تأسيس البرلمان الآشوري في المنفى ... حقيقة أم حلم وردي؟؟
===================================================
أبرم شبيرا
توطئة: ----
أود أن أشير بأن مثل هذه المواضيع تثير اهتماماتي، لذلك منذ بزوغ هذه الفكرة وأنا أتابع منشورات ونشاطات اللجنة المعنية بالدعوة لتأسيس هذا البرلمان، ولكن للحق أقول رغم اهتمامي الكبير بمثل هذه المسائل خاصة هذا الموضوع. إلا إنني ترددت في التعليق عليه أو بيان بعض الملاحظات وضمن خلفيتي في هذا المجال خشية من سوء ضن البعض بأنني ضد الفكرة أو هو انتقاد غير موضوعي أو هو إحباط لأصحاب الفكرة وهي في بدايتها، خاصة البعض منهم أصدقاء أعزاء لي حق المعرفة بنواياهم الحسنة تجاه المسائل القومية. ولكن أسفي وحسرتي ستكون عندما يستهلكون قوتهم وجهدهم ولا يصلون إلى مبتغاهم بسبب عدم إدراكهم لحيثيات ومتطلبات تأسيس مثل هذا البرلمان في المنفى الذي يتطلبه الكثير من المعرفة السياسية والقانونية والمالية، ولكن الشحة بهذه المعرفة اكتست باندفاعهم وحماسهم القومي ضمن إطار الفكر القومي الرومانسي البعيد عن الواقعية. من هذا المنطلق وإكراماً لمثالية الفكرة واحتراما لأصحابها أطرح بعض المقترحات والتوضيحات والانتقادات الموضوعية بخصوص هذا الموضوع لعل قد تفيد في تصحيح أو تقويم بعض الأخطاء أو وضعها في مسارها الصحيح كما أراه شخصياً وموضوعياً. حيث سأتناول الموضوع من الجوانب التالية:
أولا: البرلمان من حيث الشكل:------------------
البرلمان أصل الكلمة من (Parlement) الفرنسية وتعني النقاش والحوار، وكانت بريطانيا أول من استخدمت مصطلح البرلمان في عام 1236. أما في اللغة العربية، فلا توجد كلمة واحدة للبرلمان أو لمعناه، بل دائما يأتي بكلمتين مثل الجمعية الوطنية أو مجلس النواب أو مجلس ممثلي الشعب. فالبرلمان من حيث الشكل، أو في بعض الأحيان يعرف بالجمعية الوطنية، أو مجلس النواب أو نواب الشعب أو مجلس الأمة، هو هيئة تشريعية من المفترض أن تكون منتخبة من قبل الشعب ويأتي، أي البرلمان، ضمن سياق المفهوم الديموقراطي الحقيقي في الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (مجلس وزراء) والقضائية (وزارة العدل أو المحكمة العليا). ومهمة البرلمان معروفة وواضحة تنحصر في مجالين، الأول: تشريع القوانين والمسائل المتعلقة بالدستور. والثاني: مراقبة أداء الهيئة التنفيذية (مجلس الوزراء) ومن دون التدخل في شؤونها حسب مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث.
طبقاً لهذا المفهوم في البرلمان، نرى بأن البرلمان الآشوري المزمع تأسيسه في المنفى بعيد كل البعد عن المعنى الدارج للبرلمان وأبعد أكثر عن الواجبات والمهمات التشريعية والرقابية التي يقوم بها البرلمان، لأنه من المؤكد سوف لا تكون هذه المهمات ضمن أجندته أو نظامه الداخلي طالما ليس هناك هيئة تنفيذية، أي مجلس الوزراء، ولا مؤسسات حتى يراقبها أو هناك دستور يتطلب تعديله، فكان من الأجدر على أصحاب هذه الفكرة أن يسمى تنظيمهم بالاتحاد الآشوري في المنفى أو جبهة آشورية أو غير ذلك، ولكن وجدوا بأن مثل هذه التسميات موجودة أو كانت موجودة سابقاً في الساحة السياسية الآشورية وفلشت، لذا وجدوا في البرلمان نغمة جديدة وطنانة وقد تكون أكثر قبولا لدى الآشوريين والانجذاب نحوه. ومن جهة ثانية فمن المعروف بأن أعضاء البرلمان يكونون منتخبين من قبل الشعب، بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي بعض الأنظمة، خاصة في بلدان العالم الثالث، لرئيس الدولة، سواء أكان ملك أو رئيس جمهورية، الحق في اختبار عدد معين من أعضاء البرلمان فكيف سيتم انتخاب البرلمان الآشوري في المنفى من قبل شعبنا الآشوري وهو مشتت في ارجاء المعمورة.
