مقارنة بين الهوية الكلدانية والهوية الكردستانية – على هامش رسالة البطريرك ساكو الى البرلمان الكردستاني حول التسمية وشؤون أخرى
أثارت رسالة البطريرك ساكو الى البرلمان الكردستاني الكثير من الشجون. وفي هذا المنتدى بالذات، أعادتنا حوالي عقد الى الوراء حيث كان الصراع الخطابي حول التسميات على أشده.
وأثارت الرسالة زوبعة وأنبرت أقلام هي ذاتها تشحذ الهمم وكأننا أمام معركة مصيرية ووجودية.
وتريثت حتى تنقشع الزوبعة كي أدلو بدلوي. وها هي الزوبعة قد هدأت، ولكن الى حين، والحين قريب لأننا كشعب لم يبق لنا تقريبا شيء غير الخطابة والكلام المكرر على صفحات المنتديات ومواقع التواصل.
وكي ألقي بعض الضوء على ما آل إليه وضعنا المحزن كشعب كلداني ومؤسسة كنسية كلدانية، سأجري مقارنة مبسطة من نقاط عشر بين مفهوم وممارسة الهوية (القومية) لدى الأكراد، ومفهوم وممارسة الهوية (القومية) لدى الكلدان، متمثلين بالإدارة البطريركية الحالية.
أولا، الاكراد قاوموا ويقاومون التعريب (التعريب بمفهوم فرض لغة وثقافة دخيلة كي تحل محل لغتك وثقافتك الوطنية - هويتك). الكلدان، ومع الأسف الشديد ومتمثلين بالإدارة البطريركية الحالية، يرغبون في التعريب لا بل يحثون عليه وكانوا يناصرون ويشجعون أي مسعى للانتقاض من اللغة الأم والثقافة التي تحملها؛ والشواهد كثيرة هنا وعلى الخصوص في مسيرة ومنهج وممارسة البطريركية الحالية.
ثانيا، الأكراد يحترمون رموزهم وكتابهم وأعلامهم وآدابهم وشعرهم. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يستهينون بالرموز الكلدانية والكتاب الكلدان والآداب والشعر الكلداني، والشواهد كثيرة.
ثالثا، الأكراد يقرأون شعرهم ويحفظون اشعارهم ويرددونها ويمنحون تراثهم مكانة لائقة. الكلدان لم يعد يعرفون من هم شعرائهم ومن هم أدباءهم ومن النادر ان تلحظ كلدانيا يحفظ بيتين من الشعر بلغته.
رابعا، الأكراد لا يستهينون بتراثهم الكتابي ولا ينعتونه بصفات سلبية غير لائقة. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يهمشون التراث الكتابي ويطلقون عليه توصيفات غير حميدة ويفضلون أي دخيل او أجنبي عليه.
خامسا، الأكراد يحترمون كل ما له علاقة بهويتهم وثقافتهم ومن ضمنها مثلا الأزياء. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يستهزئون بما له علاقة بتراثهم وهويتهم ومنها الأزياء.
سادسا، الأكراد يجمعون ويشجعون ويدافعون ويدعمون مثقفيهم المتمكنين من لغتهم وتراثهم وفنونهم. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يستهزئون بالمثقفين المتمكنين من لغتهم، واليوم هاجر الالاف من المثقفين الكلدان صوب الفضاء الافتراضي حيث لم تعد مؤسسة الكنيسة الكلدانية تقبلهم حتى يغيروا أي يؤنوا (يعربوا) أنفسهم (ثقافتهم).
سابعا، الأكراد يحبون ويشجعون فنونهم وموسيقاهم وآلاتهم الموسيقية. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يستهجنون الفنون الكلدانية والموسيقى الكلدانية والآلات الموسيقية الكلدانية.
ثامنا، الأكراد يؤنون (يحيون) ثقافتهم وتراثهم وإرثهم وآدابهم بلغتها ويقدمونها للجيل الجديد كي يشكل هويته انطلاقا من التراكم الثقافي للأكراد كشعب. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يؤنون، ولكن عكس مفهوم التأوين لدي أي شعب يريد ان ينهض بنفسه، ولهذا التأوين لدى الكلدان هو إلغاء التراث واستبداله بالكتابة والتأليف بأي لغة لا سيما العربية وبأسلوب ركيك، هزيل، مليء بالأخطاء ويشي بعقل مشوش وأفكار لا منطق أو سياق وتساوق لها.
تاسعا، الأكراد يطبعون بلغتهم ويحاولون جهدهم التحدث بها كلما سنحت الفرصة وتدريسها على كافة المستويات. الكلدان متمثلين بالبطريركية الحالية يطبعون باللغة العربية ويتحدثون بلهجة عربية عامية ركيكة ويمنعون تدريس لغتهم في المعهد الوحيد الباقي لديهم في العراق.
عاشرا، الأكراد لديهم مثقفين يقفون بالمرصاد لأي كان ومهما علا شأنه ومنصبه إن حاول تهميش لغتهم وتراثهم وثقافتهم وفنونهم وأعلامهم وطقوسهم ورموزهم، الأركان المهمة التي تستند إليها هوية (قومية) أي شعب. الكلدان لديهم مثقفين يقفون بصف الذي لا هم له إلا تهميش لغتهم وتراثهم وفنونهم وطقوسهم ومهاجمتها، دون وجه حق، ونعتها بصفات غير لائقة بدلا من تنبيهه ان المسيرة هذه هدامة وتشكل خطرا وجوديا عليهم. والأنكى، إنهم يكررون طروحاته غير المنطقية والتي لا سند علمي او نظري او تطبيقي لها وكأنها مسلمات.
هذه مقارنة مبسطة للتأوين الكردستاني والتأوين الكلداني، أي مقارنة بين مفهوم الهوية (القومية) لدى الأكراد ومفهوم الهوية (القومية) لدى الكلدان متمثلين بالإدارة البطريركية الحالية.
علما، أن التسمية الكلدانية متوافرة في الدستور الاتحادي ضمن "القوميات" التي يتشكل منها العراق منذ عام 2005، وهذا أهم بكثير من دستور إقليم كردستان الذي لا يجوز ان يناقض نصه أي مادة في الدستور الاتحادي.
ولكن التسمية المثبتة في الدستور الاتحادي لم تضف الى الهوية او الشعور القومي الكلداني مفهوما وممارسة قيد خردلة. عل العكس جرى طمس الهوية الكلدانية من خلال التأكيد على الموقف السلبي والمعاكس من خلال الممارسة اليومية لتهميش وهدم ما يؤشر ويدعم هذه الهوية بأسلوب يتحكم فيه الإصرار والمنهجية والتصميم منذ عام 2012.
ولهذا لم استوعب حتى الآن لماذا وكيف وما الذي دعا البطريرك ساكو ان يكتب تلك الرسالة التي أحدثت شرخا وانقساما في صفوف شعبنا المسكين، وكأن الشرخ الذي احدثته إدارته في صفوف المؤسسة الكنسية التي يقودها لم يكن كافيا.
وسأحاول الإجابة على "لماذا، وكيف، وما" الذي جعل البطريرك ساكو يسطر بعجالة رسالة غير مدروسة بعناية من حيث المتن واللغة والدبلوماسية والمعلومات والمنطق والكياسة، ومن ثم إرسالها الى أعلى مؤسسة تشريعية في إقليم كردستان العراق عند التفاعل مع التعقيبات والردود التي ستأتينا، وأمل ان تكون في صلب الموضوع؛ او من خلال إضافات وايضاحات سأكتبها بين الفينة والأخرى في هذه الصفحة.