المحرر موضوع: الحـلـقة الأولى .. ما الـذي دعاني إلى كـتابة مقالات عـن المطران إيميل الموقـر  (زيارة 1210 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Michael Cipi

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 5239
    • مشاهدة الملف الشخصي
ما الـذي دعاني إلى كـتابة مقالات عـن المطران إيميل الموقـر
الحـلـقة الأولى
بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ 
المقـدمة : إذا إقـتـرب شخـص معـصوب العـيـنين من لـوحة واسعة وعـلى بُـعـد بضعة سـنـتـمترات عـنها وعـليها صورة كـبـيـرة ، ثم فـتح عـينيه فإنه لـن يـرى منها سوى بقـعة صغـيرة لا تعـني له شيئاً ، وكـلما رجع إلى الخـلـف مُـبتعِـداُ عـنها تـبـدأ تـتـضح له معالمها . وهـكـذا حـين أذكـر لأولادي نـصوص الأمثال الألـقـوشـية أو غـيـرها تـكـون غامضة لهم فأرجع إلى خـلـفـيتها وأحـكي عـن منبع نـشوئها فـيـفهـمونها . 
العِـبـرة : حـين أتـكـلم عـن واقـعي الحالي كـشماس غـير مرسـوم ، قـد يـبـدو غامضاً لكـثيرين ، مما يتـطلـب الرجـوع إلى الماضي والتـكـلم عـن بـدايات خـدمتي في الكـنيسة وأنا بعـمر عـشر سـنـوات متـنـقـلاً بـين محـطاتها حـتى الـيـوم ، فـتكـون الصورة جـلـيّة لمَن يهـمه أمرها .
وُلِـدتُ في كـركـوك وتـناولـتُ القـربان المقـدس بعـد إنهائي الصف الثالث الإبتـدائي ، وبعـد أشهـر قـليلة ( 1958 ) إنـتـقـلـنا إلى ألـقـوش / مدرسة العـزة للـبنين ــ في السوق ــ وأنا في الصف الرابع الإبتـدائي . ولما نجـحـتُ إلى الصف الخامس نُـقِـل عـدد من الطلاب وأنا من ضمنهم إلى مدرسة ألـقـوش الأولى للبـنين ، مار ميخا ، بالقـرب من الكـنيسة . وفي هـذه المرحـلة ( 1959 ) كان معـلم التربـية الـفـنية الموسيقار ــ حـكـمـت زيـباري ــ يـدعـوني عـنـد السبورة في بـداية الـدرس لأنـشـد للـزعـيم عـبـد الكـريم قاسم وهـو يعـزف عـلى الأوكـورديـون :: 
عـبـد الكـريم كـل الـقـلـوب تهـواك ... عـبـد الكـريم ربّ العـباد يـرعاك 
إحـنا وياك ... كـلـنا فِـداك ... نحـمي حِـماك ... عـبـد الكـريم

