المحرر موضوع: التطييف السياسي في العراق ومعضلة الأمن والسيادة  (زيارة 512 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31440
    • مشاهدة الملف الشخصي
التطييف السياسي في العراق ومعضلة الأمن والسيادة
المقاربة الخليجية الصحيحة وعودة الدور والدعم العربي إلى أرض النهرين ستكون عاملاً فاضحاً ونابذاً للنهج الإيراني الذي قام على أسس طائفية مذهبية مستقدَمة من خارج الحدود عمّقت من الجرح العراقي بدلاً من تضميده.
العرب

تغوّل وتغلغل الميليشات في العراق
لا تبدو الأوضاع في العراق مطمئنة كما ورد في تقرير وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية (DIA) الذي صدر مؤخراً واطلع عليه كاملا مكتب واشنطن لصحيفة العرب. فالتقرير الذي يحمل عنوان “تقييم التهديدات في العالم” يتحدث في القسم المخصص للعراق بلهجة غير متفائلة عن مستقبل هذه الدولة المحورية التي تقع في قلب الحدث الشرق أوسطي وتؤثر وتتأثر بشكل كبير فيه ولاسيما لجهة التغلغل الإيراني في مفاصل مؤسساتها بنوازعه المعرقلة لأي جهد حقيقي يهدف إلى إعادة اللُحمة الوطنية وتحقيق الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في آن.

يرجّح التقرير فرضية أن يواجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عقبات عدة في طريق تنفيذ الإصلاحات، أهمها يعود إلى تضارب المصالح السياسية في البلاد والنقص في الموارد. فالكاظمي يواجه مجموعة من الأزمات في مقدّمتها الاحتجاجات الشعبية والصدمات الاقتصادية واستمرار تمرد داعش وزيادة عمليات الميليشيات الشيعية ضد المصالح الأميركية وانخفاض إنتاج أوبك الناجم عن جائحة كوفيد – 19 بذيولها على المجتمع العراقي ككل.

ويمضي التقرير في الإشارة إلى الجهود التي يبذلها الكاظمي من أجل تقليص تدريجي مدروس لنفوذ الميليشيات وأنشطتها غير المشروعة، ما سيؤدي حتماً إلى تصعيد في التوتر بين الحكومة من جهة وقيادات الميليشيات من أخرى. فمنذ العام 2020 ارتفع صوت التهديدات التي أطلقتها الكتائب والميليشيات المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في وجه الحكومة العراقية والمسؤولين الأمنيين بحجة أنهم يدعمون الولايات المتحدة والأنشطة المضادة لمصالح أحزابهم. ويسجّل التقرير أنه منذ العام 2019 نفّذت الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني أكثر من 300 هجوم ضد المصالح الأميركية أسفرت عن مقتل أربعة أميركيين وجرح 25 آخرين.

أما أبرز المستجدات على أرض العراق التي تثير قلقاً كبيراً في واشنطن اليوم فهو استخدام الميليشيات لطائرات درونز المسيّرة لمهاجمة مواقع ذات استخدام مشترك من القوات العراقية ووحدات العمليات الخاصة الأميركية، بينما تعمل الولايات المتحدة على ابتكار دفاعات تستطيع رصد هذه الطائرات قبل أن تنفذ عملياتها التي عادة ما توجهها الميليشيات ليلاً، وتحلّق على علو منخفض يمنع الدفاعات الأميركية المتقدّمة من رصد حركتها.

ومن الجدير بالذكر أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يوفر تقنية الدرونز رخيصة التكلفة وأكيدة المفعول لوكلائه في العراق بهدف تكثيف الضغوط على الولايات المتحدة وحملها على إحياء الاتفاق النووي في المفاوضات الجارية حالياً في فيينا ودفعها إلى رفع عقوباتها المنهكة عن طهران.

تدرك الميليشيات المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي تماماً أن أضرار هذه الطائرات – وإن كانت مؤكّدة – إلى أنها محدودة، الأمر الذي يُجنّب إيران انتقاماً من الولايات المتحدة سيكون موجعاً لها. بينما تساهم تلك الضربات المستحدثة في العمليات القتالية للحشد في تقويض أية محاولة للحكومة العراقية لتمكين الأمن والاستقرار، وتبقي على نفوذ ميليشياته ضمن حالة الفوضى الأمنية السائدة، وتدفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب بأسرع وقت ممكن لتجنب آثار تلك الفوضى على أمن قواتها على الأرض حيث دأبت تلك الميليشيات منذ العام 2003 على استخدام كل أنواع الترويع الممكنة للتأثير على السياسة العراقية وتهديد الولايات المتحدة خارج حدودها.

