المحرر موضوع: يوم اصبح حفيدي ، اوليفييه ، بقّالاً  (زيارة 1010 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
يوم اصبح حفيدي ، اوليفييه ، بقّالاً
شمعون كوسا

كان الاحتفال بعيد ميلاد اوليفييه ، حفيدي الذي أتمّ الرابعة من عمره. من ضمن الهدايا التي تلقاها ، منظومة صغيرة لأمين الصندوق ، شبيهة بما هو موجود في الاسواق الكبيرة ، أعني لوحة للفواكه والخضراوات مع صورها واسعارها، آلة حاسبة وميزان ، وجهاز يُسلّط على المادة لقراءة سعرها واضافتها الى المجموع ، وايضا بطاقات اعتماد خاصة ، وعملة باليورو ، بعضها ورقي والاخر معدني .
بعد تركيب المنظومة ، كان يجب إشغال الولد باستخدامها ، لانه ترك كل هداياه جانبا وتفرغ للبيع ومحاسبة الزبائن . كان علينا إذن حمل اول سلعة تقع تحت  يدينا  للتوجه بلهف نحو اوليفييه الجالس وراء جهازه . كان علينا القاء التحية بصوت عال ، والتوقف عند نقطة معينة  ونحن مُكمّمون طبعا .  كان يبدأ  بوزن ما يتوجب وزنه ، ثمّ يستخدم الكاشف اليدوي الاحمر ، للانتهاء باحتساب كافة المواد . وبعد التأكد من عدم حاجتنا الى شيء آخر ، يعلن المبلغ المطلوب . يشير الينا بالتوجه الى اليمين للقيام بدفع  المبلغ عبر بطاقة الاعتماد او الاوراق النقدية  ، التي كان هو  قد زوّدنا بها أصلا !!!
كان التعامل معه سهلا ، لانّ كل ما كان يطالب به لا يتجاوز العشر يورووات . عند الدفع ببطاقة الاعتماد ، كان يدير رأسه حسب الاصول ، خشية اتهامه بالتلصص او التربص او التجسس !! 
بدأنا اللعبة مع اوليفييه ، وكان علينا الاستمرار لاشغال الطفل وإسعاده على الاقل لفترة معقولة ، لا سيما وانه كان في يومه الاول من عقد عمله. فاصبحنا  ننقل له  تباعاً  كلّ ما كان داخل المنزل ، من المعلبات  الغذائية،  والسكر ، والشاي ، والملح ومعجون الطماطم ، وبعض الفواكه،  واكياس الطحين ، وحتى الاقلام والكتب والدفاتر ، أما الاشياء الثقيلة أخرى كنا نكتفي بالإشارة  اليها ، فكان يكبس على ازرار  متظاهراً بتحديد سعرها . عندما لم يبقَ شئ في البيت ، كي نشتريه من البائع الصغير اوليفييه ، قمنا بنزع الساعات وخلع النظارات ، وأخرجنا ما كانت تحويه الدواليب من ملابس داخلية . كان دائم الاستعداد وكأنه في لحظاته الاولى ، فيطلب المزيد . لم يكن بوسعنا الا شراء نفس السلع  مرة ثانية وباسعار اخرى طبعا. المهمّ عنده ، كان الدفع  عبر بطاقة الائتمان مع بعض النقد ،  بعد هذا ، يودعنا بحرارة ويقول الى اللقاء القريب.
هذا هو اوليفييه الصغير . ابتدأت بعيد ميلاده ، كي اصف بعض حركاته وفعالياته الاخرى. اوليفييه طفل دائم الحركة . يحبّ سماع الموسيقى الراقصة من خلال الصور المتحركة او غيرها من افلام الصغار  التي تتخللها مقاطع رقص . مقاطع شاهدها مئات المرات ، فحفظها  واصبح يقلد حركاتها بدقّة . يتمايل احيانا ، ويركض احيانا اخرى . يقوم بدورات حول المائدة التي تتوسط  غرفة الاستقبال ، ثمّ يقف ، ويتمدّد  على الارض أو يتدحرج ، ناهيك عمّا يقوم به  من حركات ارتجالية احيانا ، بيديه ورجليه وهزّ مؤخرته .
في احدي  المرات التي كان عندنا في البيت ، لأننا نستقبله بين الحين والحين مع اخيه الاكبر ايام العطل المدرسية ، كان يقوم بمشاهدة وسماع احدى هذه المقاطع . بدأ بتمثيل  ما يعجبه من المشاهد ، وبعد دقيقة ناداني بإلحاح  للوقوف الى جنبه ومساعدته ، واذا به يبتعد قليلا ويأتيني بركلة قوية . أراد اعادة الركلة غير اني هربت. كان يحتاج الى شخص يركله بقوة ، لان بطل فيلمه كان يؤدي هذه الحركة .
انه عاشق الرقص ، بحيث انه في احدى المرات وهو جالس معنا على مائدة الطعام ، وهو ينظر الى احد هذه الافلام على التلفاز ، لأنه لا يأكل دون مشاهدة شاشة ، صغيرة كانت ام كبيرة. بعد بضع دقائق  ترك اوليفييه المائدة وتوجه الى وسط الغرفة واذا به يهزّ نفسه من كل الجوانب  ، فرقص وقام بدورعازف الغيتار وكانه ألفيس بريستلي ، بعدها عاد لمكانه ليستأنف الاكل .
انه طفل لم يحصل بعد على كافة المفردات والجمل للتعبير عن نفسه تماما ، ولكنه طفل حاذق ، وله حركات ، وتعابير وجه تنمّ عن  خفة دم لا تصدق .
طفل لطيف واجتماعي يعجبه القاء التحية على كل من يراه . واذا لم يردّ عليه الشخص بالتحية ، يتوجه اليه من جديد للحصول على الرّد. واذا صادف وان رافق جدته في الاسواق ،  فانه يجب ان يشارك في وضع المشترات على الحزام المتحرك ، كما يجب ان يقوم هو بعملية الدفع اذا كانت نقداً ،  ام حتى بالبطاقة ،  يكفي ان يحاول وضع البطاقة في جهاز الدفع.
انه يريد ان يكون الاول والسبّاق في كل شئ . وبما انه لا يقبل الا في الفوز ،  فاذا لم يحصل على ما يريد ، يمثل دور الباكي بمرارة كبيرة، فترى وجهه بعينين مغلقتين بإحكام تام ،ولكن دموعه الساخنة تجد لها منفذا ، فتخرج كدرر صغيرة جدا او ذرات مطر هادئ ، دموع تتوقف حال تلبية طلبه.
انه يحب نفسه كثيرا , وهذه ليست انانية ، بل اراها ظاهرة طبيعية جدا  ولعلها تكون ضرورية . لان الطفل اذا لم يبدأ بحب نفسه لا يكتشف حب الغير . إذا لم يتذوق الطفل سعادة حبه لنفسه، كيف يتمنى لغيره شيئا لا يعرفه . وكيف السبيل لتطبيق وصية : احبّ لغيرك ما تحبّه لنفسك ، الا يفترض بان يكون المرء قد احبّ نفسه اولا ؟
مغامرات اوليفييه كثيرة ، تناولتُه هنا بقالا ، لعلّني سأعود اليه فيما بعد نجارا ام حدادا. تكلمت عن حفيدي الصغير لابرز من خلاله حلاوة الطفل والشعور الذي يخلقه في قلب الاباء والاجداد . نحبهم لدرجة التمني احيانا بان يبقوا بنفس العمر ، محافظين على شقاوتهم وبكائهم وتصنعهم وحركاتهم  لفترة طويلة.