وفي موكـب درب الصلـيـب داخـل الكـنيسة ( 1959 ) شاركـت فـيه لأول مرة حاملاً بـيـدي الشمع الكـبـيـر ، واقـفاً عـنـد الجانب الأيسر للصلـيـب ومرنماً بصوتي المنـفـرد مع اللحـن ( شـلاما إلاّخ مريم ملـيـثا نَـعـمِــ = السلام عـلـيك يا مريم الممتـلـئة نعـمة ... 14 مرحلة ) حـسب نـظام الكـنيسة في تلك الأيام ، فلاحـظـتُ من بـين الـواقـفـيـن أستاذي المرحـوم جـرجـيس زرا يُعـبّـر عـن إعجابه بصوتي ... كانت هـذه بـدايتي في الكـنيسة وأنا طـفـل شماس (((( غـيـر مرسـوم )))) !!!! . ومن غـرائب الأمور ! بعـد سـتـين سـنة تـصبح صفة (((( غـيـر مرسوم )))) مشكـلة عـويصة في نـظـر صاحـب السلطة إبن جـلـدتي ، لتجـعـله واحـداً مِن أهـل الـبـيـت الـذين قال عـنهم المسيح ( متى 10: 36 ) .   
في الصف الثاني المتـوسـط إنخـرطـتُ في أخـوية الجـيش المريمي ، وفي السنة التالية تعـلـّـمتُ فـقـط ــ حـروف ــ اللغة الكلـدانية ، ثم كـتـبـتُ نـص القـداس ( بالأحـمر والأزرق ... الكاهـن والشماس ) بخـط يـدي بالـﮔـرشـوني وبـدأتُ أخـدم الـقـداس وأنا في مرحـلة المراهـقة ــ كـنـتُ أطلب من غـيـري أن يـقـرأ الرسالة ــ لسبب سأذكـره بعـد قـلـيل !!! وفي هـذه المرحـلة بـرزتُ بصوتي بـين زملائي الشمامسة من فـئة عـمري وأصبحـتُ معـروفاً عـنـد روّاد الكـنيسة وغـيـرهم . و(( نـقلاً عـن الـدكـتـور أمير هـيـلـو )) فإن الأستاذ ــ عـبـد جـبرائيل رزوقي ــ كان واقـفاً في ساحة الكـنيسة يوم الأحـد يسمعـني أخـدم الـقـداس وأنا شماس مراهـق (((( غـيـر مرسـوم أيضاً )))) !!!! وقال : إن صوت هـذا الشماس يشبه الأورغـن ! وفي العـطلة الصيفـية كـنتُ أحـضر دورات تعـلـّـم اللغة الكلـدانية في ساحة الكـنيسة مع أطفال المرحـلة الأولى وخلال أيام ينـقـلـونـني إلى المرحـلة التالية لأني أتعـلـّـم بسرعة ، وفي نهاية المطاف تعـلـّـمتُ قـراءتها وكـتابتها .
إشـتـقـتُ إلى قـراءة الرسالة في قـداس الأيام والآحاد وأنا متـمكـن من الـلحـن الخاص بهما إلاّ أني واجـهـتُ مشكـلة !!! وهي أن كـتب الرسائل والـقـراءات والإنجـيل ( المعـتـمدة في الكـنيسة منـذ الـقِـدَم ) مكـتـوبة باللغة الكـلـدانية الفـصحى ــ ﮔـوشـما ــ وشمامسة ألـقـوش عـلى عِـلم بـذلك ، والـمطلـوب من ( الكاهـن والشماس ) أن يتـرجـمها مباشرة عـنـد قـراءتها في الـقـداس ، تـرجـمة فـورية إلى اللهـجة المحـكـية ! وأنا لا أجـيـد الترجـمة ، فـما العـمل ؟ .
كـنـتُ أستغـلّ يوم الجـمعة ، آخـذ كـتاب الرسائل وأذهـب عـنـد المرحـوم الشماس المتـمكــّـن جـداً والبصير ( سليمان مَـقـدسي ) أقـرأ الجـملة أمامه فـيـتـرجـمها لي وأحـفـظها عـن ظهـر قـلـب وهـكـذا باقي نـصوص الرسالة ، ثم أعـيـدها له من الأول ويصحح لي أخـطائي ، وكـل ذلك شـفـهـياً ــ لا كـتابة ــ إلى أن أتعـلـّم تـرجـمة الرسالة كاملة فأكـون جاهـزاً لـقـراءتها في الـقـداس ، وبهـذا تـحَـسّـن مستـوايَ بعـض الشيء وأنا (((( شماس غـيـر مرسـوم )))) !!! .
