المحرر موضوع: في ذكرى الشيخ متى : الناقوط ، شجرة الأمنيات وحفيدتي  (زيارة 504 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نمرود قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في ذكرى  الشيخ متى : الناقوط ، شجرة الأمنيات وحفيدتي
كتابة : نمرود قاشا
يا ديرُ متى سَقَتْ إطلالُكَ الدِيَم ..... وآنهلَ فيكَ على سكانِكَ الرَهَمُ
فما شفى غلتي ماءٌ على ظمأ ...... كما شفى حَرَّ قلبي ماؤك الشَبَمُ
هذان البيتان لشاعر غير معروف، بيد أن معالمهما قد إختفت، وقد وجدا مكتوبين على حائط دهليز في دير مار متى، إختفى مكانها كما اختفى صاحبها، فقد أصابها ما أصاب الدير من ويلات ونكبات خلال تاريخ الدير الموغل في القدم والذي يمتد إلى أكثر من 1600 سنة. كاتب هذين البيتين قد بهرته طريقة بناء الدير ومعيشة الرهبان، فوجد بان هذه الطريقة التي من خلالها يستطيع أن يعبر عن عظمة الكهوف والقلايات التي حفرتها أنامل وأزاميل هؤلاء النساك. بعد سنة 1260 عانى الدير كثيراً من غارات المغول والتتر، ومر بظروف قاسية جداً، وصبر على اعتداءات الأعداء والعصابات طويلاً. في العقد الأخير من المائة الرابعة عشرة، ظهر تيمورلنك الطاغية، فتضعضعت أحوال الدير في عهده وانتهى به الأمر إلى أن أمسى مأوى لبعض المجرمين الذين استوطنوه مدة من الزمن، ونتيجة لذلك تشرد الرهبان وظل الدير مهجوراً منسياً مدة تنيف على المائة وخمسين سنة.ثم اخذ يلمع ذكره مرة أخرى بعد عام 1660.
الدير عاش عبر العصور أزمنة سياسية مختلفة فارسية، ساسانية، عربية، مغولية في عهد تيمورلنك، عثمانية وأخيراً عربية مكتسباً شهرة كبيرة ملأت الأفاق وخاصة في العصر العباسي فكان الدير في هذه المراحل التاريخية مركزاً هاماً للإشعاع الروحي والثقافي والقديس مار متى كان من الرواد لنشر بشارة الخلاص والإنجيل المقدس في هذه الربوع حتى وفاته سنة 411م، وهكذا اقتدى به جميع الذين خلفوه حيث حملوا لواء الإنجيل المبارك للشعوب الوثنية واليهودية وغيرها.
اهتم القديس مار متى الجليل بسلك الرهبنة وقوانينها لأنه من إبطال النسك والزهد والتقشف، ولا تزال تشهد على ذلك الصوامع والمغاور والكهوف المنتشرة في الجبل، إذ بلغ عدد الرهبان في الدير في عصره الذهبي ما بين السنتين (400-480م) أكثر من سبعة ألاف راهب حسب ما أخبرنا به التاريخ الكنسي وهناك مصدر أخر يقول كان عددهم اثنا عشر ألف راهب منتشرين في الجبل والدير لان الكثيرين كانوا يتوافدون على الرهبنة في تلك الأثناء وذلك هرباً من بطش الحكام الوثنين، الذين كانوا يظلمون المؤمنين المسيحيين في عهودهم.
لقد أصبح الدير محجاً ومزاراً وبحكم موقعه الجميل ومكانته الدينية يؤمه الناس من كل حدب وصوب ومن مختلف المذاهب للتبرك بأضرحة قديسيه الصالحين وخاصة ضريح القديس مار متى ومار غريغوريوس يوحنا ابن العبري العلامة الذائع الصيت في القرن الثالث عشر سنة (1126-1286)م، حيث توفي في مراغة في بلاد فارس وثم نقلوا رفاته إلى دير مار متى ودفن في مدافن المفارنة
في عام (1970 ـ 1973) تم تبليط الطريق المؤدي إليه من مفرق عقرة والبالغ 10 كم إضافة إلى إيصال القوة الكهربائية إليه.