غير متصل افسر بابكة حنا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 491
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تحية طيبة يا ايها اليفن المجيد


بحثت في ارث شقلاوا
من طارفٍ
وتالد مستترِ
لم اجد غيرك
يستقي
من فطرة الطبيعة
فكره النير
موشياً
 باجمل حرف عبق
معطرِ
فتارة تاخذنا
الى زقزقة العصافير
في البساتين
وتارة الى الغمام
وسحره
الاسرِ
واليوم
الى براءة الطفولة
حيث الصفاء والنقاء
وطهر المعشرِ
دون عسر العقد
دون خبث المستعرِ
 ومكر المنكرِ
وقبلها في الترحال
والسفرِ
 تشدو
لحن شجياً
مخضوضرِ نضر
بالعقل محججاً مفسراً
طلاسم الدهر
المدكرِ
اقولها
لا زلفا ولا ملقا
قولا صادقاً
لم اجد في سجعي
ما يفي
حق المنظرِ
من سرد جميل بليغ
وايحاءٍ ممزوج
بعظةِ اليفن
المجيد الموقرِ
تنثرها على الطريقِ
خيراً واحساناً
دون اجرٍ
او ظفرِ
كحبات البذور
تحملها الريح
حيث ما شاءت
يدُ القدرِ
وان سقاها المزنُ
يوما
لابد ان تاتي
بخير ٍ
وافرِ
افسر بابكه حنا

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اخي افسر
لقد غمرتني وكعادتك ايها لشاعر الكبير. يا جميل النفس ونيّر العقل وغزير الالفاظ.
اما عني انا ، لا اعرف هل هي سجيتي التي تجعلني اهيم بالطبيعة بكل مكوناتها ، ام هو تأثري في سن مبكرة بالادباء والشعراء اللبنانيين كجبران وميخائيل نعيمة وايليا ابو ماضي وغيرهم ؟ هؤلاء يتغنون ببيئتهم الجميلة وطبيعة لبنان الخلابة ويتعمقون في التفكير كالفلاسفة للخروج بكلام جذاب واراء صريحة حتى اذا جاءت مغايرة لما يفكر فيه السياسيون ام رجال الدين . اضف الى هذا قراءاتي الكثيرة في الادب الفرنسي وولعي بها من امثال فولتير وراسين وكورنييّ ولافونتين وبعدهم بالزاك وزولا وفلوبير وكثيرين غيرهم . ادباء واقعيون في تفكيرهم وتحليلهم ودقة وصفهم. لذا اجدني سعيدا في النظر والتمعن في الطبيعة والتغزل بها ، كما يعجبني ملاحظة مظاهر الحياة وتناولها في تحليل وانتقاد باسلوب قد يكون فكاهيا او سخريا لاذعا احيانا ولكني احرص على الانتهاء بخلاصة تحمل الكثير من العبر .  مرورك يا افسر يشرفني كل مرة ، ساحتفظ بما تقوله لانه ثمين ولانه نابع من اعماق شاعر كبير شبيه بالبركان .وفقك الله

غير متصل افسر بابكة حنا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 491
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اخي شمعون
كتاباتك المستقاة من سحر الطبيعة ومن نسيج الحياة وادب الترحال والسفر  لا تقل رونقا عن ما ابدع به كتاب المهجر  ومطالعتك للادب الفرنسي زادتك نبوغا لذلك نجدك تتحكم الى العقل اكثر بكثير من ميلك للعاطفة في طرح المواضيع.
ان استنباط الفكرة من الولوج في حنايا الطبيعة بحد ذاته ابداع فما بالك اذا اقترن بالحرف البليغ والجاد
دمت ودام نبض يراعك الحساس