ثانيا: البرلمان الآشوري بين المنفى والمهجر:-------------------------
هناك نقطة مهمة من المؤكد لم يدركها أصحاب فكرة تأسيس البرلمان الآشوري، وهي معنى المنفى أو مضمونه الذي يختلف عن المهجر. فالمنفى هو مكان إقامة المطرود من بلده، بسبب قوة طاردة صادرة من سلطة حكومية ضد شخص أو أشخاص قاموا بنشاط سياسي مناهض لسياسة رجال الحكم والسلطة السياسية، طبعاً المقصود هو بلدان العالم الثالث خاصة الاستبدادية منها. وهناك في بلد المنفى يبدأ التحرك السياسي للمنفيين سواء بتأسيس أحزاب أو حركات مناهضة لنظام الحكم في بلدانهم أو مواصلة الاتصال بأحزابهم في الوطن واستمرار العمل السياسي من خلال دعم رفاقهم في الوطن أو ممارسة الضغط على السلطات المعنية في المنفى ساعين إلى اليوم الذي يسقط النظام أو يترنح ليعودوا إلى وطنهم لاستلام مقاليد الحكم أو المشاركة فيه. وقد تكون المعارضة العراقية في المنفى أثناء فترة حكم نظام البعث في العراق نموذجاً في هذا السياق. وفي تاريخنا القومي المعاصر يعتبر نفي البطريرك الأسبق مار شمعون إيشاي وعائلته وغيره من الموالين له إلى الخارج عشية مذابح سميل عام 1933 نموذج في هذا السياق، ومن هناك في البلد الذي أستقر فيه، أي الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ نشاطه السياسي في المطالبة بالحقوق القومية للآشوريين إلا أن جميع محاولاته ذهبت أدراج الرياح ولم يوفق في مسعاه. وقد يكون سبب ذلك، أما غياب التأييد الدولي والإقليمي لمطالبه، خاصة من الدول الكبرى ودول الجوار للعراق، أو افتقاره إلى التواصل مع أي حركة قومية آشورية في العراق والتي توارت بعد مذبحة سميل لأكثر من عقدين من الزمن وكذلك ظهور مجموعات آشورية مناهضة له بعد أن أرتمت في أحضان السلطة السياسية. فكان آخر نشاط قام به البطريرك مار شمعون إيشاي هو تقديم شكوى، أو التماسPetition) ( إلى المؤتمر التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة عام 1945 بخصوص المطالب القومية الآشورية إلا أنها لم تقع إلا على آذان صماء. ومنذ تلك الفترة ترك العمل القومي السياسي فأرتكن إلى الهدوء والسكنية وأقتصر نشاطه على المسائل الكنسية وأستقر بشكل نهائي في الولايات المتحد الأمريكية كبلد المهجر وليس كمنفى وأصبح من مواطني هذه الدولة.
أما مفهوم المهجر، فهو المكان الذي يستقر ويعيش فيه الشخص بعد أن هجر موطنه، وليس، على الأغلب، بسبب قرار من السلطة السياسية المؤدي إلى هجرته للوطن، ولا بسبب نشاطه السياسي، بل بسبب غير مباشر ناجم من الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الشخصية لتدخل كطرف في المعادلة كعوامل طرد مع عوامل الجذب المنبعثة من بلدان المهجر، فيترك وطنه بمحض إرادته القائمة على هذه المعادلة طرد/جذب، فيصبح المهجر وطناً له فيتحول وطنه الأصلي عنده من واقع موضوعي إلى عامل معنوي فكري وعاطفي ليكون على الأغلب بعيدا عن العالم السياسي القومي وعلى الأغلب غير مرتبط أو متواصل مع أي حزب أو حركة سياسية في وطنه الأصلي، ولا في نيته العودة يوما ما إليه خاصة بعد أن يستقر في المهجر بشكل دائم ويبدأ حياة جديدة قائمة على العوامل التي جذبته إليها.
أسردت هذه المقارنة بين المنفى والمهجر ليكون معياراً لمعرفة فيما إذا كان البرلمان الآشوري فعلا في المنفى، كما أطلق على نفسه هذه الصفة أم هو في المهجر؟ فالمعروف عن أصحاب الفكرة، بأن معظمهم أن لم يكن جميعهم، هاجروا وطنهم ليس بسبب قرار سياسي مباشر من السلطة ضدهم بسبب نشاطهم السياسي، بل بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية وبمحض إرادتهم. كما أنهم استقروا في المهجر وأسسوا حياتهم مع عائلاتهم ضمن ظروف جديد مختلفة كلياً عن ظروف وطنهم الأم بحيث يصبح أمر عودتهم أو حتى التفكير به مستحيلا فينتقل "آشور" من وطن واقعي إلى فكر يسبح في عالم الرومانسية السياسية غير قادر على النزول من هذا العالم إلى أرض الواقع في آشور. لهذا يمكن التأكيد بأن أصحاب فكرة البرلمان الآشوري هم في المهجر وليسوا في المنفى وبالتالي ليس من المنطق والواقع أن يكن هناك برلمان آشوري في المنفى فلربما كان من الأجدر أن يكون البرلمان الآشوري في المهجر.
