المحرر موضوع: في الحاجة إلى التسامح» للباحث عبد الحسين شعبان  (زيارة 294 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1284
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في الحاجة إلى التسامح» للباحث عبد الحسين شعبان

د. رنا أبو ظهر*

الدكتور عبد الحسين شعبان مفكر وباحث عراقي، له أكثر من سبعين كتاب ومؤلَف في قضايا الفكر والقانون والسياسة الدولية والصراع العربي - الإسرائيلي، والإسلام، والمجتمع المدني وحقوق الإنسان. له مساهمات عديدة في إطار التجديد والحداثة والثقافة والنقد.
هو نائب رئيس جامعة اللاعنف، انشغل في قضايا المجتمع المدنيّ والأديان، والدساتير والقوانين الدوليّة، بما فيها النزاعات والحروب ومسائل التسامح واللاّعنف، حتى أصبح رائداً من رواد نشر ثقافة الحوار والتسامح.
وها نحن اليوم أمام أجدد اصداراته «في الحاجة إلى التسامح... ثقافة القطيعة وثقافة التواصل».
كتاب يبدأ بسؤال «لماذا تحتاج منطقتنا الى التسامح أكثر من غيرها؟ لنجد الإجابة على هذا السؤال من خلال طرحه للأمور بطريقة سلسة ومنطقية استعرض فيها كيف تطوّرت فكرة التسامح وتعززت مكانتها لدى نخب فكرية وسياسية وثقافية ودينية الى أن أصبحت حالة ملحّة بسبب سيادة الكراهية والانتقام والنزاعات ومحاولة إلغاء الآخر وخاصة بعد أن انتشر الارهاب في العديد من دول منطقنا العربية والذي حاول أن يدمّر الفكر الحضاري والإنساني والتراثي وليحل التعصب والتطرف كلغة سائدة بدل الحوار والتسامح.
يؤكد الكاتب على أن الثقافة الجديدة التي نحن بحاجة إليها تقوم على مفاهيم مختلفة فالقوة لا تعني استخدام العنف بل تعني التمسّك بالحق وتأكيد قيم المواطنة والمساواة.
ولقد تناول بأسلوبه الرائع تطوّر التسامح وتطوّر القوانين والأنظمة الدولية وخاصة في مجال اللاعنف والحوار والتسامح والسلام، حتى أصبح هذا الكتاب أشبه بدستور أممي لنشر رسالة التسامح في العالم وبين الأمم.
فها هو مجدداً الأكاديميي والمفكر العربي الكبير د. شعبان، يتحفنا بمزيد من انتاجاته الفكرية والحضارية. كان دوماً له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتغيير والتسامح والديمقراطية والمواطنة وتعكس مؤلفاته وكتبه ومساهماته المتنوعة إنشغالات خاصة بقضايا الحداثة والديمقراطية والإصلاح والمجتمع المدني، واهتمامات فكرية لتطوير الفهم المتجدد لقضايا حقوق الإنسان ونشر ثقافته وخصوصاً من خلال وسائل الإعلام. ولد في مدينة النجف الأشرف (العراق) لأسرة عربية كبيرة، عريقة ومتأصلة.
لأفكاره وطروحاته دور كبير فى تغيّر نمط التفكير فى فترة مهمة من حياة الأمه العربية.
إنه الباحث في القضايا الاستراتيجية العربية والدولية ومختص في القانون الدولي وخبير في ميدان حقوق الإنسان واستشاري في عدد من المنظمات والمجالس الثقافية والإعلامية.

بالنسبة له تأكيد قيم التسامح لا تعني غضّ الطرف عن الارتكابات والانتهاكات لحقوق الانسان، يعتبر ان نشر مبادئ التسامح وسيادة روح الحق في الاختلاف، تتطلب إعادة التفكير في الموروث الثقافي وأخذ التراث في سياقه التاريخي وإعادة بناء العلاقة بين الثقافة والدولة وبين المجتمع والسلطة، فلا يوجد مجتمع بمعزل عن إغراء الاقصاء أو اللاتسامح، إلّا إذا أثبت هذا المجتمع قوة عزيمة ويقظة دائمة.
تناول في كتابه حالة التسامح ونشر ثقافة التسامح التي تتطلب رفض التطرف والتشدد، وتوسيع هوامش الحريات العامة وفي مقدمتها حرية المعتقد، والحق في التعبير.
التسامح يعني اتخاذ موقف إيجابي، فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وحسب إعلان مبادئ التسامح التي صدرت عن اليونسكو «إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد...»، وهكذا فالتسامح يعني الوئام في سياق الاختلاف وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني، الأمر الذي يعني قبول وتأكيد فكرة التعددية وحكم القانون والديمقراطية ونبذ التعصب.
منذ إعلان اليونسكو قبل عقد ونصف من الزمان تقريباً فقد انعقد الكثير من الفاعليات والأنشطة بشأن نشر ثقافة التسامح وصدرت كتب ومطبوعات وتأسست منظمات وشبكات لهذا السبب.
رغم اننا على الصعيد الفكري أو العملي ما تزال تفصلنا هوّة سحيقة عن قيم التسامح الإنساني التي تكرّست في مجتمعات سبقتنا على هذا الصعيد، الأمر الذي يحتاج الى مراجعات ونقد ذاتي، لا سيما من جانب النخب الفكرية والسياسية الحاكمة وغير الحاكمة، لمقاربة فكرة التسامح والتعاطي معها إيجابياً، على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي، لا سيما بعد إقراره قانونياً.
توقّف الكاتب عند حرية المعتقد والحق في الاختلاف، ولعل هذا المبحث الأخير يعتبر جديداً في تناول من يتصدّون لفكرة التسامح التي تعتبر منظومة سامية لحقوق الانسان.فقيم التسامح لا تستقيم بدون قيم المساواة والعدالة وعدم التمييز والحق في المشاركة وقبول الآخر.
كان قد سبق للدكتور شعبان أن عالج مواضيع مهمة في كتبه وكان قد صدر له العديد من الكتب حول التسامح لعل أهمها كتاب «فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي» حيث عالج الإفتراء على الإسلام بأنّه دين ينفي التسامح ويعزِّز بعض ما يسمَّى إرهاباً، حيث فضح المؤلِّف هذا الخطأ القائم على الجهل والتعصب والتحيز، محتكِماً إلى القرآن والسنَّة وسِيَر الخلفاء وحوادث التاريخ والفكر الإسلامي، بالاستناد إلى الجوهر الديني والدفاع بالحجَّة والشواهد.
بقي أن نقول، ان التسامح ليس ايديولوجيا مثل الايديولوجيات الأخرى بل هو جزء من منظومة ثقافية، وعلينا أن نتعاطى معه على هذا الأساس الذي يسهم في تنمية المجتمع من خلال سنّ منظومة قانونية لا تعترف بالتمييز أو التعصب أو التطرف أو العنف، بل بالحق في العيش بسلام ودون خوف، دون تعصب أو انغلاق أو اقصاء أو إلغاء الآخر.
أخيراً لا يسعني إلا أن أقول إن هذا الكتاب يعتبر مرجعية لكل مواطن عربي.

 * المستشارة الدولية والمنسقة العامة للمجلس الدولي للحوار الديني والإنساني/ مقره النرويج.