المحرر موضوع: البطريرك لويس روفائيل ساكو: بابل العظيمة وتسمية البطريركية  (زيارة 937 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي
بابل العظيمة وتسمية البطريركية

البطريرك لويس روفائيل ساكو

كنت قد كتبت قبل أشهر مقالا عن التسمية وكذلك شرحت التطور التاريخي للتسمية في كتابيّ خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية وسير البطاركة، لكن بقي المتعصّبون لا يقبلون ان يفهموا الحقيقة فوضعوا الكنيسة في مواجهة مع اناس لا يحترمون العلم ولا القيم والآداب العامة.

تسمية الكرسي البطريركي الكلداني ببطريركية بابل على الكلدان خاطئة ولا أساس تاريخي لها. انها مسألة علمية لا جدال عليها. فإن بابل لم يرِد ذكرها ككرسي بطريركي على مر التاريخ، فقام آباء السينودس بتصحيحها.

بابل العظيمة

لبابل القديمة قيمة حضارية فريدة: ثقافية وفلسفية وقانونية (مسلّة حمورابي) وعمرانية (الجنائن المعلقة) وعلم الفلك على تعاقب تاريخها. بابل كانت في أوج عظمتها، لذلك يستعملها الكتاب المقدس رمزاً لعظمة روما.

لا يمكن فهم نصوص الكتاب المقدس بشكل حرفي بسيط كما فعل أحدهم في عاصفة “تسمية البطريركية الكلدانية” منتقداً قرار السينودس ومستنداً على ما جاء في رسالة بطرس الاولى: “تُسَلِّمُ علَيكم جَماعَةُ المُختارينَ الَّتي في بابِل، ومَرقُسُ ابْني. لِيُسَلِّمْ بَعضُكم على بَعضٍ بِقُبلَةِ المَحبَّة” (5/ 13). كذلك  ما جاء  في سفر الرؤيا  من كلام قاسٍ وصادم عن بابل: “وكانَتِ المَرأَةُ لابِسَةً أُرجُواناً وقِرمِزاً، مُتَحَلِّيَةً بِالذَّهَبِ والحَجَرِ الكَريمِ واللُّؤُلؤ، بِيَدِها كَأسٌ مِن ذَهَبٍ مُمتَلِئَةٌ بِالقَبائِحِ ونَجاساتِ بِغائِها، وعلى جَبينِها اسمٌ مَكْتوبٌ فيه سِرّ: والاِسمُ بابِلُ العَظيمة، أُمُّ بَغايا الأَرضِ وقَبائِحِها” (17/5-6). هذا الكلام القاسي ليس لبابلنا في العراق وانما ترمز الى روما التي اضطهدت المسيحيين وقتلت الرسولين بطرس وبولس. وهكذا زيارة المجوس (متى 2/ 1-12)

هذه نصوص مقدسة ينبغي ان تُفسَّر بشكل معمَّق، ضمن السياق الكتابي العلمي واللاهوتي والرمزي الخاص بها، وفهم العلاقة مع النصوص التي قبلها وبعدها، وما الرسالة المقصودة التي يريد الكاتب الملهم إيصالها الى معاصريه في ظروفهم المعينة.

لا يجوز اخراج النصوص من سياقها بهدف اعطائها معنى لم تقصده. بل ينبغي التمييز بين الحرف والروح. غالباً ما يَستعمل الكتاب المقدس مصطلحات ذات معانٍ مختلفة بدلالات خاصة تختلف عما يقرأه الانسان العادي الجاهل بعلوم الكتاب المقدس.

 سقطت المملكة الكلدانية وقبلها المملكة الاشورية ودُمِّرتا، وظلت عظمتهما وحضارتهما باقية في الوقائع التاريخية وبعض المعالم الاثرية، وفي الذاكرة كرمز للعقل والحكمة والقوة. وهذا  أمر جميل.

الكلدان كشعب موجود قبل الاديان وقبل المسيحية. يرتبطون أيضا باور ارض ابراهيم الخليل، لذا يتعين على مثقفيهم واتحاد كتّابهم التباحث بين القديم والجديد في الحضارة الكلدانية على تعاقب تاريخها اللامع ويتابعوا شأنهم القومي، وترك الكنيسة تقوم برسالتها الجامعة وعملها اللاهوتي والروحي والطقسي والانساني.

المُعضِلة الاساسية عند الكلدان هي الاتكال على الكنيسة في كل شؤونهم، ويريدونها على مقاسهم، ولا يفهمون ان الكنيسة مؤسسة لها رسالتها ونظمها وقوانينها ورؤساءها وادارتها.

 أحد هولاء الفقهاء الكلدان في فانكوفر ذهب الى الأبعد في مطالبه، اذ طالب السينودس بان يُخضع اختيار الاساقفة لاستفتاء بين علمانيي الأبرشية! وقاضي القضاة الكلداني القابع في استراليا حكم على الرابطة الكلدانية والحزب الديمقراطي باللاكلداني وهو نفسه في وقت ما “توسَّل” ترشيحه لمجلس النواب وتزكيته من قبل الكنيسة والاحزاب العراقية. وآخرون لا اُريد ذكرهم.  من المحزن جداً ألا يرى هؤلاء كل ما تفعله البطريركية من أجل الكلدان فراحوا يتسابقون في انتقاد كل ما تفعله.

هذه العقلية تحمل تعارض صارخ مع الحقيقة واللياقة الادبية. ماذا يريدون؟

كما قلت في مقال سابق عن الوحدة الكنسية: “لتكن بابل عمقاً تاريخياً يجمع الكلدان، مع الأخذ بنظر الاعتبار حضارات أخرى متتالية: مرت بها المنطقة”. فالكرة في ملعب الحراك القومي الكلداني العلماني المستقل وتبقى الكنيسة أيضاً مستقلة ورفعة رأسهم!