المحرر موضوع: البطريرك مار ساكو: الكنيسة الكلدانية والعمل القومي الكلداني  (زيارة 873 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي


تعليم البطريرك 2
الكنيسة الكلدانية والعمل القومي الكلداني

 

 

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

الكنيسة الكلدانية، كنيسة كاثوليكية، أي كنيسة جامعة منفتحة على الكل وتخدم الكل على قدر امكانياتها البشرية والمالية. الكنيسة مؤسسة الهية وبشرية، تحمل رسالة المسيح الى الناس، وتبشر به، وتنشيء المؤمنين” كأم ومعلمة” تنشئة ايمانية وروحية من خلال تعليمها واخلاقيتها، وليتورجيتها (طقوسها). وكانت الكنيسة الكلدانية رائدة في تأوينها، وتجديدها لتلائم حياة الناس وثقافتهم وظروفهم وتواجدهم الجغرافي…

الكنيسة تخدم الناس من خلال اعمال المحبة، كالمساعدات المالية والمعنوية. وقفت الكنيسة ولا تزال تقف مع المحتاجين والمظلومين. وامام تفاقم الخطر على المسيحيين في العراق، وظفت بحكمة علاقاتها الطيبة، مع الحكومة والمرجعيات الدينية في المركز وإقليم كردستان  لحمايتهم، والحفاظ على حقوقهم. فتعاملت باتزان مع الواقع،  لكنها بقيت تطالب ببناء دولة مدنية تقوم على المواطنة والقانون، وفصل الدين عن الدولة، والعمل على استتباب السلام والاستقرار وتوفير الخدمات التي تليق بالكرامة الإنسانية. لقد حاولتُ منذ تسلّمي المسؤولية ان تكون الكنيسة حاضرة في حياة المجتمع العراقي وفي المحافل الدولية والكنسية.

 

 

 

الكنيسة في زمن الأزمات

 ايام تهجير داعش للموصل وبلدات سهل نينوى العام 2014 قامت الكنيسة بعمل اشبه بالمعجزة لمساعدة النازحين، واسكانهم واطعامهم و ضمان مواصلة أولادهم دراستهم في المدارس. وحملت مأساتهم الى المحافل الدولية كمجلس الامن، ومفوضية حقوق الانسان، وبرلمان الاتحاد الأوروبي، وروساء الدول. ولعل هناك من يذكر أن رؤساء ابرشيات أسهموا بأيديهم في تأهيل الكنائس وقاعاتها للاستقبال، وتحركوا لدعم الطلبة والطالبات ونجدتهم. وعندما حررت بلداتهم قامت الكنيسة بعملية اعمار بيوتهم ومدارسهم قبل مبانيها الكنسية، لكن من المحزن تبقى عقلية الناس تسيطر عليها حالة عدم الرضى والتذمر. اذكر حادثة على سبيل المثال صدمتني. سال احد مراسلي التلفزيون احد المهجرين من بلدات سهل نينوى: هل الكنيسة تساعدكم. اجاب لا؟

الكنيسة والعمل السياسي والحزبي

الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لا يمكنها الانخراط في العمل السياسي والحزبي لانه يخالف تعليمها، ولا تقبل ان تستغل لنشاطات حزبية او سياسات معينة، ولهذا فهي تبقى حرة ومستقلة في موقفها وقرارها وخطابها في الشأن العام. باب الكنيسة مفتوح للكل من دون تبني اراءهم. ومثلما لا تتدخل الكنيسة في النشاطات القومية والسياسية، فانها ترفض أي تدخل لهولاء في شأنها الكنسي.

 

القومية والنشاط القومي

 هناك تعاريف مختلفة للقوميّة nationalism . القومية شعورٌ بالتعبير عن الانتماء الى جماعة بشرية معينة، لها خصائص مشتركة كالارض، واللغة ،والثقافة، والتاريخ، والتراث، والفولوكلور، والدين والمذهب. والقومية تصبح نظاماً ثقافياً واجتماعياً وسياسياَ واقتصادياً يهدف إلى ممارسة مسؤولية الحفاظ على الهوية القومية،  وواجب تعميق الوعي بها والمطالبة بالحقوق عبر نشاطات مدروسة وتطويرهما.

