المحرر موضوع: الفنانة فاطمة موتيح مع إحدى لوحاتها... رؤية نقدية للاستاذة ليلى الدردوري.  (زيارة 521 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فهد عنتر الدوخي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 750
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 

(الفنانة فاطمة موتيح مع إحدى لوحاتها).

تنبع قيمة الفنانة (فاطمة موتيح) ضمن الحركة التشكيلية المحلية والوطنية والعربية من كونها رائدة اتجاه تشكيلي متفرد بصمته بنوع من الإضافة النوعية والفرادة والتميز ، بل وفي كونها رسامة توقع تجربتها داخل حركة ازدحمت بالمعطيات الأصيلة وتفاصيل الحياة، وفي إطار ذلك ترسو الفنانة بين الزجل وفصاحة القصيد ولغة موليير ، وترفع مرساتها لعنصر التشكيل باللون، هو مؤشر دال يشي بأن هذه الفنانة العصامية  ابتدأت رحلتها مع الفن عن وعي بطبيعة عملها عبر رؤية تشكيلية ترتكز على جوهر فطري و آخر ثقافي إبداعي، ينهض على فكرة التعبير القائم على ( حوارية الفن للفن ) حيث تناغم اللون والكلمة في ملتقى أصالة الموروث والتاريخي النابع من الإرتباط الدائم بأصول الأرض التي تنتمي إليها.                                                                             

وفي ذلك تنجح في رسم المنقوش في ذاكرة المكان من دون إنتماء إلى مدرسة معينة سوى مدرسة الحياة المغربية بأعرافها، وعالم الأرض الدوكالية حيث انتعاش جماليات ألوان،

 

وعطر الطبيعة الساحر، من هنا تغوص تجربتها في الفن التشكيلي بانفتاح على مجمل مدارس الفن الأصيل لكن بتجربة رهانها تحويل الواقعي إلى متخيل، عبر الصورة المتبوعة توا بالزجل كفن لغوي في قران شعوري رفيع لا فصال فيه بين المنطوق/ والمنظور، بين اللون/ والكلمة، فتجربة الزجل فن منبثق من اللوحة، وتحريك لها عبر عنصر السرد الإيقاعي، كمكون قد يتعلق بأحداث واقعية ذات بعد جماعي تارة، أو ذات بعد  بيوغرافي يحمل الفنانة إلى زمن الطفولة الجميل الذي ملاها بالتوجس و البراءة وغمرها بالترقب في محاجر الفن ، بدءا من اكتشافها جماليات البادية وعذرية الطبيعة ، وصمت الرمل و عبير الربوة ومفازة الصحراء، وجزر البحر و مده ، هناك تنهال عليها أنوار الإلهام  عبر حلم هو اشد الأحلام وقعا في الفن، وعبر أحداث الحياة، ومن هنا  أخلصت لهذا الحلم ولتخلص له أسعفتها الريشة/ واللغة الشعرية المسحورة بالألوان هدفا في تحقيقه بأمانة داخلية تعكس المدار الذي يطوق عالم البسطاء، والذي أعدت له العدة لرسمهم كأبطال في الطبيعة، وفي الحياة بكل محبة، وانشداد وتوهج ذاتي، وانبهار الرغبة ، وشوقها إلى مشاركتهم التعبير لكن بالرسم . وهي الشاعرة والرسامة المرهفة الصاغية إلى دواخل فلاحي وبشر البادية نساءا وشيوخا وأطفالا، بأحلامهم وهي تتماوج في حفافي الغيوم، وحمرة شقائق النعمان، وخيوط الفجر الذهبية، وهي أحلام لم تكن تتعدى الرغبة في حضور الخبز الشريف، والصبر على الحياة وعلى القدرية.                               

في هذا الإطار توقع (فاطمة موتيح) هويتها الفنية التي جوهرها الأساسي التعبير عن الحياة وذاكرتها بوعي يرتكز إلى رؤيا إبداعية لا حواجز فيها بين الفرشاة/ والإبداعي الشعري وهي رؤية تصوغها في لوحاتها بمسوغ يحمل الكثير من رموز حياتها بمعناها المتسع ، تلك التي انعكست على صفحة روحها ووعتها ذاكرتها بالأشكال فاحتفظت بها مخيلتها لتعيد تركيبها في صيغة زجلية كدليل على تيقظ فكرة التعبير عن الحياة المحلية في انعطاف نسبي عن اتجاه فني ازدهر كتيار في الخمسينيات في الحركة الفنية العربية ، لكن الفنانة طوعته في أمهال قادتها إلى منح استراحة لعنصر اللون لصالح الرسم بالكلمة

 

كلون آخر يقتحم اللوحة ويفتحها على مصراعيها ليكون واحدا من شهودها ، هكذا جاءت لوحاتها عن البادية وفاءا حقيقيا لقضية التعبير الفني الذي تبحث عنه، من هنا تقترب القيمة الإبداعية في لوحات فاطمة من تجربة الرسام العراقي التشكيلي ( ربيع شوكت ) ، من حيث الأشكال التي سحبت من أعماق الصبا والطفولة لتطفو على سطح التجربة ومنها الأيام الخوالي من طفولة قروية ووجودية في ( الأهوار) أولئك الذين روضتهم الحياة اليومية الثقيلة.                                                                                           