دير مار متى، من أقدم أديرة العراق، وأكثرها مكانه، ويتربع على صدر جبل مقلوب (الفاف) بارتفاع (2400) متر فوق مستوى سطح البحر، يقع شمال شرقي الموصل ويبتعد عنها (35 كم).
- الناقوط
الناقوط، من (نقطة)، نقطة ماء أو قطرة، والناقوط أصلها (نقاطه) أي (قطارة)، لان عملية سقوط الماء من سقف البناية أو الكهف تشبه التنقيط. قَطَرَ، قطراً وقطراناً: سال قطرة قطرة، نضح رَشح "قطر الماء" وبالسريانية قطرة الماء (نوطفتو أو طوفتو)، (نطوبتا) فالناقوط، إذن يُقصد به قطرات الماء التي تترشح وتنزل من سقف كهف طبيعي أو منقور ويقال للناقوط بالسريانية "نطوبا".
في دير شيخ متى مجموعة من الكهوف والصهاريج "المغارات" قسم منها طبيعية والأخر منقورة من قبل رهبان الدير وحسب احتياجاتهم كغرف السكن والمعيشة والصوامع والصهاريج التي لا زالت باقية لحد اليوم وقد نُحِتَتْ لغرض خزن مياه الأمطار المنحدرة من الجبل، ولا يزال أربعة منها ماثله حيث يبلغ سعة أكبرها (2420) متراً مكعباً.
كهف الناقوط: وهو كهف حجري صغير محفور في صخرة ضخمة، صخرة تترشح من جدرانها العليا قطرات الماء البارد، وتسقط داخل الحفرة الصغيرة التي كونتها على مر السنين، فيكون لسقوطها أصوات تشبه لمسات سريعة لأوتار عود سماوي، لا تتميزه الأذان إلا إذا تجلى من حوله الهدوء التام. وهو اكبر الكهوف الموجودة في الدير، وأكثرها سحراً وجمالاً يقع غرب الدير وعلى مسافة (200) م. كهف عميق يسمى بـ "الناقوط" بسبب قطرات الماء الساقطة من سقوف الكهف المتداخلة مع بعضها داخل الجبل، فتشعر بأنك تدخل غرفة مبردة في احد أيام الصيف، يوجد أمام الناقوط ساحة متوسطة المساحة يستخدمها الزوار للاستراحة وتناول الطعام.
ويقال بان الراهب الناسك مار متى ألعجائبي ضرب عصاه في هذا الجبل فأنفجرَ نبع ماء البشارة والشفاء، وكانت أول معجزة في هذه الديار، حيث تقدمت الأميرة سارة فتعمدت. وبهذا نالت الشفاء والطهارة والأيمان والشهادة مع أخيها بهنام بعد أن علمهم الراهب القديس أصول الديانة وبشارة الإنجيل على يد والدهم الملك.
يتكون الكهف من قسمين، الخارجي مساحته 10 × 15 م ومرصوفة بالحجر المعروف بالبازي، تتوسطه بركة ماء يتجمع فيها الماء النازل من الناقوط في حوض صغير وتنساب إلى القسم الخارجي حيث تصب في البركة القسم الداخلي من الكهف مساحته 6 × 4 م، هناك مغاور (دهليز) صغيرة تم نحتها من قبل الإنسان يبلغ عمقها بحدود 6 م وارتفاعها يصل بمستوى طول الإنسان الاعتيادي وحجمها لا يتسع لأكثر من شخصين، جدرانها رطبة مبللة بالماء.
كان زوار الدير يقضون اغلب وقت زيارتهم في الساحة الخارجية للناقوط وخاصة أثناء الصيف لجوها المعتدل، حيث رُتبت مساطب للجلوس تظللها الأشجار. في الوقت الحاضر اقتصر وجود العوائل أو الأشخاص لغرض الزيارة والاستراحة.
