المحرر موضوع: البَطريَرك ساكو ودائَرةّ الاتَهام.  (زيارة 712 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
البَطريَرك ساكو ودائرة الاتَهام.
بقلم/ سلوان ساكو
ما يحدث الآن من لغوًا وتشويه سمعة وإتهامات لرموز دينية مسيحية رفيعة المستوى بدرجة بطريرك أو كاردينال ماهو ألاّ شيءٍ طبيعيًا في ظل هذا الواقع المرير الذي نحياه. وهذا أيضًا له آثر في التراث الإنساني على الصعيدين الديني والاجتماعي. بالتوازي طبعًا مع معطيات كل عصر من العصور.
في البداية لم يشأ المعلم سقراط أن يشارك في الحياة السياسية لأثينا وتَجَنّبَ ذلك قدر إستطاعته، ومع ذلك ذهب سقراط ضحية مؤامرة نسجها له خصومه السياسيين، في النهاية تجرع كأس الشوكران ومات، رغم تدخل تلميذه النجيب أفلاطون لإطلاق سراحه برشوة الحراس، ولكن أبى سقراط غير تجرع كأس الُسم، قائلًا مقولته الشهيرة، (الحياة دون ابتلاء لا تستحق العيش). وفي مرة ثانية أرادت أثينا محاكمة أرسطو  بتهمة الإساءة للدين والآلية الإغريقية، فقال بعد أن فرَ هاربًا الى أملاك والدته، (لن أسمح للأثينيين أن يرتكبوا الخطيئة نفسها مرتين ضد الفلسفة). في التقدم إلى الأمام قليلًا نرى إن التهم الموجهة للسيد المسيح كانت عديدة، هنا نبتعد عن العقائد الأساسية واللاهوتية التي جاء من أجلها المسيح، مثل فداء البشرية وخلاص النفس والتجسد، ونحصر الموضوع في سياقه الإجتماعي ضمن حركة التاريخ، حيث لم يرى بيلاطس ما يسيء في شخص يسوع، (خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً)، يوحنا 19- 6. وهذا ما جعله يغسل يداه من دم الفادي قائلًا، (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ)، متى 27: 24. بمعنى أن هذه التهم الموجهة للناصري لا تستحق لا الصلب ولا الجلد، وهي إدعاءات واهية وسخيفة، حتى زوجة بيلاطس قالت له؛ (إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله). متى 19. وفي النهاية صرخ الشعب بصوت عاليًا، (دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا). متى 27-25.
 والمُتتبع لخطى بولس الرسول، سيجده كثير التنقل بين السجون والمحاكم، في فيليبي، خلال رحلته التبشيرية الثانية، وفي روما قضى بولس حينها عامين في السجن من 60-62م. وكتب رسائله من هناك، يقول متابعين خطى رسول الأمم، أنه قضى بين 5 إلى 6 سنوات في السجون حتى تم قطع رأسه من قبل الرومان حوالي مايو أيار أو يونيو حزيران من عام 68.
لا أحد يستطيع ينكر  معركة الفيلسوف سبينوزا مع جاليته اليهودية في هولندا، حيث أصدرت السلطات الدينيّة أمراً بالحرمان واللعنة، حتى عائلته رفضته وحرمته من الميراث. وفي ذات السياق نذكر محنة الفيلسوف أبن رشد الذي حاول الانتصار للعقل، والتوفيق بين الدين والفلسفة والتي وقعت سنة 1195 على يدّ الخليفة يعقوب المنصور في دولة الموحدين. وأيضًا إدانة غاليليو غاليلي سنة 1633  لأنّه ناصر نظرية كوبرنيكوس عن مركزية الشمس. وإذا ما نظرنا حولنا عن قربّ نجدّ مشكلة الكاردينال جورج بيل المسؤول الكبير في دولة الفاتيكان، حيث تمت محاكمته في ولاية مالبورن بي 6 سنوات، والذي قضى منها وراء القضبان أكثر من سنة، وفي النهاية أمرت المحكمة العليا الأسترالية بأن يتم أطلاق سراحه فورًا وبدون شرط أو قيد بعد أن ظهرت براءته، حتى هو وصف المحاكمة قائلًا، (أنّها عالجت الظلم الخطير).