ثالثا: البرلمان من حيث المضمون:-------------------
المقصود بمضمون البرلمان هو البرلمان الآشوري في المنفى المزمع تأسيسه، ويمكن البحث في هذا المضمون من النواحي التالية:
1- معظم أصحاب الفكرة، على الأقل المعروفين لي، هم أصحاب خبر سابقة في المجال السياسي القومي الآشوري، فإما كانوا أعضاء، ربما كوادر متقدمة في أحزاب آشورية معروفة أو كانوا من المقربين لهم أو المهتمين بالشؤون السياسية الآشورية والوطنية، تركوا أحزابهم السياسية وتركوا العراق نحو بلدان المهجر، أي بهذا المعنى كان يجب عليهم أن يكون لهم خبرة وخلفية سياسية فكرية في تأسيس مثل هذه التنظيمات الآشورية العالمية قبل أن يخطوا الخطوة الأولى في مجال الدعوة لتأسيس البرلمان الآشوري في المنفى.
2- هناك أكثر من تنظيم آشوري عالمي في المنفى أو في المهجر بعضها فشلت واختفت والبعض الآخر لايزال قائماً منذ أكثر من نصف قرن، مثل الإتحاد الآشوري العالمي (خويادا) الذي لا نشاط له يذكر على المستوى الدولي غير فرع أستراليا والذي يظهر بأنه شيئاً فشيئاً تحول أو يتحول إلى حزب سياسي حاله كحال بقية الأحزاب الآشورية، او إلى جماعة ضغط. فكان من الأجدر على أصحاب فكرة تأسيس البرلمان الآشوري في المنفى أن يتعظوا من أسباب فشل هذه التنظيمات التي باعتقادنا بأن هذه الأسباب سوف تلاحق تأسيس هذا البرلمان ومصيره لا يكون أحسن من مصير التنظيمات الآشورية العالمية التي سبقته.
3- التمويل هو عصب حياة كل تنظيم سياسي، فبدونه لا يمكن له الاستمرار أو قيام بنشاط جماهيري يذكر. فمن البداية يظهر بأنه يصعب جداً على أصحاب فكرة تأسيس البرلمان تأمين التمويل اللازم لحضور المندوبين لمؤتمر التأسيس أو للاجتماعات البرلمانية القادمة، وهذا ما أكده القائمون على تأسيس البرلمان عندما ذكروا للذين يرغبون حضور مؤتمر يريفان في أرمينيا للفترة من 12 – 13 أيلول 2019 ضرورة تحمل مصاريف السفر من قبلهم لأن اللجنة التحضيرية للمؤتمر ليس لها إمكانيات تمويل سفرهم. ولو حاولنا ألقاء نظرة سريعة على الأحزاب والتنظيمات الآشورية التي أخفقت في الاستمرار بنشاطها نرى بأن التمويل، خاصة من مصدر ثابت ودائم، كان من الأسباب الرئيسية في فشلها أو ترنحها أو جمودها على الورق، إي بقائها أسم بلا جسم. فكان على أصحاب فكرة تأسيس البرلمان الآشوري إدراك وفهم هذه الحقيقية قبل إشهار الفكرة والدعوة لعقد مؤتمر التأسيس.
4- العامل الجغرافي، عامل موضوعي وأساسي ومهم في نجاح أي تنظيم، والحال ينطبق بكل حذافيره على فكرة تأسيس برلمان آشوري في المنفى. فتشتت أبناء شعبنا من أستراليا شرقاً مروراً بوطن الأم ثم أوروبا حتى ولايات المتحدة الأمريكية غرباً عامل جغرافي لا يساعد إطلاقاً على إقامة تنظيم آشوري عالمي، وأن تأسس مثل هذا التنظيم فأنه سيكون ضعيفاً ويتركز نشاطه في دولة من دول الشتات. فمن المؤكد بأن هذا العامل واضح على البرلمان الآشوري في صعوبة حضور مندبين مطلوبين لتأسيس البرلمان سواء لمؤتمر يريفان او لمؤتمر فيزبدان في ألمانيا في شهر شباط عام 2020. وبالتالي سينحصر نشاط هذا البرلمان وقادته الفعلية في ألمانيا وبأقصى حد أيضا في بعض دول الجوار لألمانيا، وحتى بين هؤلاء بدأت الخلافات تنخر بالفكرة ولربما ستقضي عليها قبل أن يرى البرلمان الآشوري نورا.