- شجرة الأمنيات والنذور
نَذْر، جمعها (نُذُور): تَقَدَمَه يُوجبها شخص على نفسه ويؤديها وفاءً لوعدٍ أو شكراً على نعمةٍ.
أما الأمنية، أمان، طمأنينة، رعاية، في أمان الله أو حماية من الموت والأذى أو ما يتمنى الشخص تحقيقه.
فالنذور هي الصلة بين الإنسان والإله، وكما تقوم الصداقة بين الناس على أساس الود والتقرب والاتصال والتذكير بتقديم الهدايا، وبما إن الآلهة والقديسين والأولياء هم بمرتبة أعلى من البشر، فكان من اللازم عليه التودد إليها بشتى الطرق المعبرة عن معاني التقرب والتحبب والتعظيم.
وهذا التقليد مارسه الإنسان منذ بدء الخليقة، حيث العصور الحجرية الأولى، فقد كانت الآلهة تحتل مساحة كبيرة ومهمة في تفكير وحياة الإنسان، ونحن الآن في الألفية الثالثة ورغم التطور العلمي والتقني والتواصل الحضاري، لا زال للآلهة والقديسين تلك السطوة على حياة البشر. فهم يقتربون إليها من خلال طرق وأساليب عدة : الصلاة، زيارة مواقعها، إرسالها الهدايا نقداً أو عيناً، النذور لما فيها لو تحققت لها أمنية ما
كثير من الأديرة والمزارات والكنائس تضم رموزاً دينية قد تكون صورة لقديس أو أيقونة أو تمثالاً أو شجرةً أو ضريحاً. هذه الرموز يلجأ أليها المؤمنون للتبرك والصلاة والنذر وأمنيات يطلبها الزائر، ولكي يصل طالب الأمنية إلى مبتغاة، يجعل (واسطة) بينه وبين الرمز الذي يطلب منه، الواسطة هذه تكون إما بالصلاة في حضرة (الرمز) أو تقديمه نذراً كان يكون مبلغاً من المال أو هبة عينية أو قطعة قماش يعلقها على الأيقونة أو الرمز
العديد من الأديرة تحتوى على هذه الرموز، ففي دير مار بهنام مثلاً هناك لوحة جبسيه بنحت بارز على يسار المذبح الرئيسي وبارتفاع حوالي ثلاثة أمتار تمثل القديس مار بهنام على صهوة جواد وهو يسحق التنين وفي أعلى اللوحة ملائكة تحمل التاج لتتويج الشهيد.
الزائر لهذا الدير، ولكي تكتمل الزيارة فيقوم برمي منديل إلى هذه اللوحة الجبسية فان ثبت المنديل في احد نتوءات اللوحة فهذا يعني أن مراده قد يتحقق.
وفي الفترة الأخيرة منعت إدارة الدير هذا التقليد، كونه لا علاقة له بالإيمان وقد ثبتت لوحة توضح هذا الأمر.
دير الربان هرمز في القوش هو الآخر يحتوي على الكثير من الرموز ومنها مذبح الكنيسة القديم وضريح الربان هرمز حيث يقوم الزائر بإشعال الشموع وترديد الصلوات، وكذا هو الحال في دير السيدة حافظة الزروع في القوش أيضاً.
دير الناسك متى يضم العديد من المواقع التي يقف عندها المؤمن ليقدم نذوره منها قلايات الدير العديدة حيث يقوم الزائر بإشعال الشموع أو تعليق قطع قماش على الأشجار القريبة منها، ضريح القديس متى وأضرحة الشهداء، ولكن يبقى كهف الناقوط والشجرة الواقعة في مقدمة الكهف الموقع الأكثر زيارة لمن يقصدون الدير.
الزائر يقف طويلاً للتأمل في شجرة الأمنيات أو النذور التي تتوسط الباحة الأمامية للكهف. فهي تثير الاهتمام لما تحمله للعشرات من قطع القماش الملونة لمئات مروا هنا وأرادوا أن يتركوا لهم ذكرى في هذه الشجرة، ذكرى الزيارة وذكرى الأمنية التي أطلقها بعد تعليق قطعة القماش هذه.
