المحرر موضوع: من لطمك على خدك الأيمن فأعرض له الآخر  (زيارة 487 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وردااسحاق

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1208
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • https://mangish.net

من لطمك على خدك ألأيمن فأعرض له الآخر

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء ، بل دعوا الغضب لله ، لأنه قد كتب " لي الإنتقام ، أنا أجازي ، يقول الرب " ) " رو 19:12"
     منذ القدم عندما شرع الإنسان قوانينه من أجل نشرالعدل بالقوة كانت القوانين بدائية قاسية وذلك لترسيخ العدل ومعاقبة المجرمين بصراحة ولكي يصبحوا عِبرة لغيرهم ، وفي بعض الأوقات ينالون عقاباً قاسياً يفوق جريمتهم . تطورت القوانين مع الزمن لكي تساوي العقوبة حجم الجريمة التي اقترفها فاعلها ، وهذا مانجده في قوانين الملك حمورابي كقانون ( العين بالعين والسن بالسن ) وهكذا نجد قوانين مماثلة في أسفار الشريعة التي تأمر بمعاقبة من أوقع بقريبه ضرراً بمثل ما اوقع يوقع به . نجد نفس القانون موجود فعلاً في سفر اللاويين ، يقول ( كسر بكسر وعين بعين وسن بسن ، وكما أنزل بسواه من أذى ينزل به ) " 20:24 " كذلك من أجل إستئصال الظلم من المجتمع اليهودي . يعود سفر التثنية ليكرر ذلك القانون بنص آخر مجرد من الرحمة ضد المعتدي ، فيقول ( لا تترأف به قلوبكم . حياة بحياة ، عين بعين ، وسن بسن ، ويد بيد ، رجل برجل ) " 21:19" .
   أما في العهد الجديد فالقوانين تطورت وتغيّرَت من طريقة الإنتقام إلى الصفح والغفران مع نسيان الماضي من أجل زرع المحبة ، أو على الأقل لا يجوز أن يكن القصاص أكبر من الجريمة المقترفة . لهذا كان يسوع صريحاً في تجديد تلك الشرائع ، بل طَوّرَها ، فقال ( وسمعتم أنه قيل ، عين بعين وسن بسن . أما أنا فأقول لكم ، لا تقاوموا الشر بمثله ، بل من لطمك على خدك الأيمن ، فأدر له الخد الآخر ، ومن أراد محاكمتك ليأخذ ثوبك ، فأترك له رداءك أيضاً .. ) " مت 5: 38-42 " هنا ألغيَّ مبدأ العنف والأنتقام ، ولكي لا يستخدموا تلك الآيات التي وردت في أسفار العهد القديم التي تحرض للإنتقام وأخذ الثأر الشخصي . أما في الإسلام فنجد أن ذلك القانون القديم قد أعيد مرة أخرى ليطبق وبشكل أقسى ، فيقول ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص . فمن تصدق به فهو كفارة له . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) " سورة المائدة 45 " هنا سيتساوي الأثنان الظالم والضحية ، والمجرم بالصالح . فهل تخدم تلك القوانين العدل والسلام ، أم الشر والإقتتال ؟
 لنأخذ دروس وعِبَرمن هذا الموضوع ونقتدي بيسوع عندما كان واقفاً أمام رئيس الكهنة في الليلة الأخيرة أثناء محاكمته فرد على سؤاله بكل موضوعية لكن أحد الحراس لطمه وقال له ( أهكذا تجيب عظيم الكهنة ؟ أجابه يسوع ، إن كنت أسأت في الكلام ، فبين الإساءة ، وإن كنت أحسنت في الكلام ، فلماذا تضربني ؟ ) " يو 18: 22-23" . وهكذا يسوع لم ينتقم أبداً . 
   يسوع أراد أن يبطل ذلك الشرويزيل الفتَن  بإزالة العنف من أجل زرع المحبة والسلام ، فمن أجل تحمل ظلم أخينا الإنسان ، قال ( من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر ايضاً ) والخذ الآخرالذي سنعرضه للمعتدي هو عرض محبتنا له بعدم الرد بالمثل ، بل نتحمله بمحبة  لكي يشعر بصفعتنا هذه على خد قلبه وضميره عندما يتأكد بأن الذي صفعه هو أفضل منه لأنه غلبه بتسامحه ومحبته . فكلما يتذكر فعله المشين ستتكرر الصفعة على خذ ضميره فيترك عدوانه ، أو كلما تبصره عيناه لاحقاً سيشعر بالندم والخجل ، وأخيراً عليه أن يقرربالأقتداء بسلوك الذي لطمه .
   مبادىء المسيحية مبنية على صخرة المحبة ، والمحبة المسيحية تحتمل كل شىء وتحتوي الظلم ، وهي قمة الفضائل ، فعلى المؤمنين بالمسيح أن يعيشوا المحبة ويعملوا بوصايا الذي أحبهم ومات لأجلهم . سياسة المحبة هي أقوى من القوة والتحدي بالسيف ، لأن من يضرب بالسيف ، بالسيف يهلك . آيات كثيرة في العهد الجديد تثبت للعالم بأن المسيحية أسِسَت على التسامح والسلام ، فالمحبة المسيحية تعني العمل بوصايا الذي لم يسمح لبطرس برفع السيف للدفاع عنه ، فتحمل الظلم ، ولم يكن ذلك ضعفاً أو جبناً أو خنوعاً ، بل قوة وغفران ، وغايته من هذا التجديد هو لنبذ الأنتقام وعدم النزول إلى مستوى المعتدي الشرير، وكما كانت العادة لدى اليهود من أجل الدفاع عن النفس أو لحصن الكرامة الزائلة . كما يقصد بذلك بأن لا ننتقم لأنفسنا ، بل نتذكر كلام الله القائل ( أنا المنتقم ) فلندع له الإنتقام . أما عندما يصل الأمر إلى موضوع آخر فعلى الإنسان أن يصون جسده وماله ، لهذا قال يسوع ( إنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق ، لسهر ولم يدع بيته ينقب ) .
   صاغ القديس فرنسيس الأسيزي هذه الحقيقة وأنشدها وطبقها في أعماله ولسانه ، فقال ( يا رب استعملني لسلامك ، فأضع الحب حيث البغض . والمغفرة حيث الأساءة . والإتفاق حيث الخلاف . والحقيقة حيث الضلال . والإيمان حيث الشك . والرجاء حيث اليأس . والنور حيث الظلمة . والفرح حيث الكآبة ... آمين )
 وأخيراً نتذكر الآية ( لا تدع الشر يغلبك ، بل أغلب الشر بالخير ) " رو 21:12"
والمجد الدائم للرب يسوع