دَرسْ يورغن هابرماس في تقبل النقد وعدم تسليم الراية
بولص آدم راية التنوير بيد المثقف، هي كود خاص به وهي رمزه وشاهدة تاريخه، لو سلمها الى مثقف من صنفه فجدلية التاريخ الثقافي ستستمر.. اما اذا سلمها لمن ستكون دعاية له تحت اغراء مادي.. هنا يكون المثقف قد أصبح سلعة.
بعد ان قبلَ جائزة الشيخ زايد للكتاب 2021 والتي تبلغ قيمتها حوالي 225 ألف يورو عن فئة شخصية العام الثقافية، الا أنه بعد يومين من ذلك، رفضها الفيلسوف يورغن هابرماس، فيلسوف التنوير التواصلي البالغ من العمر 91 عامًا، وبعبارة اخرى، قبل يورغن هابرماس في البداية جائزة سخية من أبو ظبي، الآن قد غير رأيه! تحدث بعد ذلك عن "قرار خاطئ" ، "وهو ما أصححه بموجب هذا". وكانت صفحات ثقافية لمجلة دير شبيغل الألمانية قد أشارت في وقت سابق إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في الإمارات واستجوبت هابرماس بشكل نقدي بشأن قبوله الجائزة.»قرار خاطئ« ثم كتب هابرماس في بيان أرسله عبر دار نشر شوركامب : "لم أوضح لنفسي بشكل كافٍ الصلة الوثيقة جدًا بين المؤسسة التي تمنح هذه الجوائز في أبو ظبي والنظام السياسي القائم هناك". وبحسب لجنة التحكيم، فإن الجائزة من نصيب شخصيات عربية ودولية معروفة ساهمت في عملها "في نشر الثقافة العربية والتسامح والتعايش السلمي". راعي الجائزة هو محمد بن زايد الذي لم يقم حتى الآن بأداء دوره كولي عهد لإمارة أبوظبي ونائب القائد العام للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة بروح من التسامح والتعايش السلمي. لا يوجد جمهور ليبرالي ناقد في أبو ظبي، وأعضاء المعارضة يتعرضون للاضطهاد، ويتهم تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2020 الحكومة بالاعتقالات التعسفية والسجن السياسي والتعذيب في الأسر... تنتهي مقالة "شبيغل" اليوم حول هذا الموضوع بجملة: "عادة، عندما يلتقي العقل والقوة، تفوز السلطة". على المدى القصير، نعم ، لكن لفترات أطول أؤمن بالقوة التنويرية للكلمة النقدية، إذا ظهرت فقط في الرأي العام السياسي. كتبي التي ترجمتُها إلى العربية ، لحسن الحظ ، كافية للتعبير عن ذلك"
عاد الكاتب ديتمار بيبر ثانية وكتب في ثقافية مجلة "شبيغل": ( اعتبر انسحاب هابرماس في يوم 2 مايو على أنه "قرار سيادي" تجنب به خطر "أن يصبح تذكارًا للنظام" بتصحيح نفسه، يظل فيلسوف التنوير التواصلي وفيا لأهم قيمه.) اي أنه لم يسلم الراية الى ممثلي النظام الأبوي البطريركي من مشايخ الخليج من منتهجي نظام الرعاية الريعية على مواطنيهم داخليا ومحاولاتهم تلميع صورتهم وصورة نظامهم بتوظيف الأمول في شراء رايات المفكرين والفلاسفة الكبار وتلويح سافر بأعلام المثقف النموذج لأغراض دعائية تُجملُ صورة مُسوقي السياسة الخشنة والتدخلات السافرة سراً وعلناً في شؤون دول المنطقة ومحاربة كل ما له صلة بالتغيير المشروع خشية على سلطتهم من الزوال وحتى لو كلف ذلك دعم الأرهاب الدولي والمحلي.
على موقع الجائزة وباللغة الإنجليزية، يقول الرعاة عن انسحاب الفيلسوف: "جائزة الشيخ زايد للكتاب تعرب عن أسفها لقرار يورغن هابرماس بسحب قبوله للجائزة، لكنها تحترمها". " وتجسد الجائزة قيم التسامح والمعرفة والإبداع وفي نفس الوقت تبني الجسور بين الثقافات وستواصل الوفاء بهذه المهمة. !!
لكن ديتمار بيبر وعن قرار هابرماس إلغاء موافقته على الجائزة يُضيف :
( أظهر هابرماس نفسه منفتحًا على المعلومات والحجج الجديدة، وهو أمر يجده كثير من الناس صعبًا. بالنسبة لشخص يبلغ من العمر 91 عامًا ابتكر عملاً هائلاً في الحياة، فإن هذه الرشاقة العقلية غير المنقوصة تبدو مثيرة للإعجاب. في الأمارات الكلمات الجميلة لا تتبعها أفعال. سيكون الأمر مختلفًا إذا ظهر على الأقل اتجاه نحو الديمقراطية وسيادة القانون. لكن حتى الآن لا يوجد شك في ذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة وعاصمتها أبو ظبي. لهذا السبب كانت هناك مخاطرة كبيرة في أن يكون الفائز هابرماس، تحت رعاية الحاكم الإماراتي محمد بن زايد، مجرد جائزة أخرى، جانب من جوانب العمل الدعائي المبهر. كان لا بد من تقييم شيء آخر بعد الترشيح: الاحتمال المغري لهابرماس لاختراق أعماله على نطاق أوسع من ذي قبل. الآن لم يعد هناك أي شك في كيفية تقييمه لهذه المسألة الأساسية. ما يمكن للكلمات أن تتحرك في كثير من الأحيان يصبح واضحًا في وقت لاحق فقط. مع مفكر مثل هابرماس، من الواضح على الأقل أن نتطرق إلى عصر التنوير التاريخي: الروح والقوة.
أعتُبِرَ هابرماس نموذجاً للمثقف الديناميكي الذي يتفاعل مع حركة المجتمع والتاريخ، إيمانا منه أن النظرية تحتاج دائماً إلى أن تدلل على نفسها كلما حاولت أن تطبق نفسها في ميدان أو آخر. وهكذ .. لم يخذلنا هابرماس بتسليم الراية لتلك السلطة وهو الذي لم يسلمها في تاريخه لأي سلطة كانت. خاصة ونحن نتحدث عن جائزة تأتي من جهة رسم الروائيّ عبد الرحمن منيف لها، صورة حية جسَّدت التحوُّلات التي طالت شبه الجزيرة حينما قال واصفا مدن الخليج وظهور الدول، باعتبارها "نشأت في بُرهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي، بمعنى أنها لم تظهر نتيجة تراكم تاريخي طويل أدَّى إلى قيامها ونموها واتساعها، وإنما هي عبارة عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة الطارئة. هذه الثروة (النفط) أدَّت إلى قيام مدن مُتضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر، أن تنتهي، بمجرد أن يلمسها شيء حاد".