خَلا لَكِ الجَوَّ فَبيضي وَاِصفِري...
بقلم:
نصير بويا
انني شخصيا لست من الناس المتشائمين، فالتفاؤل والتفكير الايجابي هو دائما في مخيلتي.. ولكن !!!
اذا أردنا أن نقرأ الأحداث وما مر به العراق خلال الخمسون سنة الماضية نرى كيف تقوقع المجتمع في محيطه وأصبح يدور في حلقة مفرغة دون ان يتمكن ان يخرج ولو بعدة سنتيمترات من هذا المستنقع، والدليل تراجعه باستمرار الى ان وصل به الحال الى ما نحن عليه الان، فهو دائما يتذيل قوائم الدول في كل شيء من الامية والجهل والفقر و حقوق الانسان والسمعة الدولية والدبلواسية والتعليم والصحة والبيئة وغيرها، أما في الارهاب و الجرائم والطائفية والعنصرية فالعراق يكون على رأس القوائم.
من مهام دولة القانون الحديثة في أي بقعة في هذا العالم والذي أصبح كقرية صغيرة بفضل عصرالعولمة والتكنولوجيا والانترنت، حماية المواطن والحفاظ على حياته من العنف والفقر والجهل والاعتداء على حقوقه كإنسان، وتوفير كافة المستلزمات له لكي يحصل على حياة كريمة ويعيش كمواطن له كافة الحقوق و الواجبات.
أما أن تظهر دولة أو شبه دولة أو بالأحرى سلطة مختلطة وهجينة وظيفتها الاعتداء على حقوق هذا المواطن وحشره في زاوية حرجة واجباره على الاعتراف بهذه الدولة العجيبة والغريبة على مبدأ تريد أرنب خذ أرنب ، تريد غزال خذ أرنب غصبا عنك، فهذا ما لم يخطر على بال آباء الحداثة والديمقراطية وفلاسفة السياسة المعاصرين والسابقين.
فهذه السلطة والتي تخدع نفسها بانها دولة ديمقراطية لها دستور وقانون وسلطة تشريعية و قضائية تلتهم الحقوق وتدوس على كل شيء أو عرف يخالفها وكل من لا يرى الأمر مثل ما يراه قادتها الفطاحل، يتحول إلى جزء لا يتجزأ من سلطة الاعتداء عليها وهو في خانة الاعداء.
الميليشيات الولائية التي عاثت في الارض فسادا بكل اصنافها و أشكالها هي من ضغطت بأمر من ايران باتجاه اخراج القوات الامريكية من العراق ولم تمضي ساعتين على توقيع بايدن و الكاظمي على الاتفاقية حتى وصل قاآني خليفة المجرم سليماني الى بغداد لترتيب اعداد المرحلة القادمة والتخطيط لابعاد كافة المعرقلات التي قد تعيق احتلال العراق وجعله قاعدة ونقطة انطاق لايران في المنطقة وكان الله في عون هذا الشعب المسكين.
يروى أن طرفة بن العبد الشاعر كان مع عمه في سفر ، وهو صبي ، فنزلوا على ماء ، فذهب طرفة بنصب فخاخه لصيد القنابر( القنبرة جنس طائر ينتمي إلى فصيلة إلاوديداي و تشتهر بغنائها وهي محلقة في الجو)، وبقي عامة يومه ، فلم يصد شيئًا ، ثم حمل فخّه ورجع إلى عمه ، وفي طريق رجوعهم مروا من ذلك المكان ، فرأى القنابر ، يلقطن ما نثر لهن من الحب، أي بعد أن رفع فخاخه منها،
فقال :
يا لَكِ مِن قُنبَّرَةٍ بِمَعمَرِ ... خَلا لَكِ الجَوَّ فَبيضي وَ اِصفِري ..
وَنَقِّري ما شِئتِ أَن تُنَقَّري ... قَد ذَهَبَ الصَيّادُ عَنكِ فَاِبشِري ..
قَد رُفِعَ الفَخُّ فَماذا تَحذَري...لا بُدَّ يَوماً أَن تُصادي فَاِصبِري..
وهذا ينطبق على حال العراق اليوم بعد توقيع اتفاقية سحب القوات الامريكية من العراق بحلول نهاية العام الحالي فسيكون العراق ولاية تابعة لايران يتحكم فيه الميليشيات الولائية .سيكون العراق أرضا و جوا و بحرا ملك صرف لايران العظمى بعد أن ذهب الصياد و رفع فخاخه و أخلى الجو لها وحدها.
في تصوري ان السيناريو الامريكي هو أن تضعف القوات العراقية بعد رفع الغطاء الجوي و سحب الطائرات الامريكية والتحالف، وبذلك سيستغل داعش هذا الضعف فيندفع بالضبط كما فعلت طالبان في أفغانستان للسيطرة على مدن وأراضي استراتيجية وفي هذه الحالة ستكون ايران بميليشياتها القذرة وحرسها الثوري قد استباحت ما تبقى من مدن العراق و ستخلق وضع جديد لتربك كافة الحسابات في المنطقة.
كذلك ستقوم الميليشيات القذرة و الحشد الشعبي والذي يمكن تسميته من الان فصاعدا بالحرس الثوري العراقي بالتحرش باقليم كوردستان وجره الى الاحتكاك و الاقتتال وبهذا ستكون ايران قد دمرت و خربت آخر بقعة في العراق والتي كانت آمنة ويعيش أهلها بسلام وفيها شيء من الامان والطمأنينة بعد أن كان الاقليم قد ضبط نفسه ولم يدخل في صدام مع هذه الميليشيات وتصرف بحكمة وعقلانية بالرغم من قيام قوات الحشد بقصف مطار أربيل وعدة مناطق اخرى في الاقليم مرات عديدة.
ويمكن ان نتخيل دور الميليشيات الاخرى والتي علاقتها مع ايران ليست على ما يرام ولها عداوات مع بعضها فهي لا تقبل ان تخرج خالية اليدين ، لذلك قد تكون المرحلة القادمة حرب أهلية بين الفصائل الشيعية فيما بينها لا محالة ويصبح العراق أسوأ من سوريا و سيكون الشعب هو الحطب لهذه الحرب التي سيشارك فيها ايضا داعش لخلط كافة الاوراق لتحرق الاخضر واليابس ومن الممكن ان تجر معها دول اقليمية مثل تركيا والسعودية و بعض دول الخليج .
بالاظافة الى كل ما ذكرته أعلاه سيكون الجوخاليا للحكام الجدد و ميليشياتهم والفاسدين واللصوص والقتلة لقتل ما تبقى من الشباب والنشطاء و الناس الوطنين و الشرفاء وسيكون الطرف الثالث علنيا هذه المرة.