وإذا كانت الانطلاقة الفنية فطرية موسوعة بالعامل النفسي والوجودي عند (فاطمة  موتيح ) والقائم على أساس العلاقات مع الموجودات والموضوعات الإجتماعية والطقوسية بمادة هي أقرب إلى  الحياة في واقعيتها بانتقاء الألوان بشكل حسي وفطري للملائمة بين ما تود تجسيده وهو دليل على تشكيل العنصر الجمالي بمركبات لونية ، فان عملها يكتسي صبغة أخرى مزودة برواء الكلمة في حس إيقاعي منسجم مع نفسه وطبعه وتكوينه ،؟ حيث المسافات تغور وتصبح عميقة العمق في المكان عبر وظيفية الحوار اللغوي بشكل مقنع وممتع ومثير، وكأن عنصر اللون والكلمة مصطلح مشترك في نقل المنظور وخلقه، فللزجل إستخدامات متوازية مع حدود التشكيل، بل وقد يغدو عنصرا بارزا في عملية استلهام الواقع وبث صوره، وهي مسالة دالة على امتلاك الفنانة لناصية التشكيل باللون واللغة، فحين تكتمل اللوحة تتفتح الكلمة الرقراقة على  الألوان وكأنها تكسبها طمأنينة في رحلة تجتاز فيها الفنانة دروب الزجل الوعرة وجهتها حوارية حساسة وخاشعة، حافلة بسرية البوح المسموع والمفعم بأسرار الألم والحزن والفرح والشوق والأمل، فتتوحد اللغة مع الظلال بوسيطة المرسوم بدلالاته المادية والروحية والفنية التراثية.               

تقول في لوحة ( رقصة الكدرة ) في تواز مع نصها الزجلي ( الكدرة والبشارة ) مثلا:

 

 

عوايــد غريبـــة على الحضــار

نغمــة حسانيـــة تدفــي لوكـــار

على هجاها يتكيف الطبل ولوثار

وتارة تولد اللوحة من ثنايا إسقاط الحواجز بين الماضي والحاضر لتفسح المجال للتراكمات الزمنية بمفهومها التاريخي كما في لوحتها (الحماية) ، وكأن السفر المسحور في ثخوم الكلمة الشاعرة يؤجج في أعماقها القيم الجمالية، ويعيد لها القدرة على رؤية المرسوم مجددا بروعته وفنيته ووضوحه وقيمته الحقيقية، وهو جهد إبداعي مضاعف واحتراق أصيل في أثافي  الفن وهو أمر ليس بالهين على فنانة تريد أن تجعل من فن التشكيل شهادة على الحياة، ( فالسربة )، و(الخيل والخيالة)، و (المنسج)، و(النوالة) يقتحمون مرسم الفنانة، يجالسونها في حديث طويل أليف في حضرة الكلمة الزاجلة تارة، وتارة تستوحيها الذاكرة بشخوصها وأمكنتها في هيأة ربة الشعر ( فينوس) في فرنسية شاعرية رصينة تجتاحها كالطوفان  لتولد القصيدة كرائعة يتناغم فيها الشعر و ريشة      أو (حواء الديبـاجي ) رسام ( مملكة الحب)Eve - dibagiée الآخر كما في قصيدتها 

 قائلة  وهي تبارك تكريمه  للمرأة في لوحاته :

Au royaume de l'art et de la foi

Elle est reine tu es roi

Tu lui chantes ivre de joie

و إذا كان دور الرسام هو المحاصرة و إبراز ما يرى في ذاته على حد قول ( ماكس ارنست) عام 1937 في(دفاتر الفن) فان الفنانة (فاطمة موتيح) شاعرة أيضا بامتياز في الفصيح كما بالفرنسي، فخارج دائرة اللون تسترق السمع إلى داع يدعوها إلى العزلة , و التقرب من القوة الخفية و نبش فيما تختزنه جبرية الموت دون أن تهابه , لكنها تحسه يتما يخطف الجميلين برمزيتهم الثقافية , و هو ما دونته في مرثيتها في المرحوم (إدريس

 

 الشرايبي ) الذي ما عشق الرسم إلا من خلال لوحاتها على حد قوله في المعرض الذي الذي أقامته على تشريفه بأزمور والمرثية معنونة بــ...:                                         

(Partir .........mourir)

 

فتهمس لروحه المبدعة الطيبة :

- Faire des dieux tu quitte la France

-  Pour retrouver ta ville d'enfance

-  El Jadida tu pris ton essor

و لا تلبث أن تحلق في ملكوت آلهة الشعر بوحي الفصحى أيضا في مطولتها المندهشة أمام قدرية الحياة , و نصيب الشخوص من الألم و المعنونة بـ (أخي) و هي ترثي سقوط الطيبين الشرفاء في شخص المهندس الزراعي و الشاعر الصحفي (اوتابيحت) صاحب

