المحرر موضوع: الانتخابات المبكرة والمتغيرات المحتملة !  (زيارة 468 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ادي شامل نعوم

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 72
    • مشاهدة الملف الشخصي
                                                        كركوك/28 تموز 2021

الانتخابات المبكرة والمتغيرات المحتملة !

               غضب الشارع العراقي، وتضحيات شبابه المنتفض في ساحة التحرير او في المناطق العراقية الاخرى أثمرت باستقالة حكومة عادل عبد المهدي واعضاء وزارته التي لم يمض على تشكيلها سنة بعد الضغط الشعبي المتزايد من المتظاهرين، والتي افرزت عن تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة مصطفى الكاظمي . وقد اخذت هذه الأخيرة على عاتقها الاستعداد لتنظيم انتخابات مبكرة مع ادخال تحديثات جديدة على قانون الانتخابات العراقي، مع وعود اخرى تتعلق بتنظيم العملية السياسية في العراق .  اذن، فالشعب على موعد جديد آخر مع الانتخابات. فهل سنشهد فيه التغيير المرتقب؟ ام ان نتائجها ستكون كسابقاتها؟
في هذا الشأن المرتقب يراودنا جميعا العديد من التساؤلات التي تبحث عن اجابات لعلها تشفي بعضا من الغليل وتعيد الاطمئنان والسكينة الى شعب أهلكته الصراعات السياسية، داخلية كانت او خارجية، برعاية متميزة من دول إقليمية وعالمية تحاول فرض اجنداتها السياسية ومصالحها على حساب شعب أصبح مغلوباً على امره، لم يسعفه تاريخ حضاراته الموغل في القدم، كما لم تسعفه مذاهبه العقائدية المتعددة بل فقد استعمل بالعكس كسلاح موجه من نوع آخر وضد من؟  ضد من كان يتقاسم معه مياه دجلة والفرات وخيرات الارض المعطاء، لم تسعفه افكار خيرة ابنائه القاطنين هنا وهناك في ارض المهجر. وبدلا من استقطابهم الى حضن الوطن أصبح في مقدمة الدول المهجّرة لسكانها الاصليين، مع استمرار معدل ارقام عدد النازحين وموجات النزوح من ارض الاجداد الى مخيمات لا تحفظ للإنسان أبسط مقومات الحياة.
ماذا كانت محصلة هذه العقود من الزمن؟ انحدار كبير نحو هاوية الخراب وعلى كافة الصعد والمستويات، علميةً كانت او اجتماعية او ثقافية، بدت نتائجها واضحة على محيا شعبه وتحديدا لدى الجيل الجديد. وان كنا قد تجاوزنا اليوم من جانب مرحلة داعش (وما يدعيه بدولة الخرافة)، فمن جانب آخر نرى ان شبح الفساد المستشري قد ظهر بقوة واخذ باستنزاف الاقتصاد ونخر ما تبقى من دعائم الاقتصاد العراقي بشراهة بالغة، وباتت تشكل معضلة تزداد اتساعا يوما بعد آخر. واخيراً فان المواطن الكادح هو المتضرر الاوحد نتيجة العملية السياسية الخاطئة وبدأ بفقدان شعور انتمائه الى وطنِ وبات يتطلع الى موضع آخر يحفظ له ماء وجههِ وكرامته المغتصبة. 
