المحرر موضوع: التأثير السياسي للإخوان في العراق يتلاشى تحت ضغط ماكنة حكم الأحزاب الشيعية  (زيارة 423 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31448
    • مشاهدة الملف الشخصي
التأثير السياسي للإخوان في العراق يتلاشى تحت ضغط ماكنة حكم الأحزاب الشيعية
الحزب الإسلامي يشهد نزيفا حادّا في شعبيته من دورة انتخابية إلى أخرى.
العرب

عملا بمبدأ إذا لم تغلبه انضم إليه
فشل الإخوان في العراق ممثلين بالحزب الإسلامي في الحفاظ على دور قيادي في نظام الحكم الذي شاركوا في تأسيسه بعد الغزو الأميركي للبلاد يدفع بهم نحو هامش التراجع والانكفاء وصولا إلى المرحلة الحالية حيث يواجهون الاضمحلال والذوبان في ماكنة الحكم التي تهيمن عليها القوى الشيعية ذات الصلات القوية بإيران ليصبحوا بذلك بمثابة مجرّد ديكور مكمّل لـ”ديمقراطية” المحاصصة وتقاسم المغانم.

بغداد – على عكس ما تسجّله فروع جماعة الإخوان المسلمين في عدد البلدان العربية من حضور بارز وما تخوضه من صراعات وما تثيره من ضجيج، لا يكاد يُلمس للجماعة اليوم أي حضور يُذكر في العراق على الرغم من أن تجربة الحكم القائمة هناك منذ ثمانية عشر عاما محسوبة بشكل أساسي على أحزاب إسلامية.
وعلى الرغم من أنّ عملية المشاركة السياسية تقوم على مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية وهو ما أتاح للحزب الإسلامي واجهة الإخوان في العراق، بادئ الأمر، المشاركة بفعالية في تأسيس النظام العراقي الجديد الناتج عن الاحتلال الأميركي للبلد ولعبِ دورٍ في قيادته، فقد ظلّ هذا الدور يتضاءل مع تقدّم الزمن حتى شارف على الاضمحلال خلال الفترة الحالية التي يُقبل فيها العراق على انتخابات برلمانية مبكّرة.

مبالغة في الانحناء

استطابة المقاعد الوثيرة
يعود التراجع في دور الإخوان في العراق لعدّة أسباب يتعلّق بعضها بسياسات الحزب الذي يمثّلهم وبسلوكيات قياداته ويتعلّق البعض الآخر بالمناخ العام السائد في البلاد.

وتبدأ الإشكالية انطلاقا من هوية الحزب ذاته الذي تتردّد قياداته وتتضارب مواقفها بين الاعتراف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين وتبعيته لتنظيمهم الدولي العابر لحدود البلدان، وبين إنكار ذلك الانتماء وتلك التبعية لأسباب تكتيكية.

ثم تتوالى الإشكالات مع سياسات قيادات الحزب الذين دأبوا منذ خروجهم إلى العمل السياسي والحزبي العلني داخل العراق سنة 2003 على إمساك العصا من وسطها ومهادنة جميع الأطراف ولو كانوا خصوما ومنافسين عملا بمبدأ التقيّة وتطبيقا لأسلوب التمكين اللذين يعتبران من صميم سياسة جماعة الإخوان وتكتيكاتها.

وقُبيل الغزو الأميركي عارض قادة الحزب الإسلامي الموجودون آنذاك خارج العراق ما كانت إدارة جورج بوش الابن تخطّط للقيام به من إسقاط لنظام حزب البعث بالقوة واحتلال العراق، لكنّهم عندما دخلوا البلاد وشاركوا في تأسيس نظام الحكم الجديد عارضوا رفع السلاح في وجه الاحتلال الأميركي ومقاومته وخالفوا بذلك ما ذهبت إليه عدّة شرائح وقوى عراقية سنيّة وشيعية ما جعل الحزب يسجل أول تراجع لشعبيته في المجتمع السنّي العراقي بعد أن كان يرفع شعار الانفراد بتمثيله في العملية السياسية.

كذلك هادن الحزب الإسلامي القوى السياسية الشيعية الكبرى وهي تتغوّل وتستولي بالتدريج على دواليب الحكم وتقضم حصة الحزب بنفسه من السلطة، حتى بلغت مرحلةَ الانقضاض على قياداته عندما اتهمّ رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يتزعم حزب الدعوة الإسلامية الشيعي سنة 2011 طارق الهاشمي الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس للجمهورية بالإرهاب ما اضطره إلى الهرب خارج العراق حيث لا يزال مقيما إلى حدّ الآن هربا من حكم غيابي عليه بالإعدام.

وبتجاوز تهم التواطؤ مع التنظيمات الإرهابية التي يوجهها خصوم الحزب الإسلامي للإخوان في العراق، فإن هؤلاء يظلون متّهمين بالفشل في ملء الفراغ فكريا وأيديولوجيا رغم تبنّيهم لطروحات إسلامية يصفونها بالمعتدلة أمام تنظيمي القاعدة وداعش وإفساح المجال لهما لاكتساح مناطق السنّة.

