المحرر موضوع: وليمة الأب .. والابنان الضالّان  (زيارة 805 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
وليمة الأب .. والابنان الضالّان

   أعتدنا أن نقرأ مَثَل "الابن الضال" (لوقا 15: 11 - 32)، بالتركيز عند القسم الأول منه، أي ما يخصّ الابن الأصغر (في هروبه ورجوعه)، وأحياناً قد نتجاهل موقف الابن الأكبر (في غضبه وتكبره). وكلا "الموقفين" يفوّت المغزى الحقيقي لهذا المَثَل، لأن أمامنا أخوين كل منهما يمثل سبيلاً مختلفاً في الإبتعاد عن الله/الآب. بينما للنص، توجه آخر أعمق وأشمل، يريد منا التقرب بالكشف أكثر بكثير على وجه الآب. الآب المحب بلا حدود والغافر باستمرار، الآب الذي يفرح لفرح أبناءه ولا يسعى لإمتلاكهم وفرض إرادته وشروطه عليهم ولا بأي طريقة كانت.
   وأكثر ما يلفت الإنتباه في هذا النص - بدون شك - هو صمت الآب…! هذا الصمت الذي هو أفضل تعبير عن الحبّ واحترام حرية الآخر. عندما يذهب احترام الآب للابن إلى أقصى درجاته، حتى ليذهب إلى قبول ضياع الابن ووصوله إلى عتبة الموت. وهذا ما نتأمله في الصليب، حيث لم يتدخل الآب وترك شر الإنسان يقتل ابنه الوحيد، واثقاً بأنه سيقوم من الموت وينتصر عليه.
•   أمومة الله الآب  
   الأبوّة نعمة إلهية تجلّت في علاقة الله/الآب بالابن الأزلي قبل كل الدهور، والتي أصبحت الأنموذج الأقدس الذي تقتفيه كل أبوة على الأرض - روحية كانت أم جسدية - عندما يخبرنا الكتاب المقدس عن الأبوة الإلهية والبنوة البشرية، وما يتمخض عنهما من إحتدامات وهداية، أعظمها تلك التي تتكلل بـ "الرجوع" و "العناق" كما نراه في هذا النص، والذي بدوره ينعكس في علاقاتنا؛ الروحانية مع رعاتنا والجسدية مع والدينا. وما يهمني الإشارة إليه في هذا المقال، بأن الله/الآب حاضر في كل مكان، حنون وله أحشاء رحمة أم: "إن الله مثل الأم ترضع أطفالها بالحليب ثم تطعمهم الخبز" (مار أفرام السرياني - القرن الرابع)؛ "إنه أب، ولكنه أكثر من ذلك فإنه أم.. إنه لا يريد لنا أي سوء، بل يروم خيرنا جميعاً" (البابا يوحنا بولس الأول؛ خطاب 10-9-1978). حضور نتلمسه آنياً - في قمة حياتنا الروحية - أثناء مسيرتنا الإيمانية ومرافقتنا لأمومة الروح القدس التي تقودنا - في حضن الآب، في الأبدية - إلى إختبار "أمومة الله"، الينبوع السامي لكل أمومة، التي هي أسمى من الأمومة الإنسانية. أي أن "أمومة" الله آتية من عنده، التي تسهر بلا إنقطاع على إنسانيتنا المفقودة في الابنين الضالين (حب الذات والفخر الذاتي)، وتراقب كل حركة من حركات تقدمنا في الإهتداء، تماماً كما تفعل الأم. وأمام هذا الكشف لفيض الحب اللامتناهي - الذي لا يتغير - لا يمكننا إلا أن نكتشف ذواتنا الخاطئة، وهذا ما نسميه بـ "سر الإعتراف" أو "سر المصالحة".
•   وليمة الفرح
   وعبر هذه المصالحة التي يظهرها الأب - لأبنائه - وتحديداً لابنه الأصغر التائب، وكيفية إستقباله بكل هذا السخاء، وهو الذي كان يترقب عودته من بعيد: "فأشفق عليه وأسرع إليه يعانقه ويقبله" (الآية 20)، يدعونا إلى وليمة الفرح:
-   فرح حنان الأب بعودة الابن الأصغر إلى الحياة: "لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوجد. فأخذوا يفرحون" (الآية 24).
-   فرح عناية الأب الساهر للابن الأكبر: "فخرج إليه أبوه يرجو منه أن يدخل" (الآية 28)
   إن النقطة الحاسمة هنا، تتجلى في موقف الأب الحنون وحسن تعامله مع أبنائه، والتي تعطي تعليماً بالغ الأهمية عندما قَبِلَ الابن الأصغر وأدخله إلى الفرح … وبالقدر ذاته فعل مع الابن الأكبر حينما صحح فكره وأدخله إلى الفرح … أي إن الأب يضطر إلى "الخروج" خارجاً ويدعو كليهما ليدخلا إلى وليمة محبته. لتلتئم آواصر العائلة من جديد إلى مائدة الفرح المسيحاني، من خلال "الاكتشاف الذاتي" للابن الأصغر الضال: "فرجع إلى نفسه" (الآية 17)، ومن ثم "الامتثال الخلقي" للابن الأكبر الضال: "وما عصيت لك أمراً" (الآية 29). وكل هذا يتأتى كتحصيل حاصل للمحبة الفيّاضة لـ "الراعي الصالح" التي ذهبت إلى أقصى حد للبحث عن الابنان الضّالّان وإرجاعهما إلى حظيرته المقدسة. وهذا ما يتطلب اليوم أن يتداركه رعاتنا الروحيين والجسديين، كي يخرجوا خارجاً، ليبحثوا عن كل "الخراف الضالّة" ويدخلونهم إلى فرح التهليل والإبتهاج وليس إلى تعاسة الإدانة والإحتجاج…!
•   الخاتمة .. ولكم البداية
   يروي الرب يسوع في الفصل 15 من إنجيل لوقا ثلاثة أمثال تدور حول مَن كان "ضالّاً" ثم "وُجِد": (الخروف الضائع، الدرهم المفقود، الابن الضال). ويبقى المَثَل الأخير هو الخيط الذي يجمع هذه الأمثال معاً. إن قَلبِي الأخوين كانا متماثلين، فكلاهما أغتاظا من سلطة أبيهما .. ألتمسا طرقاً للخروج من تحتها. كلاهما سعى لأن يحلّا  محل سلطة الأب في حياتيهما. كلاهما تمرّدا - إنسلخا عن قلب الأب - وكلاهما كانا "الابن الضال".
   إن هذا المَثَل الذي ضربه السيد المسيح ينشئ "شبه أزمة" لدى القارئ المتأمل، لاستعادة "الكرامة المفقودة" .. يريد بنا الإرتقاء إلى "لحظة تعليم" عميقة بواسطة يسوع، الذي أرسله الله للبحث عن البشرية المفقودة وإعادتها إلى كرامتها الأصلية في أحضان أبيه الرحيم.
 