من ناحية أخرى، يمكن ان ننسب بعض اخفاقات الحكومات المتوالية ايضا إلى المواطن بعينه. وهنا ستتوقف مستفسراً لتقول كيف؟ والجواب المقتضب البسيط هو كالحقيقة المرّة.  فان هذا المواطن هو من ادلى بصوته في صندوق الاقتراع للأشخاص المتناوبين على سدة الحكم منذ الانتخابات الاولى من دون أن يدرك بعمق مسؤوليته في التصويت لشخص غير مؤهل لإشغال تلك المناصب.  هنا يبرز النقص في الرؤية المستقبلية لدى المواطن العراقي لدى قيامه بالتصويت، اذ انه يعتمد في حكمه على العاطفة الاسرية ومدى القرابة العشائرية والطائفية بالمقام الاول، ومن جانب آخر لكون المواطن العراقي بسيط في أيديولوجيته سواء السياسية او الثقافية، سيما انه قد أصبح على انفراج كبير بعد عقود من الدكتاتورية والانغلاق عن العالم المتحضر. لذا فان المؤكد التأثير على طريقة تفكيره بسهولة كبيرة كاستخدام وسائل التحايل والاستدراج الشخصي او تقديم مبالغ عينية لفئات معينة او عبر اعطائه وعوداً ان لم نقل انها كاذبة فهي غير قابلة للتحقيق ضمن المستقبل القريب كـوعود إطلاق التعيينات لفئات معينة من ابناء العشيرة او الطائفة او منح قطع اراضي زراعية او سكنية او تغيير عناوين او منح درجات وظيفية اعلى لفئات تخص المنتخب او احالة مقاولة او مشروع معين الى اولاد العم الفلاني... والخ. وفي مراجعة بسيطة نجد شرائح كبيرة من الناخبين هم من جماعة الكسبة او المستوى التعليمي والثقافي المتدني، لذا فان اقناعهم بالمنتخب يمكن ان يتم بشكل اسهل عبر اهداء مواد عينية ( وهذا ما شاهدناه في الانتخابات الماضية ) مثل المدافئ او البطانيات او مواد غذائية ..الخ  (نتائج الحصار الظالم ما زالت عالقة في عقلية المواطن العراقي بينما الحال مغاير لما نشاهده في الدول المتقدمة، وان وجد مثل هذه الامور  فهي على نطاق ضيق، ويعاقب عليها سلطة القانون الحازم  حيث الوصول للسلطة لن يتم الا عبر الحوار المباشر بين المتنافسين (الحوار المباشر امام الجمهور للوصول الى الرئاسة الامريكية مثلاً) يعلن المرشح للمنصب عن خططته المستقبلية لوضع البلد، وكيفية ايجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية ورسم السياسة الخارجية والتعاون مع البلدان والشعوب الاخرى، اضافة للسياسة الداخلية المعنية بحال المواطن خلال (الخمس او اربع سنوات المقبلة) على سبيل المثال الاجراءات المتخذة للحد من البطالة او حل ازمة النقل العام او الواقع الضريبي او الزراعي او الصناعي او الرعايا الاجتماعية او التامين الصحي ....الخ. طبعاً المواطن يتوصل في نهاية الامر الى قرار معين بانتخاب الشخص الذي سيحقق طموحاته المستقبلية في الفترة المقبلة، والدستور او القانون المعتمد في البلد سيوفر له امكانية مساءلة الشخص المنتخب في حال عدم تحقيقه للوعود التي قطعها لمؤيده خلال الفترة الانتخابية، كما ان الامر يتطلب الشجاعة في الاعتراف بالخطأ بإقرار ذلك امام الشعب ووضع الخطط البديلة لتصحيح الاخطاء، وان تطلب الامر التنازل عن السلطة عبر تقديم الاستقالة لفشلها في الوصول الى الاهداف المعلنة او الخطط المرسومة بكل شفافية وسلاسة.  والشيء بالشيء يذكر هنا كم هي عدد حالات الذين أقدموا على تقديم استقالتهم من المسؤولين او النواب اعتراضاً او تصحيحاً للمسار او على الاقل ان يقدم اعتذاراً لأنصاره بشكل علني متحضر.
 نعم الوصول الى هذه المرحلة من الثقافة (او الرؤية المستقبلية للأمور ان استطعنا القول) تحتاج الى عامل الوقت وايضا الى اشخاص قادرين على فعل او قيادة هذا الحراك كما يسمى (التاريخ يذكرنا بالكثيرين من هؤلاء: مانديلا، غاندي، ليش فاليسا، غورباتشوف، ...) على تبني هذا الفكر او السياسة ولا بأس ان كانت على مراحل.  اغلب دول العالم المتحضر لم تصل الى ما هو عليه من تطور وعمران والكمال الفكري بين ليلة وضحاها لكنها استطاعت ان تدخل التغيير في حياة الشعوب نحو الافضل عبر رفع الوعي والمستوى الثقافي او بصورة اوضح بناء شعب قادر على التحكم في مصيره. اذن العملية ليست فقط عبر مفهوم الانتخابات الديموقراطية والوصول الى المناصب بل بالهدف الأسمى والانبل الا وهو أنها وصلت الى المسؤولية لا من اجل المادة والجاه بل من أجل ان "اخدم الشعب وليس من اجل ان أُخُدم من قبل الشعب".
