المحرر موضوع: العراق بين شماعتين!  (زيارة 481 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31477
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراق بين شماعتين!
« في: 10:13 01/05/2021 »
العراق بين شماعتين!
السلطة في العراق تبحث دائما عن أعداء حقيقيين ومفترضين
MEO

حريق العبث بمصائر الناس في المستشفى صار مؤامرة
 في العراق تراجيديا سايكولوجية مليئة بمركبات النقص والخوف والرعب من أعداء مفترضين
 التركيب النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات في العراق مبني على خلق نظرية المؤامرة

منذ سقوط النظام الملكي وبدء حقبة الانقلابات وما رافقها من أنظمة الحكم الشمولي الفردي أو الحزبي أو الطائفي وحتى يومنا هذا، انتصبت في مسرح السياسة العراقية عمودياً وأفقياً شماعتان يعلق عليهما الحاكمون مبررات وجودهم على كرسي الحكم وضرورة بقائهم مع بقاء تلك المبررات. والشماعتان إحداهما إسرائيل وما يلحق بها من مصطلحات الإمبريالية والصهيونية والاستعمار، والشماعة الثانية البعث وداعش، ويكفي اتهامك أو وصفك أو تعليقك بإحدى هاتين الشماعتين حتى ترى طريقك إلى الجحيم دون محكمة أو محامي دفاع!

في الشماعة الأولى ومنذ 1958، تمّ تعليق آلاف مؤلفة من العراقيين بمختلف مشاربهم السياسية من أقصى اليمين وحتى أقصى اليسار على مشانق هذه الشماعة لكونهم كانوا معارضين إما للزعيم الأوحد أو للقائد الضرورة، ومن نجى بنفسه ترك البلد مهاجراً إلى كل أصقاع الدنيا، أو قُتلَ مناضلاً وهو يقاوم تلك العقلية الطاغية. ويتذكر العراقيون كرداً وعرباً سنةً وشيعة مسيحيين وايزيديين وبقية المكونات أن تلك الأنظمة لم ترحم أياً منهم لكونه من مذهب الحاكم أو قوميته أو حتى منطقته إذا كان معارضاً، حيث عُلق الجميع على مشانق تلك الشماعة، التي أتذكر واحدة من أكثرها بؤساً وسخريةً في صيف 1972، حيث أطلق هاربان قرويان من الخدمة العسكرية النار على سيارة شرطة أعتقدوا أنها تتجه إليهم دون أن يعرفوا من في داخلها، وكان في حينها قائمقام أحد الأقضية يقوم بزيارة قرية صغيرة في أحد الجبال القريبة من المدينة وقد أردوه قتيلاً، ظناً منهم أنها (أي سيارة الشرطة) تلاحقهم. بعد ساعات من الحادث صدر بيان من الحكومة يقول بالنص إن "عملاء الصهيونية والشركات الاحتكارية، قاموا باغتيال الرفيق القائمقام". والغريب أن نائب رئيس البرلمان العراقي بعدما يقرب من نصف قرن من هذه الحادثة يتهم "أزلام النظام السابق بتخطيط وتنسيق مع داعش" بحرق مستشفى ابن الخطيب!

أما الشماعة الثانية التي جاءت بديلاً معدلاً عن الأولى بعد 2003 فهي تتضمن تهمتين جاهزتين، وهما البعث والنظام السابق ومن ثم داعش وما يتبعهما، وقد صمموا للاثنتين قوانين هلامية قابلة للتأويل كيفما يشتهي الحاكم، هما المادة 4 إرهاب، ويقع ضمن تعريفاتها أو تأويلاتها إمكانية اعتقال أو تغييب شخص أو آلاف الأشخاص دونما تحقيق ولمجرد الاشتباه، والقانون الثاني الاجتثاث وما يتبعه من توجيه اتهام لأي شخص أو مجموعة بأنهم كانوا ضمن أو مع النظام السابق وحزبه، وقد أدى ذلك إلى تدمير مستقبل مئات الآلاف من الأشخاص والأسر التي إما هاجرت تاركةً كل شيء وإما أنها تعيش ضنك الحياة والملاحقة وقطع الأرزاق.

هذه التراجيديا السايكولوجية المليئة بمركبات النقص والخوف والرعب من أعداء مفترضين لا وجود لهم، أدت إلى نشوب حروب تدميرية أوصلت واحد من أثرى دول الشرق الأوسط وأكثرها ثروات ومعرفة إلى أفشل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي في المنطقة والعالم، والأخطر أن هذه الشماعات أصبحت من أهم المرتكزات في التركيب النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات حتى أمسى الشك والتوجس والخوف يستحكم في الكثير من سلوكهم بعد أن استشرت هذه الظاهرة واتسعت حتى غدت جزءًا من التركيب النفسي لملايين المواطنين على المستوى الاجتماعي في التعاطي مع كثير من الظواهر ومفردات النشاط اليومي للإنسان.

إننا أحوج ما نكون إلى عملية تغيير اجتماعي تربوي جذري أكثر من حاجتنا إلى إصلاحات ترقيعية في الهياكل السياسية ومؤسساتها التي ينخر فيها الفساد، فالمرض المستشري وجروحه قد لامسا العظام!