فتبدو هذه الشجرة للزائر وكأنها محملة ومثقلة بالهموم والأمنيات مزهوة بما يحمله أعضاؤها من ألوان وزعت على جسدها بشكل عشوائي، ولكنه جميل، أحياناً العشوائية تبدو جميلة رغم عدم ترتبها.
- حفيدتي بهار
بهار، طفلة بعمر الربيع، أو هي الربيع بذاته، ربيع يُكرر نفسه رغم حركة أشقائه الفصول وفي كل دورة يبدو ازهي وأجمل وأبهى. كيف لا يكون جميلاً وجماله مستمد من الطفولة والطبيعة فهما عنوان لهذا الجمال، جمال يبث عطره وألقه على كل الحلقات المحيطة به لتبدو مثله زاهية ملونة.
بهار عشتار، طفلة تحمل ثلاث زهرات هي عنوان طفولتها، غادرت دفء الدار، حضن والدتها ووالدها وجدها وكل محبيها لتمرح بعفوية الطفولة في حضن الشيخ الجليل (متى).مسالك وممرات وساحات الدير الفسيحة جعلتها تغادر جو المدينة المتخم بالضجيج والفضاء الملوث وأبواق السيارات، لترتفع عالياً مع ارتفاع جبل الفاف حيث الصفاء والقدسية ورائحة الطيبة. كيف لا وهو مسكون بأرواح الشهداء والقديسين
قريباً من أصوات أجنحة الملائكة وهي تطوف حول هذه القطعة التي تشبه الجنة. لما تحمله من قيم ورموز وقطرات عرق أو دم نضحت ولونت قساوة أحجارها لتبدو أكثر ليونة
بهار حفيدتي. استصحبت والدها ووالدتها وخالتها و.. (النانة
احتضنوها صعوداً على درجات (الطبكى)، فضلوا الطريق الملتوي المروصوف بالحجارة، اثنان وثلاثون استدارة يتلوى الطريق فيها كالأفعوان يمنى ويسرى. أكثر من ألفي متر فوق مستوى سطح البحر صعوداً للمرتقى "طبويو، طيبوثو" الصعود علواً أو ارتقاءً تسلقاً أو مشياً، ارتفاع قاس وعمودي تطلعت " بهار " في نهايته نحو الوادي فوجدت الدير كطفل يغفو على صدر حيوان خرافي عملاق.
بهار، أرادت أن تشارك أهلها ومحبيها طقوس النذور. ولأنها تريد أن تعرف كل شيء عن كل ما يدير حولها، فهي تسأل وتسأل وتلح في السؤال وعليك أن تجيبها بما يقنعها.
ـ ماما، ما هذا القماش المعلق على هذه الشجرة؟
-انه النذور، يا حبيبتي.
ـ وما هي النذور ماما؟
ـ أنها أمنية يتمناها الشخص الذي يعلق هذه القطعة.
ـ وما هي أمنية "نانا..وهبو"؟.
ـ أنهما يريدان ان يحفظهما الله ويعطيهم الصحة.
ـ وأنت وبابا... هل لكما أمنية؟
ـ أمنيتنا يا (بهوري) الحلوة، أن يمد الله في عُمرك، ويمدنا الله بالصحة لكي نجعلك تتحسسين حناننا يومياً.
ـ وأنا ـ يا ماما ـ؟
ـ وأنت، أنت ماذا تتمنين؟
ـ أن يكون لي أخت صغيره نسميها (سانتا )ا
ـ هل تحبين سانتا.. إذا جاءت؟.
ـ أحبها.. واقبلها


غير متصل متي كلـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 373
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاستاذ نمرود  قاشا
وانا اقرأ    ما كتبته عن دير مار متى"الشيح متي"، وانا اتجول في فضاءات هذا الدير وما حوله و عند الناقوط وقلاية ابن العبري، جعلتني اعيش زمن جميل لم اعيشه منذ  اكثر من ثلاثة عقود من الغربة... لك مودتي