لنرجع بالذاكرة الى الوراء قليلاً والى التاريخ المعاصر، فان ما يحدث في العراق الان يشابه ما مرت به الكثير من الشعوب سواء في المنطقة العربية او في انحاء اخرى من العالم. لنأخذ على سبيل المثال ما حدث في اليابان وهي احدى دول المحور في الحرب العالمية الثانية ألقيت القنبلة الذرية على مدينتيها هيروشيما وناغازاكي لتغيير مسيرة الحرب بالخسارة واستسلام اليابان الى دول الحلفاء. وبذلك فقدت اليابان معظم البنى التحتية، والملايين من ابنائها، اضافة الى الالاف من المتضررين جراء الضربة النووية وتدهور فضيع في الاقتصاد ...الخ. ولكن أنظر أين هي الان؟ كيف استطاعت النهوض لتنافس كبرى دول العالم؟  دول عديدة تعرضت لحالات مشابهة بل وقد تكون أقسى مما نشهد نحن اليوم في بلدنا. سؤال يتكرر من صنع هذا التطور العظيم بعد الحرب لليابان؟ هل هم الدول المجاورة لها مثل كوريا او الصين او روسيا ام امريكا مثلا؟ أم ان "المواطن" نفسه هو من أجرى التغيير لينهض ببلد من تحت الانقاض واكوام الرماد، واستفاق من سبات عميق ليعمل ويخطط لبناء جيل جديد واع اولاً، مثقف ملتزم مطيع ومتسامح ثانياً، واخيراً قادر على مواكبة المتغيرات الحديثة في العالم؟ وهنا مربط الفرس كما يقال.  اذن ايها السادة، القادة هم الذين قادوا هذا الشعب نحو الهاوية وهم من اخرجوا هذا الشعب من ذلك المستنقع الموحل. علما انه لم يطرأ التغيير على شخص او اسرة الامبراطور الحاكم للبلد بل الحكومة هي التي تغيرت بالأحرى. النهج الحكومي هو الذي شهد تغيرا جذريا بكل معنى الكلمة. وبعد كل هذه الخسائر استطاعت الحكومات المتوالية عاماً بعد اخر ان تتخذ لها نهجاً حقيقياً في عملية الاصلاح والتطور بعيدا عن الحروب والمشاحنات والتناحر او لوي الاذرع، واستعراض العضلات امام الاعلام المرئي او المسموع، واسقاط الاخر (مواطن من درجة ثانية او اقلية). استطاعت ان تصنع لها كيان ورمز متحضر معروف به في عالم اليوم. الامثلة عديدة ومتعددة والكل يسعى الى ارساء دعائم محكمة وقائمة لخدمة الانسان.
فهل سنكون نحن ضمن قائمة تلك الشعوب، ام ان كل هذه السنين (18 عاما) التي مضت ما زالت غير قادرة على إنضاج الفكر العراقي بكل اطيافه وقد نحتاج الى عقد آخر من الزمن لندور ضمن هذه الحلقات المفرغة ونستمر في البحث عن الخدمات والماء والكهرباء؟ نعم هي اقل ما يمكن ان توفره الدولة لأبنائها كي تستمر عجلة الحياة.  في حين ان شعوب العالم قد تجاوزت هذه المراحل الى مراحل أكثر عمقا، ووصلت بذلك الى مرحلة الابداع (لاحظ التجربة الاماراتية مثلاً!) في كل مجالات الحياة. (وان أطلت الحديث عليكم بالمآسي فهل لك عزيزي القارئ ان تفكر بعدد الساعات التي تشغلها يوميا للبحث او لتوفير الخدمات التي ذكرناها لتضمن لك ولعائلتك العيش الكريم)؟ 
               باعتقادي سيكون هناك نوع من التغيير في الانتخابات القادمة خاصة ان قانون الانتخابات الحالي قد ادخل عليه تغييرات جوهرية عدة تتعلق في بعض فقراتها في كيفية احتساب الاصوات واخرى في الدوائر الانتخابية المتعددة عوضا عن الدائرة الواحدة اضافة الى الغاء الانتخابات في دول المهجر. وعليه فقد تتغير الوجوه وتتغير التحالفات السياسية بل وقد تظهر كيانات جديدة لاول مرة على الصعيد السياسي. وعلى الرغم من عملية الانسحاب المتوالية من قبل بعض القوى السياسية بداعي عدم توفر الظروف الامنة لاجراء الانتخابات بالشكل الطبيعي ، وسواء كنا مع الانتخابات ام لا فانها ستجري كما مقرر لها اجلاً ام لاحقاً ولاسباب عدة لعل ابرزها  ان  الساسة القائمين الان على راس الهرم على قناعة تامة انهم قد اصبحوا في موقف محرج امام ضغط الشارع العراقي، ولعدم توفر الامكانيات لاستمرارها على نفس المنوال السابق بعد ان كشفت جميع الاوراق، ولفراغ الخزانة العراقية من مواردها  بل وان سلطة الدول الاقليمية والعالمية والتي لها مصالح في العراق  قد سئمت من حال التخبط العراقي المستمر وعدم الاستقرار، لذلك سيطالهم التغيير ولا محالة من ذلك  جزئيا كان او كليا، بتغيير وجوه او اضافة وجوه جديدة تحمل او تتستر باقنعة جديدة لم تكن معروفة من قبل رغبة في كسب الشارع وديمومة الحراك عينه، الكيانات الجديدة سيكون لها منطلق جديد مستغلة اخطاء الساسة السابقين في المجالات كافة ستحاول جاهدة ابراز عناصر ايدولوجيتها الجديدة لتثبيت الكيان والبدء من جديد مع حقبة جديدة وبذلك سنكون ربما امام قوتين احدهما تحاول المحافظة على المكتسبات والاخرى تحاول الاظهار واشهار الاخطاء وتسقيط القديم واحلال الجماعات الحديثة.