ولكم البداية .. للإهتداء إلى الجواب…!

نبيل جميل سليمان
فانكوفر - كندا

غير متصل Husam Sami

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1072
  • الجنس: ذكر
  • ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأخ العزيز نبيل جميل المحترم
 جميل منك هذا التأمل في نص ( الأبن الضال ) نعم هذا النص الرائع يحمل توظيفات عديدة لرسالة الرب لنا وجميعها تقع في ذات المصب العام لفكر الرب ..
1 ) الابنان الضالان : الصغير بحماقته وجهله والكبير بغروره وكبريائه وكلاهما يمثلان شهواتهما ومصالحهما : فالصغير : أراد ان يستأثر بحياة الدنيا ناسياً نتائج استهزاءه واستهتاره وكما أي واحد فينا يغتر بشبابه فيريد ان يستأثر بتحقيق شهواته من خلال ميراث لا يستحقّه ولم يبنيه بجهده وتعبه .. والميراث هنا اليوم لا يمثل المال فقط بل كل عوامل الصحّة والعافية وما توفّره الحياة من مغريات فالرب الإله يمن علينا بها حتى في عقوقنا فلا يحرمنا منها وهنا فالصغير يمثل ( الشعب ) فأغلبه يقع تحت مؤثرات الأغراء وشهواته وصولاً للتخلي عن ابيه السماوي ... اما الكبير : فآماله وطموحاته مؤجلة لأنه يعتقد انه وكيل ابيه في ملكه وليس من ينافسه فهو يمثل كلمة ابيه وحكمه وهنا نستطيع ان نمثله بـ ( المؤسسات الدينية ) فهي تعتقد انها تدير مصلحة الله فهي من تستطيع ان تحكم بأمر الله ... اما عن الأب : فلم يكن مع هذا او مع ذاك لأن الأب هو اب الجميع لكون الجميع ابناءه فلا يبدّي احدهما على الآخر مهما اعتزّ بأحدهما على الآخر .. من هنا نلاحظ تأكيد الرب يسوع على انفعالية ابنه الكبير وعلى تخبطه في فهم علاقته مع ابيه وعلى احتقاره لأخيه الصغير وعدم مسامحته له لذلك هو يعتقد بأن نصيبه في ابيه هو ما يجب ان يكون اي ان يكون هو الوريث الوحيد لأبيه لأن أخيه استوفى نصيبه من ابيه ...
2 ) من هنا نفهم من تعليم ربنا ان نستوفي شكل العلاقة معه مباشرةً وشرط علاقتنا شعب مؤمن ومؤسسة وكيف يجب ان تكون ... لا تسلّط بل رحمة من الجميع للجميع الكل متساوون في بناء ملكوت الله على الأرض فالملكوت ليس فيه ( آمر ومأمور ) وخراف ورعاة بل الجميع يسجدون لإله واحد وهو اباهم جميعاً لا تمييز بينهم مع بعضهم انما يميّز من يعمل مشيئة الرب الذي في السماوات .. أي من له علاقة استثنائية مع الرب الإله بحكم علاقته المنفتحة مع شعب الله ( اكليروسي كان ام علمانياً أي " من الشعب المؤمن " ) .. الرب يهتم بكل من اهتم بالشعب ويرفض من تسلّق على الشعب وخدعه الرب يهتم بمن ( اشبع جوعاناً وكسا عرياناً وزار مريضاً وطببه وزار سجيناً ووقف معه وعائلته وتبنى يتيماً في بيته وحفظ شرف ارملة من السقوط ونصح ابناً من الشذوذ وساعده في توظيف مشتهياته لبناء مجتمع الفضيلة وللرحيم إذا رحم  ولكل من ارسى دعائم السلام بين البشر ولكل من قدّم ولم ينتظر ايفاء دينه ولكل عفيف نفس ولكل غيور متواضع ... الخ ) هؤلاء هم المميّزون عند الرب الإله وهم خاصّته .
  الرب يبارك حياتك واهل بيتك
 اخوكم الخادم حسام سامي   28 / 9 / 2021

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
كل الحب والتقدير لمرورك الكريم يا اخي الحبيب حسام سامي المحترم

تقبل اعتزازي وامتناني
اخوكم / نبيل جميل سليمان