خورا ميوقرا رابي بولص
اَعَزُ مكان في الدنى سَرجُ سابحٍ وخير جليس في الزمان كتاب(المتنبي)
يوم الكتاب رابي بولص , له دلالات ومعاني في تاريخ وحواضر شعوب وأمم لولا استقائها من مناهل مفكريها ومكتوبات فلاسفتها , لما تقدمت وتطورت.
تخيل اخي بولص وانت في باص او قطار, لا تحظى بمن تتحدث معه بسبب انهماك معظم الركاب في القراءه ,ماذا ستقول عن هذا الشعب ؟
مقالكم ومناسبته, حفزاني لسردوباختصار قصة المرحوم والدي مع الكتاب,فقد حكى لنا الوالد كيف تسنى له ان يتعلم القراءه من دون الذهاب الى المدرسه ولا دقيقه بسبب الظروف المعاشيه بعد وفاة ابيه (جدي) مبكرا وهو طفل صغير, فاضطر الى مساعدة عائلته التي نزحت من القوش للموصل للعمل وعمره لم يتعدى الثالثه عشر, عمل في محل خياطة الارمني هيكاز في الموصل كــ(خلفه), كان ذلك في عام 1926 او 1927, يقول والدي كان في الموصل آنئذ ثلاث خياطين أرمن مشهورين( طاطول, هايكاز, صمصوم) محلاتهم مجاوره لبعضها ,غالبية الزبائن كانوا من الضباط الكبار والمسؤولين وابناء العوائل الموصليّه الارستقراطيه المرفهه ,الخياط الارمني هايكاز كان شخصية محبوبه فرض نفسه بسبب اتقانه حرفته وثقافته الجاذبه للزبائن الذين كانوا يحبذون زيارته للاستمتاع في احاديثه حول مختلف مجالات المعرفه علاوة على الاستمتاع في سماع اسطوانات اغاني المطربين من قبيل صالح عبد الحي والقبنجي ومحمد عبد الوهاب وام كلثوم واخرين .
يقول والدي: في احد الايام لمحني الضابط المتقاعد عبد السلام افندي,وانا اتمتم مع اغنية ام كلثوم, فسالني: ابني يوسف, هل تفهم ما معنى كلمات الاغنيه؟اجابه والدي كلا , وحين تحرى الضابط عن السبب, يقول والدي عرف بأني لا اجيد القراءة و الكتابه, فما كان منه الا ان اقترح على الوالد باتباع وسيله الاستعانة بكراسات نصوص كلمات الاغنيه اثناء الاستماع الى الاغاني, من حسن حظ والدي ان المرحومة عمتي كانت قد داومت في المدرسه لحد الرابع ابتدائي ,فكانت تساعده في معرفة اشكال الحروف ونطقها , استمر الحال هكذا حسب قول الوالد قرابة عام , الى ان بدأ يقرأ الكلمات اثناء استماعه الى الاغنيه.
في شارع النجفي القريب من محل الخياطه,كان هنالك مكتبه في سرداب تحت الارض , وبحسب نصيحة الضابط عبد السلام افندي الذي كان يتابعه, بدأ الوالد بعد الانتهاء من عملهبالذهاب في كل مساء الى هذه المكتبه يقضي ساعات تحت ضوء الفانوس والشموع ليقرأ في بادئ الامر الجرائد والكراسات البسيطه , استمر يقضي ساعات يوميا في المكتبه الى ان تطورت قابليته قليلا, فبدأ صاحب المكتبه يساعد الوالد في اعارته بعض الكراريس والكتب البسيطه , يقول الوالد كانت فرحة الضابط المتقاعد عبد السلام افندي لا توصف حين عرف باني بدأت أقرا واكتب الارقام وبعض الحروف ,وتشجيعا لي بدأ يعيرني من مكتبته الخاصه كتابين في كل اسبوع .
مع مرور السنين ,استطاع الوالد في اواسط الاربعينات ان يفتح له محلا للخياطه ليصبح من الخياطين المعروفين في مدينة الموصل , واصبحت قصة تعلمه القراءه من النادرات حينئذ , استمرالوالد في القراءه بعد أن نمت فيه رغبه كبيره في قراءة كتب التاريخ والسياسه والدين ,فعرفت وانا طالب في المتوسطه عام 1963 بانه كان كادحا و تلميذا ومعلما لنفسه , استطاع ان يحقق طموحاته ويستفاد مما تعلمه في تكوين نفسه وتنشئتنا كعائله تفتخر به وبما قدمه لأولاده.
نعم الكتاب مدرسه لمن يريد ان يتعلّم.
تقبل تحياتي