               لكن اين سيكون المكوّن المسيحي في الانتخابات القادمة؟ فهل سيطاله التغيير هو ايضا ويحقق حلم المكون بأعضاء قادرين على التضحية والعطاء ونبذ الخلافات الحزبية وصراع التسميات المتعددة، ام مع استمرار التمايل لجانب الكيانات الكبيرة، ام انهم سيطلقون تحالفاً جديداً موحداً يكون مميزاً بعدده الصغير، ورقماً صعباً وكبيراً في الاداء المتميز ورمزاً مقرباً من شعب مغلوب على امره؟ ام تمضي الايام والسنين ونعود الى الدوامات نفسها وحينها قد يقضي صراع العمالقة الكبار على تحالفات صغار القوم، وتوجه لها الضربة القاضية في نهاية جولة النزاع لتطلق نفسها الاخير، وحينها لن يفيد الندم وعض الاصابع؟ لكي يطال التغيير واقعنا الاليم لا بد من السعي الى اختيار شخص مناسب قيادي مقتدر حكيم صاحب قرار، قادر على قراءة المتغيرات المستقبلية وفهم الواقع الحالي ومؤمن بآمال شعبه وتطلعاته المستقبلية. وعليه فان تصويتكم على المرشح المناسب هو ثمين جداً وليس تحصيل حاصل. ولا بد كشعب ان نؤمن باننا ما زلنا قادرين على اجراء التغيير. فلنستغل هذه الفرصة بحكمة الارادة والعقل النير بعيداً عن التجاذبات السياسية. كفانا ما خسرنا في المراحل الماضية ولننظر الى الجانب المشرق من الحياة التي سنفقدها لا سمح الله ان تهاونا في ذلك.   
     ايها السادة الافاضل، نحن قوم نؤمن ونفتخر بعراقيتنا اولاً وان "هاجرنا بالأمس" فقد كنا مرغمين بهذا القرار الصعب عندما وجدنا أنفسنا غرباء في بلدنا مسلوبة فيه حقوقنا ومجهول المستقبل لأبنائنا. سئمنا من كثرة الوعود وليس لها من مجيب. فكيف لخمسة اعضاء في البرلمان ينتمون الى نفس العقيدة مختلفين في التوجهات الحزبية والسياسية غير قادرين على الوفاق وتوحيد الصف والمطالبة بالحقوق، فهل ستعيد لنا هذه الانتخابات بعض الامل في هذه الحياة؟
وقبل ان اختم مقالتي هذه، ارغب ان اسرد عليكم هذه القصة الواقعية عسى ان تعيد عليكم بعض البهجة. ففي الحرب العالمية الثانية كان لدى القائد الفرنسي الجنرال ديغول (فيما بعد رئيس جمهورية فرنسا) سائق عجلة (يدعى جورج) يقوم على خدمة نقل سيده كلما يقتضي الامر اثناء حضور الاجتماعات الرسمية مع بقية اعضاء القيادة العسكرية والحكومية او المسؤولين، ويجتمع خلال هذا الوقت سواق العجلات في موضع واحد، وكانوا يتحاورون ويتهامسون فيما بينهم ثم يتسألون وبشكل متكرر: متى تنتهي هذه الحرب؟ ويتوجهون بالسؤال لجورج ويقولون الم يخبرك الجنرال متى تنتهي الحرب يا جورج؟ جورج ضاق ذرعاً بتكرار هذا السؤال من زملائه.  وفي احد الايام وهم مجتمعون كما جرت العادة اخبرهم جورج قائلا: لقد اخبرني سيدي الجنرال متى ستنتهي الحرب. اندهش الجميع آنذاك لسماع جواب طال انتظراه وليخبرهم جورج ان جواب الجنرال كان (أيضا على شكل سؤال): متى ستنتهي هذه الحرب يا جورج؟
           وها انا ايضا أسألكم بدوري: متى سينتهي كل هذا، وهل سترسو بنا سفينة العراق الجديد على ميناء السلام والاستقرار،  هل سنكون نحن مع التغيير الجذري ام مع القنوط ومواكبة تخبطات الموج؟

                                              دمتم بخير
أدي شامل نعوم
كركوك