.(george brassens Paul valery et les autres)كتاب

فتخاطبه :

أخي أمانيك سوف تنمو ولا تندثر

و تعـزف أشجانـــا على الوتـــــر

لم يسقـــــط أخـــي بل تعثــــــــــر

و هي النص الذي فجر مطولتها الشعرية في رمزية هذا المثقف المعنونة ب                        وهي نص على كتابه من حيث انفتاحه على تراثنا الفكري و (Mr Autabiht)

الصوفي في فلسفة (المعري) و (الحلاج) و هي في كل ذلك تمزج اللون برواء الشعر فتقول لمخاطبها بإشرا قات الكلمة و نورانية الإلهام :                                           

- Le monde est petit , sûrement ...moi je le répète

- Car à Mazagan le destin vous jette

- et  la grande inspiration vous guette.

 

 

و لئن اقترنت تجربة (فاطمة موتيح)  في التشكيل بالزجل في المشهد الفني المحلي , ففي حضرة اللوحة / و الزجل تشكيل تواصلي  و مزاوجة و توأمة منبثقة من الوعي المكاني برؤية ثنائية : الأولى لونية و الثانية لغوية إبداعية محلية أيضا تحقيقا لهاجس الرحلة في الزمن ، كما في لوحتها (صمت) حيث نوبات التأمل الوجودي بلغة البصري / و الوجداني سفر في المجهول ، فالزجل خطاب يشي بأعماق اللوحة و يمنحها غنائية تراثية  و من هنا يمتح اللون شعريته و يرتحل بالفنانة على أجنحة الحنين إلى صرائف الحياة في  رحاب الطبيعة المناخية بدءا من (حقول القمح) إلى (المروج)، وإلى الحياة المكتنزة بالفأل الصوفي الذي  تنبأ بشأنها الفني وهي بعد طفلة تركض في (درب الطويل). من هنا فأشعار الفنانة التي  هي نصوص لغوية على نصوص تشكيلية ميزتها التنوع الذي هو تارة سرحات صوفية  في خلق الإنسان و في قانون القوة لديه للقبض بتلابيب الحياة في الكون، وأخرى رحلة عميقة حول ثنائية الخير / و الشر كما في قصيدتها (إبرة في قش) دون انفصالها عن قضايا أخرى آنية كقضية (الهجرة السرية) كما في نصها الشعري  الفرنسي المعنون بــ :                                                                                 

(Je suis l'Afrique, je pleure mon enfant (

هكذا تسبح في ذرى الإلهام الفني , وتدور في أفلاكه لتؤكد فرضية (هوراس) المعروفة (إذا كان الشعر رسم بالكلمة / فالرسم شعر بالألوان) , ففي لوحة(الطجة) ترثي الفنانة ضياع أرشيف قيم النبل في الواقع وفي لوحة (امرأة) تشتغل على (الميثولوجي) حيث (المزار) فعل من نساء البادية بدلالته الحافلة برمزية الإيمان بانتقام السماء لمظاليم الأرض , و في لوحة (اليتيم) يمتزج اليتم الذاتي كشعور باطني لا يفصله عن المرغوب فيه سوى (خيط فاطمة الزهراء) بألوانه القزحية , ثم تخلد للذاكرة المحلية  و الوطنية مرحلة عصيبة من تاريخ مغرب الأربعينات في لوحتها(الحماية) أو(درب الطويل) بلغة اللون / و مخيال الذكريات الأليمة في فرنسية ناضجة منبعها ثقافتها المتنوعة و فضاء

 

 مازاكان مرتع تعايش الأجناس  و الثقافات وهي  فترة زامنتها (فاطمة موتيح) و لا تزال تحياها عن كثب بنوستالجيا غائرة و عميقة , و من ثمة فالمكان في لوحاتها ذاكرة شاسعة في دائرة الرؤيا الفنية بوعي ولوع في دم هذه الفنانة، و في دم اللوحة حيث تحضر لغة الحواس لتثري اللون , و هو ما تنتهي إليه في قصيدتها كتأكيد على استجابتها لوعي تشكيلي يعرف ما يريد , و هو يرفع الغطاء عن تجربتها المغلفة بماء الشعر على حد قولها:                                                                                                     

(La vie humaine est une carte)

ليبقى لهذه الفنانة في حضرة التشكيل / و الزجل/ و لغة موليير و ديدرو / و سيبويه ديمومة التألق الجميل و المستمر علما أنها حصلت بإخلاصها لعملها كموظفة ناجحة  بجمال روحها المفعمة بأخلاقيات الفن و العمل على (وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى) و لكم تستحق تجربتها الفنية ضمن الحركة التشكيلية المغربية و العربية كبير الإستحقاق و هي التي  باركها الفن لونا و كلمة وريشة