سلوك أقل ما يقال عنه مقرف/إسلوب تبليغ غبطة البطريرك مثالاً
د. صباح قيّاتعود بي الذكريات إلى ثمانينات القرن الماضي وأنا أتابع السطور الصادرة من أحد مراكز الشرطة في العاصمة بغداد تستدعي فيها غبطة البطريرك لويس ساكو الكلي الطوبى للحضور بغية التحقيق معه فيما نًسب إلى غبطته من اتهام أطلقت عليه تلك السطور بجريمة الإحتيال. تعود بي الذكرى إلى عام 1988 حيث دخل عليّ في عيادتي الخاصة في بغداد بعد أن انتهيت من معاينة المرضى جميعاً شخص بلباس مدني عرّف نفسه مفوضاً في أحد مراكز الشرطة القريبة من عيادتي. أخبرني أن هنالك شكاية قدمها أحد المواطنين ضدي وتتطلب حضوري للتحقيق حول شكوى ذلك المواطن. ثم أضاف أن المركز علم بأنني طبيب عسكري برتبة عميد ( والتي كانت رتبتي العسكرية ذلك التاريخ) لذلك قرر المسؤولون هناك إرسال ممثلٍ لتبليغي شخصياً وذلك لقناعتهم بأنه من العيب أن يحضر ضابط بهذه الرتبة إلى مركز الشرطة للتحقيق معه أمام كل من هب ودب. وأضاف أنه حضر إلى عيادتي بلباس مدني كي لا يثير الشكوك والتساؤولات وخاصة أنه مفوض معروف في المنطقة. سلمني بعض الأوراق التي تحوي عدد من الاسئلة القضائية وطلب مني الإجابة عليها وإعادتها إليه في اليوم التالي حيث سيحضر في عيادتي ثانية. تم إجراء اللازم من قبلي ومن قبله. ثم انتهى الموضوع بعد فترة زمنية قصيرة بسحب المواطن طوعاً لشكواه ضدي بدون أن أصل أنا إلى باب مركز الشرطة إطلاقاً.
هذا ما حصل ذلك الزمان والذي سردته باقتضاب. ليكن ذلك الزمان ما يكن. قد يكون سيئاً في مجالات معينة ولكن والحقيقة يجب أن تًقال بأنه أفضل وأفضل من هذا الزمان في تشعبات حياتية شتى.
ماذا يًستنبط مما حصل معي بالمقارنة مع ما جرى لغبطة البطريرك؟ ألجواب بكل بساطة أن الجهة الرسمية تجاوزت كل الإجراءات الأصولية إجتهاداً ذاتياً منها حال علمها بموقعي كي لا تلحق ما قد يكون مهيناً لشخص يخدم مهنياً برتبة متقدمة ضمن القوات المسلحة العراقية والتي قد تنعكس سلباً على سمعته الشخصية من جهة وسمعة المؤسسة التي يعمل فيها من جهة أخرى. مع العلم أنني في تلك الفترة لم أكن سوى طبيب عسكري معروف بين أقرانه ضمن الكادر الطبي والصحي وبين مرضاه ليس إلا.
يتبادر السؤال التالي: هل غبطة البطريرك شخصية خافية على أي من أطياف الشعب العراقي بكافة تفرعاته وانتماءاته؟ ألجواب بدون شك كلا.
وهل غبطته غير معروف عند أي من مؤسسات الدولة الرسمية منها وغير الرسمية؟ ألجواب أيضاً كلا.
ألسؤال الأهم: ألم يكن بإمكان المرجع القضائي أن يسلك سلوكاً يتناسب مع موقع غبطة البطريرك الروحي كبطريرك بابل على الكلدان في العالم وأيضاً ينسجم مع مكانته في الدولة العراقية باعتباره أعلى سلطة روحية لأكبر طائفة مسيحية في الوطن الجريح؟ ألجواب نعم ونعم, وخاصة أن كل شيء ممكن في بلد يتميز بكل المحرمات بدون منازع.
تساؤولات متعددة ومتشعبة وجوابها واحد يشير بوضوح بأن أقل ما يمكن قوله عن هذا السلوك أنه مقرف.
والأن بعيداً عن العواطف والتعابير الإنشائية التي لن تخدم أية قضية أود الإشارة إلى بعض ما جاء في رد وتوضيح إعلام البطريركية راجياً إلإجابة على تساؤولاتي سواء من قبل الإعلام نفسه أو من قبل أي ضليع في الشؤون ذات العلاقة.
ورد في إعلام البطريركية بأن المشتكي أبدى رغبته باستثمار أرض تابعة للكنيسة قبل أكثر من خمس سنوات. منحته الكنيسة وكالة خاصة لمتابعة الأمر مع التسجيل العقاري, وثبت أن الارض تعود لشخص سعودي... طيب. سؤالي: أتجهل الكنيسة وقفها؟ كيف تم منح المشتكي وكالة خاصة لاستثمار أرض من غير ملكيتها؟. هذه النقطة تحتاج إلى توضيح مقنع. لا أزال أنا محتار من أمري لعدم تمكني استيعاب منح وكالة خاصة لشخص بغية استثمار أرض على أساس أنها كنسية وهي تعود لشخص آخر؟
هنالك في إعلام البطريركية اتهام لجهة سياسية معينة بالتحريض وإيصال الموضوع إلى ما وصل إليه...طيب. لماذا يتردد إعلام البطريركية من تحديد تلك الجهة السياسية؟ إن كانت مسيحية فهي أضعف من طنين الذباب, وإن كانت من الأسماك المفترسة, فكلي ثقة أن البطريركية لا تهاب لا الأسماك المفترسة ولا من يتكفل بتربيتها. إذن من الضروري تحديد الجهة السياسية المتورطة وعندها لكل حادث حديث.
جاء في إعلام البطريركية حدوث تزوير بملك للكنيسة... طيب. شكراً للقاضي الشريف, ولكن ألا تملك البطريركية إمكانية الحد من التجاوز على ملكيتها؟. إن كان ذلك يحصل للكنيسة بعظمتها, إذن ما هو حال المساكين من الرعية الذين سُلبت ممتلكاتهم جوراً وبهتانا. أرى من الأسلم أن تراجع الكنيسة ملكيتها بشمولية حيث من الممكن أن هنالك تزوير قد حصل لأملاك أخرى تفتقر إلى القاضي الشريف وعندها لن ينفع الندم.
وأخيراً لا آخراً. رجائي من إعلام البطريركية أن لا يعلن ما سيفعل, بل يفعل وليعلنها الآخرون بعد أن يفعل. ألتجارب تُعلم أن الأفعال لن تتحقق بترديد الاقوال, وإنما الأفعال من تفتح الأبواب للأقوال.
من السذاجة النظر ببساطة أو عفوية إلى الإسلوب المشين الذي سلكه مركز الشرطة تجاه غبطة البطريرك. لا بد من التعمق ودراسة الحدث من جوانب متعددة بعقلانية بعيداً عن العواطف الضبابية. مسألة تهجير المسيحيين تجري داخل الدار على قدم وساق, وربما هنالك من يشعر أنه آن أوان المسيحية لمغادرة الدار.