وفي بحث له عن الحزب الإسلامي العراقي منشور على صفحة مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، يستبعد مهنّد سلوم الباحث في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكسيتر أن يستعيد الحزب ومن ورائه جماعة الإخوان التي يمثّلها دورا مهمّا في تجربة الحكم في العراق بعد أن أثّرت الانقسامات داخل الأوساط السنية سلبا على أدائه الانتخابي وهو ما تجسّد في الانتخابات الماضية التي أجريت سنة 2018 والتي اضطر بدفع من التراجع الكبير في شعبيته إلى عدم الترشّح إليها باسمه وبقوائم تابعة له تاركا لأعضائه خيار الترشّح بصفتهم مستقلين في قوائم ائتلافات الأحزاب السياسية الأخرى وليس كأعضاء في الحزب الإسلامي العراقي. ومع ذلك فقد حصل على عدد من المقاعد أقّل مما كان قد حصل عليه في انتخابات 2005 و2010 و2014.

ويقرّ الحزب الإسلامي بتراجع شعبيته لكنّه يعتقد أن هذا لا علاقة له بأدائه وإنما يعكس اتجاها أوسع يؤثر على شعبية كل الأحزاب السياسية الرئيسية. فالجمهور العراقي محبط أيضا من حزب الدعوة الإسلامية الذي حكم البلاد مطوّلا بسبب فشله في إدارة الشأن العام وعجزه عن توفير الأمن والخدمات الأساسية وفرص العمل.

وبغض النظر عن الكيفية التي يفسر بها الحزب الإسلامي العراقي مكانته المتدنية بين أوساط السنة، يؤكّد الباحث أن الحزب عانى بالفعل من الفشل في الوفاء بالوعود لحماية المجتمع السني وتوفير الخدمات وتحسين نظام الحكم. ويلقي منتقدوه من السنة باللوم عليه لفشله في حماية المكوّن الذي يدّعي تمثيله خلال العنف الطائفي بين العامين 2006 و2009. فبعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء في بداية تلك الحقبة تمت تصفية الآلاف من السنة على أيدي ميليشيات شيعية تابعة للحكومة وتهجير عشرات الآلاف من النازحين داخليا مما أدى إلى تغييرات في التركيبة السكانية في محافظات كبرى مثل بغداد وديالى. وخلال الفترة نفسها كان أكبر مسؤول حكومي سنّي هو الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي طارق الهاشمي الذي كان يشغل منصب نائب لرئيس الجمهورية.

وفي الوقت نفسه، يضيف سلوم، تفتقر المدن ذات الأغلبية السنية إلى الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والخدمات الصحية والكهرباء. وفي حين أن معدلات البطالة مرتفعة بشكل عام في العراق فإن المدن ذات الأغلبية السنية لديها أعلى معدلات البطالة. وبالتالي فإن معارضي الحزب الإسلامي العراقي قد نجحوا في إقناع عدد متزايد من السنة بأن الحزب هو جهة غير أمينة ولا يخدم سوى مصالحه والمصالح الخاصة لقياداته. ومما يزيد الأمور سوءا أن الحزب الإسلامي العراقي فشل في التأثير بفعالية على سياسات الحكومة ما قوّض خططه في السعي لتقاسم السلطة مع الأحزاب السياسية الشيعية الرئيسة وحماية السنّة من العنف المفرط الموجه ضدهم من قبل السلطات.

حزب الدعوة السني!
الإخوان في العراق بالغوا في إمساك العصا من وسطها ومهادنة الجميع خصوما ومنافسين تطبيقا لأسلوب التقية وطمعا في التمكين

لمختلف هذه الأسباب لم يعد الحزب الإسلامي يحظى بقبول في الأوساط الشعبية والعشائرية في المحافظات السنية التي تصفه بأنه الوجه الآخر لحزب الدعوة الشيعي، وتأخذ عليه ضلوع قادته ومسؤوليه في صفقات فساد والسطو على مساعدات النازحين الذين اضطرّوا خلال فترة الحرب الدامية ضدّ تنظيم داعش إلى مغادرة ديارهم، بالإضافة إلى تعاون الحزب مع إيران وارتباطاته مع كتل وميليشيات شيعية تسيطر على  محافظات ديالى وصلاح الدين وشمال محافظة بابل، وتمنع نازحيها من العودة إلى ديارهم.