ومع إعلان الولايات المتحدة الشهر الفائت أنها ستقوم بسحب ما تبقى من قواتها القتالية المنتشرة في العراق لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية مع مواصلتها تدريب القوات الحكومية العراقية وتجهيز ومساعدة قوى الأمن الداخلي، ستمسي الميليشيات المجتمعة ضمن بوتقة الحشد الشعبي في حال من الاسترخاء واليسر ما يساعدها على تحقيق النقلة النوعية القادمة لإتمام مهمتها في الانتقال من السيطرة الميدانية إلى النفوذ السياسي إثر استكمال أهدافها العسكرية، ولتتحول بذلك من حمل البندقية والسلاح إلى اعتلاء سدّة القرار السياسي النافذ.

وهكذا ستتحوّل المواجهات الميدانية بين ميليشيات الحشد الشعبي من جهة والقوات الأميركية من جهة أخرى إلى منافسة سياسية على تعزيز الحلفاء لكل من الطرفين في العراق.

فالولايات المتحدة تدرك تماماً أن إيران لن ترتدع عن محاولاتها المتكررة في اختطاف القرار السياسي في العراق لما يخدم مصالح الولي الفقيه في إيران؛ بينما تعمل الولايات المتحدة على فك الارتباط بين بغداد وطهران بصيغته الميليشياوية المهمينة لتخلق فسحة لعودة حلفائها الخليجيين إلى دوائر التأثير السياسي والاقتصادي في الحياة العراقية.

وتسمح حالة تعاظم صوت الشارع العراقي ضد كل ما تحيكه إيران من أفخاخ على الأرض العراقية ضد الشعب العراقي وحكومته بعودة تدريجية للدول الخليجية كداعمين ومستثمرين أساس في اقتصاد العراق. كما أن حملات الترويع والاغتيال التي تديرها عناصر الميليشيات التابعة للحشد قد أججت من غليان الشباب العراقي لاستهدافها نشطاءهم في الحراك المدني، الأمر الذي سيعمّق النفور من الوجود الإيراني في البلاد ليشقّ طريقاً جديداً لعودة التعاون الدبلوماسي والحقوقي والسياسي الحتمي بين بغداد وأشقائها في عواصم دول الخليج.

تشجع واشنطن وتدعم التوجّه الجديد لدى دول الخليج لإحياء العلاقات الأخوية والإستراتيجية مع الشقيقة العراق، وترى فيه عاملاً فاعلاً لشرذمة وتشتيت الدور الإيراني الخبيث الذي يعمل على عرقلة عودة العراق إلى الحضن العربي. فلدى دول الخليج الآن فرصة لتمييز أدائها عن الدور الإيراني التخريبي الذي أصبح مكشوفاً للشعب العراقي منذ رحيل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في العام 2014، والذي كان عراب التطييف السياسي في البلاد.

المقاربة الخليجية الصحيحة وعودة الدور والدعم العربي إلى أرض النهرين ستكون عاملاً فاضحاً ونابذاً للنهج الإيراني الذي قام على أسس طائفية مذهبية مستقدَمة من خارج الحدود عمّقت من الجرح العراقي بدلاً من تضميده ومعافاته إثر سقوط نظام الاستبداد البعثي في العام 2003.

غير أن تحييد الأحزاب ذات الصبغة الطائفية لن يتم إلا من خلال علاقات مؤسسية شفافة ومتوازنة مع بغداد، ودعم تلك العلاقات بحزمة من المحفزات والمشاريع الاستثمارية والخدمية التي تعود بالنفع المباشر على حياة المواطن العراقي اليومية؛ وهذا مكسب كبير لسياسات الولايات المتحدة التي تدعم إدارتها الحالية التطبيع البيني العربي كأداة حادة في وجه الطائفية السياسية وأذرعها التدميرية من وكلاء وميليشيات عابرة للحدود تديرها طهران على منهج “فرّق تسد”.