عرفتُ البطريرك مار لويس ساكو  وانا لا أزال فتىٍ، بعد ذلك وأنا شاب، ليس بحكم القرابة التي تربطنا معاً، ولكن بحكم مواقفه الإنسانية العديدة والتي يصعب حصرها في هذا المقال المتواضع، وأيضًا بسبب حضوره الفعال على مستوى خورنة كنيسة أم المعونة في الموصل. أتذكر جيدًا أنه أفتتح عيادة خيرية مجانية في منطقة الدواسة، زمن الحصار القاسي على العراق، كانت مُشرعة ابوابها لجميع فئات الشعب. أتذكر أنه كان ينقل بسيارته التويوتا الكورونا الدواء للعيادة، ربما الأطباء الذين كانوا يعالجون المرضى والمنتشرين اليوم في جميع أصقاع العالم يتذكرون تلك الأيام، وأيضًا منظمة الاغاثة الدولية الكاريتاس، والكثير من النشاطات والفعاليات الإنسانية التي رفدت المدينة بالغذاء والدواء والتي كانت تشمل الجميع بغض النظر عن الدين أو المذهب. من المؤكد إن أعضاء مجلس الخورنة من أبناء الموصل الأصلاء لديهم تفاصيل أكثر منيّ في هذا الصَدّد.
المواقف والصفات الحميدة المحسوبة لسيادته عديدة، وهي التي سوف تؤرشف تاريخه الحافل بالمنجزات بالنهاية، مع النِتَاجّ الفكري والفلسفي من الكُتب التي ألفها والمقالات التي دونها ويدونها بستمرار، والتي ستكون حتماً مفاتيح مهمة في فهما له مستقبلًا، وليس مهدي ناجي أو قناة مثل السومرية المدفوعة من جهة سياسية التي تريد التنكيل بسمعته، فكل هذا لا يتعدى كونه زوبعة في فنجان محتواه آسن لا أكثر.
لا يحتاج المُتابع النبيه الكثير من الوقت ليعرف أين تكمن الحقائق وأين مصدرها، والمتتبع لخطى الكاردينال ساكو  يعرف تمامًا كيف يتعامل مع المواقف الحساسة والحرجة، فيما يخص القضايا الكبيرة فهو منفتح على جميع المستويات والثقافات وذُ خبرة ثرية في مجالات عدة.
في النهاية الإنسان الذي يُوقف حياته من أجل رسالة سامية وصاحب مبدأ لا يتزعزع أمام رياح صفراء، لا يحتاج تذكرة تزكية من أحد، فهو يعرف جيدًا معنى الآية، (أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ)، مرقس 17:12. هذا سوف يساعد لاحقًا في تكريس فهما للخطاب العميق والشفاف لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو، سواء المكتوب أو المتلفز، خطاب يعني الكثير، وأكثر ما يعنيه إن على الكاهن المكرس أن يخدم بإخلاص من أجل كنيسته وليس من أجل المادة التي تفنى مهما طال به الأمد، (مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا)، متى 8:10. وألاّ ما الفائدة من الرسالة بالأساس أن لم تكن روحية بعيدة عن المزايا المادية. (مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا). يوحنا 36:18.
 في كل الاحوال الناس تتكلم وسوف تتكلم، وهذا دَيَدنَّ البشرية من الحلقة الأولى للخليقة وحتى الآن، واليوم لا يوجد سلطان على أحد في قول ما يريد وقتَ ما يشاء في ظل هذا الانفتاح الرقمي الهائل، ولكن يبقى قول الحق هو حق مهما حاول البعض تزوير الشهادات والحقائق. (وجاء يوحنا المعمدان لا ياكل خبزا ولا يشرب خمرا فتقولون به شيطان. وجاء أبن الإنسان ياكل ويشرب فتقولون هوذا إنسان اكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة) لوقا 7: 33-34.