وبالنسبة إلى الغالبية العظمى من سنّة العراق، فإنّ الإخوان وحزبهم الإسلامي ليسوا سوى جزء من طبقة سياسية سنّية تميّزت بالانتهازية، بحيث انصبّ اهتمامها على تحصيل المصالح الشخصية والمنافع الذاتية، أكثر من الدفاع عن مصالح المكوّن الذي ظل في واقع الأمر متروكا لمصيره يعاني التهميش وانقطاع حركة التنمية بشكل كامل في مناطقه التي تحوّلت بفعل فقرها إلى مرتع للتشدّد الديني وحاضنة لتنظيم القاعدة ثمّ تنظيم داعش الذي جرّ الويلات على مناطق السنّة وحوّلها إلى مسرح حرب ضارية اجتذبت الميليشيات الشيعية الباحثة أصلا عن سبب وذريعة لدخول تلك المناطق والتنكيل بأهلها واستباحة ممتلكاتهم

وصولا إلى طردهم من مناطقهم وتغيير تركيبتها الديموغرافية كما هي حال منطقة جرف الصخر جنوبي العاصمة بغداد التي استولت عليها الميليشيات الشيعية بالكامل وحوّلتها إلى مستعمرة إيرانية تستخدم مركزا لتدريب الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ولتجميع وتخزين الأسلحة المهرّبة من إيران.

ولقد مثّلت السنوات الأخيرة منذ سيطرة تنظيم داعش على ما يقرب من ثلث مساحة العراق وما نتج عن ذلك من حرب ضروس دارت أعنف حلقاتها وأشدّها دموية في مناطق السنّة، بل داخل مدنهم وبين أحيائهم السكنية، وما أطلقته تلك الحرب من حركة نزوح وتشرّد طالت الملايين من السكان الذين لا يزال الكثير منهم إمّا مشرّدين خارج ديارهم وإما عادوا إلى مناطقهم وهي خرائب غير صالحة للعيش وتفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية وموارد الرزق، أبرز الشواهد على ضعف مشاركة السياسيين السنّة ومن ضمنهم القيادات المحلّية للإخوان في العملية السياسية بالعراق، بحيث فشلوا بشكل كامل في خدمة قضايا مكوّنهم وفي حمايته والدفاع عن مصالحه، خصوصا في أحلك الظروف وأصعب المراحل. وتساهم الانقسامات بين القوى والأحزاب والكتل السُنّية بشكل كبير في إضعاف قوة ونفوذ المكون السني في صراعه على السلطة والموارد مع المكون الشيعي الذي يهيمن على الجزء الأكبر منهما ويفرض سيطرته شبه المطلقة على مختلف مقدّرات الدولة.
في خدمة مشروع نقيض

أبوبكر البغدادي زعيم داعش وجد موطئ قدم لتنظيمه في مناطق سُنّة العراق على أرضية فشل الإخوان في ملء الفراغ أمامه
لا تزال الكتل السياسية السُنّية تفتقر إلى رؤية واضحة لحل الأزمات المتراكمة في المحافظات التي تمثلها تلك الكتل وهي أزمات تعيشها منذ الغزو الأميركي للعراق وتعمقت بشكل أكبر بعد الحرب على تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017.

ولا تمثّل “حروب” الإلغاء أمرا طارئا على البيت السياسي السنّي في العراق، وعلى الحزب الإسلامي ففي صيف سنة 2016 وفي أوج الحرب على تنظيم داعش وفي قمّة معاناة أبناء المناطق السنية من ويلاتها اندلع اشتباك بلا رحمة بين وزير الدفاع في حكومة حيدر العبادي خالد العبيدي ورئيس البرلمان آنذاك القيادي في الحزب الإسلامي سليم الجبوري انتهى بإزاحة العبيدي من المنصب بعد أن تواطأ ضدّه الجبوري مع قوى وأحزاب شيعية، وخلال الانتخابات التي تلت تلك الأحداث بسنتين، دفع الجبوري نفسه ثمن الصراع ضد أنباء جلدته حيث لم يستطع حتى الحفاظ على مقعده في البرلمان.

وإذ لم يستطع الإخوان في العراق ممثلين بالحزب الإسلامي الحفاظ على دور قيادي في حكم العراق طيلة الثماني عشرة سنة الماضية بسبب هيمنة الأحزاب الشيعية ذات الصلات القوية بإيران على مقاليد الدولة واحتكارها أهم منصب تنفيذي فيها وهو منصب رئيس الوزراء، فقد كان الحلّ الأسهل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مغانم السلطة هو الدخول في خدمة المشروع الإيراني الذي تعتمد طهران بالأساس على القوى الشيعية العراقية الموالية لها في تنفيذه ويقوم على توسيع النفوذ في العراق وتوطيده وصولا إلى الهيمنة على القرار العراقي السياسي والاقتصادي والأمني.

وعلى هذه الخلفية أقامت الحكومات الإيرانية علاقات واسعة مع قادة الحزب الإسلامي في العراق الذين لا تنقطع زياراتهم لطهران وأيضا لقاءاتهم بالمسؤولين الإيرانيين في بغداد، وذلك على غرار العلاقات التي تربط بين إيران ومعظم القيادات السياسية السنّية العراقية.