 

الوعي القومي عند الكلدان

الوعي القومي عند الكلدان مستجد ويحتاج الى المزيد من المراس والقوة.  ويعود ذلك الى عدة أسباب: منها العقلية الاتكالية، والانتماء القروي: القوشي، تلكيفي، زاخولي… وكان الولاء قبل عقود قليلة يقتصر على الكنيسة والوطن. وتفرغ الكلدان للدراسة في الجامعات وفي النشاط التجاري.

ولغياب العمل الحزبي والقومي القوي عند الكلدان، انخرط العديد منهم في أحزاب ومنظمات غير كلدانية: شيوعية، كردية  واشورية. ليس ثمة من يؤثر على حرية اختياراتهم الايديولودية السياسية، لكن المتناقض أنه كان لهم تداخل مع الكنيسة ونهجها الروحي والثقافية والراعوية،  أقل ما يقال فيها، انها بعيدة عن الانتماء كأبناء وبنات الكنيسة.

الكلدان بحاجة إلى الاضطلاع بالمسؤولية بشكل مطرّد والمواجهة العلمية المتوازنة بقوة الفكر، بعيداً عن الاتكالية ورمي المسؤولية على الكنيسة، أو أي جهة أخرى، فالكنيسة ليست بموقع أن تحل مشاكلهم الصغيرة والكبيرة. وعليه، ينبغي أن يعدّ القوميون هذا الحال كمشكلة حقيقة تنظيمية مع أنفسهم وسلوكهم.

تصوروا ان احد هولاء اتصل بي طالبا ان اعلن ان مردوخ هو اله الكلدان، اسوة باشور الذي يعده بعض المتطرفين الاشوريين الههم؟ و اخرون يطالبون بدعم مادي ( حوافز اقتصادية)، وكأن الكنيسة دولة لها واردات هائلة! واخرون يريدون ان تسهل البطريركية تسفيرهم الى حيث يريدون وتقديم مساعدات مادية لهم في بلدان الانتظار، واخرون يناشدونها لترشيحهم في مجلس النواب أو من اجل إيجاد وظيفة خاصة تدر عليهم بالمال. وعندما لا تتمكن البطريركية من القيام بذلك، يصبون عليها نار غضبهم.

هولاء القوميون هم أول من انتقد تشكيل “الرابطة الكلدانية”، قبل ان ينتقدها غيرهم.. لا افهم لماذا هذه المواقف الرافضة امام وجود الرابطة السريانية والارمنية والمارونية؟ مع اني شرحت أسباب تاسيسها كمنظمة ثقافية واجتماعية لتكون جامعة للبيت الكلداني في العالم، من دون ان نتدخل في شؤونها وعملها ولا في المقالات والبيانات التي تصدرها. البطريرك ليس بحاجة إلى من يدافع عنه. أعماله ومواقفه هي تحكي.

 

الدعوة الى الوحدة

بقدر ما تتمسك الكنيسة بطبيعة عملها الراعوي والكنسي المستقل عن التحرك القومي، بقدر ذلك تفرح بازدهار الحس الوطني وتحركه، لدى مؤمنيها. ولهذا فإن البطريرك في تعليمه من هذا المنبر، ومنسجما مع وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني، يدعو الكلدان الى الوحدة والتضامن وابعاد المصالح الذاتية والتفرغ لخدمة الامة الكلدانية بوضع خارطة طريق لعملهم و خطوات عملية ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية لنشاطهم حتى يلمس الكلدان حضورهم ونفوذهم… لا يكفي  التغنى بامجاد ابائكم ، بل عليكم ان تبنوا امجادا للأجيال القادمة بالتواصل مع تراثكم العظيم.

الفرقة والانتقادات غير المسؤولة خسارة للكلدان، ينبغي ان يدركوا ذلك و يتفقوا بينهم وينظموا صفوفهم ونشاطهم، ويتركوا الكنيسة تقوم برسالتها السامية وخدمتها الإنسانية والوطنية.  هولاء  المنتقدون سيبقون أولادنا، لكن عليهم العودة الى ضميرهم وتقوية حضور كنيستهم الكلدانية في العراق والعالم، بتجديد الفكر والروحية والانفتاح.