في صيف ( 1963 ) وأنا إبن 14 عام سافـرتُ إلى كـركـوك مسقـط رأسي وذهـبتُ في يوم الأحـد إلى كـنيسة مار يوسف ــ تـناولي الأول فـيها ــ ودخـلـتُ عـنـد المـذبح لخـدمة الـقـداس بكـل عـفـوية وأنا غـريـب دون أن أسأل أحـد ولم يمانعـني ساعـور ولا عارضني شماس ، أخـذتُ كـتاب الرسائل بالعـربي وخـدمتُ الـقـداس مع الكاهـن الـذي ركــّـز عـلى نـطقي للصلـوات !! (((( وأنا شماس غـيـر مرسـوم )))) وفي الخـتام كـعادتـنا في ألـقـوش ساعـدتُه في طي بـدلته فـسألـني بالعـربي :
هـل أنت ألـقـوشي ؟..... نعـم
هـل أنت أحـد تلاميـذ القـس يوحـنان ﭼـولاغ ؟..... نعـم
ماذا تعـمل في كـركـوك ؟ ..... جـئتُ لـزيارة أخـتي
هـل يمكـنـك أن تأتي هـنا بعـد فـطـورك ؟ ..... نعـم
وبإعـتـباره كاهـن لـبّـيـتُ طلبه دون تـردّد ولا إستـفـسار ، ولما حـضرتُ شاهـدتُه داخـل الهـيكـل ومعه شاب يساعـده في نـصب المايكـروفـون ومسجـل ضخم ذي بكـرتـين وأسلاك منـتـشرة عـلى الأرض وقال لي : سنـسجّـل بعـض التـراتيل بصوتـك ، وهـكـذا كان ثم غادرتُ المكان دون أن أسأله عـن إسمه (((( وأنا شماس غـيـر مرسـوم )))) !!! وبعـد رجـوعي إلى ألـقـوش نسيتُ الموضوع .
مرّت أعـوام وتخـرجـتُ من المرحـلة الإعـدادية في ألـقـوش ، وفي فـتـرة الجامعة كـنتُ أخـدم القـداس في كـنيسة العائلة المقـدسة / البتاويـيـن وشاهـدتُ ذلك الكاهـن ( فـعـلمتُ إنه المرحـوم فـيـلـيـب هـيلاي !! ) وطلـب مني أن أشارك بعـض الشباب الشمامسة للرسامة فـرفـضتُ ! . ثم أنهـيتُ الجامعة والخـدمة العـسكـرية الإلـزامية وتعـيّـنـتُ مدرساً في الكـوت ، وفي إحـدى سفـراتي الأسبوعـية إلى بغـداد ( حـوالي 1976 ) زرتُ الأب فـيليب فـقال لي : تعال وإسمع بعـض التراتيل ، ولما سمعـتها لم أعـرف مُرنمها وقـلـتُ له : إنه يشبه صوت فـيـروز ! فـضحـك ، وقـلتُ له : لم أقـل فـيروز وإنما يشبه صوت فـيروز .. فـقال لي : إنه صوتـك قـبل سـنـوات هل نسيت ؟ . وطـيلة فـتـرة وجـودي في بغـداد كـنتُ أخـدم الـقـداس في كـنيسة العائـلة المقـدسة / البتاويـيـن ــ كـنيسة الثالـوث الأقـدس / الحـبـيـبـية ــ كـنيسة مار يعـقـوب أسـقـف نصيـبـين / حي آسـيا ، دورة ... (((( وأنا شماس غـيـر مرسـوم )))) .
الحـلـقة الـثانية ... تعامل المطارنة والكـهـنة معي وأنا ... (((( شماس غـيـر مرسـوم )))) .


غير متصل al8oshi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 310
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أخي العزيز أستاذ مايكل المحترم
هذه محطات من الذاكرة، ولكنها ليست ككل المحطات
سرد رائع وأحداث مشوقة تجذب القارئ لكي يتابع ما سيأتي
بعد ذلك، تكلمت عن كركوك دون ذكر الأسماء، أتمنى أن تراعي
ذكر الأسماء لكي نترحم على من رحلوا وتركوا بصماتهم الخيّرة
في نفوس وقلوب الآخرين
أنا عشت في كركوك ما يزيد على ثلاثين عاماً، أي منذ عام 1968
لم ألتقي بك هناك وكنتُ أتمنى ذلك.
روعة ما كتبت، وفقك الله وحماك أخي العزيز، ونحن بإنتظار القادم
من الحلقات
تحياتي
أخوك نزار عيسى ملاخا


غير متصل Michael Cipi

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 5239
    • مشاهدة الملف الشخصي
أخي الموقـر نـزار
أنت ذكـرتَ أنـك في كـركـوك منـذ 1968
ولكـني أنا غادرتُ كـركـوك في 1958 أي قـبل عـشر سنـوات من مجـيـئك إلى هـناك
مع خالص الشكـر لتـعـلـيـقـك