5- العامل الديموغرافي، في نداء نشرته اللجنة الموحدة لتأسيس البرلمان الآشوري (UCAP – يوكاب) في المنفى جاء فيه دعوة موجهة إلى جميع "أبناء شعبنا" من "آثوريين، كلدان، سريان، آراميين، مارونيين، أيزيديين وغيرهم" لتسجيل التأييد لمشروع البرلمان الآشوري في المنفى، لتمهيد الطريق لإنشاء برلمان آشوري لذا نسترعي انتباه شعبنا الآشوري (بكل مكوناته وتسمياته من آثوريين، كلدان، سريان آراميين، مارونيين، أيزيديين) وغيرهم إلى هذا المشرع القومي الكبير على أمل دعم هذه الفكرة.... يظهر بأن أعضاء يوكاب غائبين كل الغيب عن صراع التسميات في أرض الوطن فأضافوا مزيداً من الحطب على النار ليزيد سعيره بإضافة تسميات أخرى. والأنكى من هذا يظهر من دعوتها بأنها تفرق بين التسميتين الآشوريون والأثوريون ويجعل من الأثوريين مكون من مكونات شعبنا الآشوري، إلا يعرف أعضاء اللجنة بأن الفرق بين التسميتين هو في اللفظ فقط وكلاهما لشعب واحد؟ هناك حقيقة واقعية تؤكد بأن أي حزب أو حركة قومية لا يمكن ان يكتب لها النجاح ما لم يؤيدها غالبية أبناء هذه القومية. فكيف نتصور من الكلدان والسريان والأراميين والمارونيين والأزيديين أن يؤيدوا فكرة تأسيس برلمان آشوري؟ فالواقع الحالي واضح كل الوضوح عن مواقف غالبية أبناء هذه التسميات التي كانت بعضها حجر عثرة في طريق كل حزب أو حركة حاول كبس أبناء هذه التسميات في تسمية واحدة آشورية. فهذا الفكر القومي الكلاسيكي ليس إلا حلم وردي لا يمكن تحقيقه على الواقع لأنه يبقى حلم يحلم به السابحون في فنجان قهوة. ولكن مع كل هذا فاعتزازنا بكل هذه التسميات صميمي لا يؤثر إطلاقا على صميم انتمائنا الآشوري.
6- التواصل مع الحركة القومية في أرض الوطن عامل مهم جدا في نجاح أي تنظيم دولي كالبرلمان الآشوري في المنفى الذي يطالب بالحقوق القومية للآشوريين في أرض آشور، لأن مثل هذه المطالبة يجب أن يكون لها خطاب قومي واضح نابع من أرض آشور عبر الأحزاب والتنظيمات الآشورية الناشطة على أرض آشور، أي يجب أن يكون الخطاب القومي للبرلمان الآشوري امتدادا وانعكاسا للخطاب القومي الآشوري في أرض الوطن. فطالما أحزاب شعبنا القومية في أرض الوطن تفتقر إلى خطاب سياسي موحد وواضح فهكذا سيكون حال البرلمان الآشوري في المنفى مفتقراً إلى خطاب سياسي قومي واضح وقابل للتطبيق. هذا الأمر في افتقار الترابط العضوي بين الوطن والمهجر هو السبب الذي جعل من التنظيمات القومية الآشورية في المهجر أن تتلاشي أو تبقى متجردة من الخطاب القومي السياسي الواضح لأن أحزابنا في أرض الوطن تفتقر إلى خطاب سياسي قومي واضح وموحد.
وأخير أوكد خشيتي من عدم وصول القائمين على تأسيس البرلمان الآشوري في المنفى إلى مبتغاهم لأن مثل هذا الإخفاق سيزيد من إحباط أبناء شعبنا ويتعاظم فقدان مصداقيتهم تجاه التنظيمات القومية لشعبنا الذي ليس بحاجة إلى مزيداً من هذه التنظيمات، فما هو موجود على أرض الواقع قد يكفي في الوقت الراهن إن لم نقل بأنها تنظيمات كثيرة في مقارنة مع حجم وإمكانيات شعبنا في الوطن. كما خشيتي أيضا هو ضياع جهود وإمكانيات القائمين على مشروع تأسيس برلمان آشوري في المنفى في الركض وراء غير الممكن تاركين الممكن الذي قد يتمثل في التخلي عن فكرة تأسيس برلمان آشوري في المنفى والانضمام إلى الإتحاد الآشوري العالمي (خويادا) الذي يحمل نفس الفكرة والأسلوب ولربما يكونون عوناً وسندا لخويادا ليبدأ بالتحرك أكثر فأكثر.