دعوة للكلدان لمواجهة السفسطة بالبنيان
بقلم الأب ريبوار عوديش باسه
كثر الحديث في هذه الأيام عن الكلدان. فمن الأشوريين من يقول بأن قوميتهم أشورية، ومن السريان من يقول بأن لغتهم سريانية، ومن العرب من يدّعي بأن هويتهم عربية، ومن الأكراد من يصّر بأن أرضهم كردستانية.
من الطبيعي إن تستمر الأطراف المتعودة على انتهاز الفرص القتال بشراسة لأخذ الحصة الأكبر من الكعكعة المتمثلة بالشعب الكلداني العريق والطيب والمنفتح، والذي من مبادئه وضع المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة.
لكن أمام هذه الحالة التي تشكل خطراً جسيماً على وجود الكلدان من كل النواحي بما فيها القومية والدينية والعقائدية والثقافية والجغرافية والتاريخية ينبغي على الكلدان الاستمرار بنهجهم المنفتح على الأخر من جهة، والعمل بالوقت نفسه على تعزيز هويتهم. نعم، ليس للكلدان سوى خيار واحد إلا وهو الرد على من يراهن على الجدال العقيم، والسفسطة الهادفة لتضليل الحقيقة، والمغالطة التي تلعب على الكلمات في سبيل النيل من الكلدان أو على الأقل استغلالهم لمصلحته الخاصة، بأن يتشجعوا ويلتزموا بشكل أشد بعقيدتهم وكنيستهم، وهويتهم وقوميتهم، ولغتهم وحضارتهم، وأرضهم وثقافتهم، وتاريخهم العريق.
الالتزام بالهوية ـ قومية كانت أم دينية ـ يتجسد بالفعل أكثر مما يتجسد بالقول. فمن ينتمي بكل كيانه لقومية ما، يعيشها في كل تفاصيل حياته، ويؤمن بها من كل قلبه. وعليه، تقع على عاتقنا نحن كلدان اليوم مسؤولية كبيرة للحفاظ على أرثنا الحضاري والقومي، والديني والثقافية، وخاصة في عالمٍ حوّله التطور السريع إلى قرية صغيرة. كل كلداني من موقعه ومن وظيفته أو حقل عمله، وفي بيته وبيئته، عليه العمل على تعزيز هويته الكلدانية، والحرص عليها، والتعمق بمعرفتها، والحفاظ على لغتها وتعلمها قراءة وكتابة وتعليمها على الأقل لأفراد عائلته أينما كان. فلغتنا الكلدانية هي أحد الروابط الأساسية التي تجعلنا ككلدان متحدين ومتحاورين مع بعضنا رغم انتشارنا في كل بقاع العالم. فالكلداني الذي ولد بأمريكا وتعلم لغة الأم، بفضلها يمكنه الحديث والتواصل مع ابن عمه الذي ولد في العراق وتعلم لغة الأم، وهكذا مع ابن خاله الذي ولد في السويد، وبنت عمته التي ولدت في سويسرا، وبنت خالته التي ولدت في تركيا.
بصراحة استخدام لغتنا الأم في طقوسنا مهم وجميل، لكن لا يكفي للمؤمن المشارك كي يتعلم اللغة بشكل جيد قراءة وكتابة. لا بل ممارسة الطقوس ليست بطبيعة الحال دورات لتعلم اللغات! من جهة أخرى، لو علمنا كلنا أولادنا لغتنا الأم في بيوتنا، فلا خوف من اندثارها حتى لو لم تستخدم هذه اللغة في الميادين الأخرى. لكن هنالك فرق بين الحفاظ على اللغة من الاندثار، وبين تطويرها وجعلها حاضرة وبقوة في كل تفاصيل الحياة. وهنا يأتي دورنا بفتح دورات لتعليم اللغة الكلدانية، ونشر كتب مبسطة وعملية واختراع برامج كومبيوترية لتعلمها، وفتح معاهد مختصة مثلما يعمل الأخرون.
باختصار شديد علينا ألا ننسى بأن لغتنا الكلدانية كغيرها من اللغات ليست عاجزة، ولا نسمح لأنفسنا بأن نكون عاجزين على تعلمها وتعليمها وتطويرها.
أما بخصوص قوميتنا الكلدانية، فنحن نفتخر بها، ونؤمن بانتمائنا لها، ونعتبرها حقنا الشرعي، والحق يؤخذ ولا يعطى. وبالتالي، لا ننتظر من غيرنا بأن يقدم لنا هويتنا هدية مجانية، بل نحن نقدمها للعالم باسره بأجمل وأبهى صورها!
وشلاما دمريا هاوي منوخنّ.