدة الحساب في النظام السداسي وحسبما شرحنا سابقا. في هذه الحالة كانو يتركون فراغا بين الرمز الذي يمثل الرقم (60) والرمزين الذين يمثلان الرقم واحد كما مبين هنا وكذلك يكون الرمز الذي يمثل الرقم ( 60) أكبر. الرقم ستين يشبه الرمز الذي يمثل الرقم واحد. ولتميزه عن الواحد ايترك فراغ بينه وبين الاحاد كما موضح ادناه .
جدول ألأرقام من (1) الى (60)
لكتابة أرقام أكبر من الرقم (60) كانوا يستعملون النظام الموقعي. بهذا نعني يكتبون ارقاما في موقع ألأحاد وارقاما في موقغ العشرات وهكذا أي كما نكتب نحن ألأن. وفي حالة خلو المرتبة أي عندما ارادو ان يرمزوا الى الرقم صفر كانوا يتركونا فراغا ليمثل الصفر. فالبابليون يعتبرون اول قوم يرمز الى الصفر. ومن بعدهم الهنود استبدلوا الفراغ برمز(0) وهذا يعتبر اول تمثيل للصفر برمز او رقم. ومن ثم تداوله العرب واسموه الصفر. وبعدها نقله ألأوربيون وخاصة ألأيطاليون والفرنسيون واسماه ألأنكليز زيرو (وللتعمق في تاريخ الصفر يمكنكم ألأطلاع على العديد من الكتب وايضا الكتاب بعنوان زيروZero بالانكليزي لمولفه سييف2Charles Seife ).
ولكن الهدف ألأساسي من هذا المقال ليس توضيح طريقة كتابة ألأرقام بالنظام السداسي بل تقصي ألأسباب التي حدت باسلافنا لأختيار الرقم ( 6) أساسا لحاباتهم؟