المحرر موضوع: عناصر الفن الغوطي في أوربا  (زيارة 737 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وردااسحاق

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1208
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • https://mangish.net

عناصر الفن الغوطي في أوربا
بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
   في القرن الثاني عشر كانت مملكة فرنسا مركز أوربا الروحي ، فيها برزت الهندسة المعمارية فبنيت كنائس وأديرة كبيرة وجميلة ، كما تنوعت أنواع الهندسة المعمارية ، منها التجريدية المجردة من الرسوم والزخارف . كما برزت هندسة جديدة وفنون تشكيلية جديدة . وفي تلك الفترة ولد فن جديد سمي ب ( الفن الغوطي ) . فما هي عناصر هذا الفن :
  ا- التسمية : أزدهر الفن الهندسي الرومانسكي في جنوب فرنسا ، وتم تأسيس الأديرة الضخمة الخاصة بالرهبان البنديكتين للصلاة والتأمل ، حيث كوّنت الهندسة الكنسية الثقيلة الثابتة ، والتشكيل الخطي التجريدي ، وذلك بالعلاقة بالمناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط ، لكن منذ القرن الثالث عشر ظهرت في خط الفن الرومانسكي حضارة جديدة ، وجد مركزه في فرنسا الشمالية وبعد سنة 1250 في باريس نفسها ، مدينة الثقافة المسيحية الأوربية بفضل الجامعة والمعلمين المشهورين . إنتشرت من هناك الحضارة الجديدة إلى أقصى حدود الغرب المسيحي اللاتيني . ومن هناك أصدر فن الهندسة الغوطي الخاص للكاتدرائيات الأسقفية في المدن ، فن ديناميكي حي متعلق بروحية أوربا الشمالية ، والذي يقصد الحصول على السماء لكن من أجل طبيعة الإنسان الحقيقية الواقعية .
  2- الروحية الجديدة : يشهد مطلع القرن الثالث عشر تغيير عميق في تصرف الإنسان الغربي ، إذ أخذ يحصل على نظرية جديدة تجاه العالم والحياة الإجتماعية ، لقد نجح الفن البيزنطي بتعبير كامل عن الروح المسيحي مع نوع من الأحتقار للعالم المادي الجسدي المانع الحصول على الأفكار الأبدية والعائق عن القيّم الروحية الخلاصية . والفن الرومانسكي المتعلق بنفوذ البيزنطي أضاف إليه المنطق التجريدي ، مع أنه حاول تطبيق الأفكار الأبدية على الحياة الواقعية وإدخالها إلى التصرف الأخلاقي ، وذلك ايضاً تحت تأثير نظام القديس أوغسطينوس الفكري حيث جمع من الأفلاطونية والمسيحية على حساب العالم المادي الذي ليس إلا رمز وآية تساعد صعود العقل إلى الله . لكن في القرن الثالث عشر ترك الأفلاطونية لصالح الأرسطوطالية ، وذلك خاصةً بفضل موقف جامعة باريس المؤسسة سنة 1215 ، حيث درّسَ كل من ألبير الكبير ( 1193 – 1280 ) وتوماس الأكويني ( 1224 – 1274 ) مع وضع النظام التعليمي المسيحي الشامل حسب مباديء أرسطو القائل بأحترام للطبيعة ومتطلبات العالم المادي الحسي . أن الحضارة الغوطية رغم حضور الأفلاطونية المستمر أخذت تصبح واقعياً وتكتشف الطبيعة وتعجب من العالم المادي . الآن اصبحت الطبيعة ينبوع المعرفة وقبلت ضمن الكنيسة . تبينت نتيجة هذا التغيير على سبيل المثال في تقديم الجسد الإنساني ( التماثيل مع الملابس والحركات الطبيعية ) وفي إختيار المواضيع ( الحيوانات والنباتات ) وفي هندسة الكاتدرائيات مع التغلب التدريجي على مبدأ ( الرقم المثالي الذهبي ) لصالح حرية المهدنس على مبدأ القانون الجديد وهو قانون جاذبية الثقل . ووضعت مؤلفات مثيرة حول هذه المواضيع ، نذكر منها كتاب ( مرآة العالم ) في مفهوم الفن وطريقة تعبيره المتعلقة بالطبيعة والتاريخ الخلاصي . فسرت مباديء فن الكاتدرائيات العظيم ويبدو من كل ما يحمله من فنون أن الحضارة الغوطية هي فترة الجرأة الفنية في كل الميادين الهندسية ، والكتابية ، والتصرف تجاه المرأة مثلاً ، مع الإحترام الخاص للسيدة ، ودور مريم العذراء في تقوى القرون الوسطى .
   3- ميادين الفن الغوطي الأربعة . كونت هذه الحضارة بفضل عناصرمختلفة نذكر منها :
أ- الكاتدرائيات الغوطية . ب- الأسكولاستيك الباريسي . ج- المؤسسات الرهبانية المتسولة . الشعر الفرساني      
( 1 ) – الكاتدرائيات : تشهد الكاتدرائات عن فن عظمة الهندسة الغوطية التي وصلت قمة إزدهارها من 1200 – 1260 ، ليس فقط في الأديرة الريفية الرومانسكية الفخمة ، بل في الكنائس الأسقفية وسط المدن والمبنية بأشتراك الشعب كله ، وخاصةً بأشتراك البسطاء والفقراء لمدة خمسة قرون تقريباً ، أنتشر النور الإلهي في وسط العالم البشري ، كانت الكاتدرائية بيت الله ، يقصد رفع الروح نحو الأعلى ، وأيضاً بيت الشعب حيث وجدت الحياة الإجتماعية المدنية المكان للإجتماعات والقرارات المهمة . جمع في هذا البيت بين كل ميادين الحياة وعناصرها . لكن شكل هذا التحقيق الهندسي العظيم حسب روحية اللاهوت معينة ، الذي يرجع أخيراً إلى الأسقف أو القانوني المسؤول العام عن الأشغال . ان الكاتدرائية آية ومراة تشير إلى فكرة دينية ، إنها لاهوت متجسد في الحجارة ، والهندسة كلها تعبر مادياً عن لاهوت الكنيسة الروحية .
ومن مراحل تطورها نذكر :

أولاً : المرحلة البدائية ، مرحلة الربيع ( 1130 – 1160 ) مع كنائس سان داني 1140 وكنيسة سانس 1130 وهي الكنيسة الأولى مع هيكل غوطي كامل وكنيسة لانغى وقد اهتم بالمعرفة عن طريق الخبرة والعواطف ، مع ألأحترام للطبيعة والجمال الجسدي ، وفي القرن 13 الأزدهار مع رسم البراعم ، وفي القرن التالي تم رسم الزهور ، وفي القرن 15 اللبلاب .

ثانياً : مرحلة الفن الغوطي المُشِع المنير 1250 – 1350 مع مجموعة من الكاتدرائيات العجيبة على الطراز الغوطي المجرد نذكر منها بصورة خاصة شارتري حيث حفظت في الكنيسة كل التفاصيل كما كانت قديماً ، وبورجي القرن 12 ، رايمس وسواسون 1180- 1225 ، وآميان ، ومريم العذراء في باريس 1200- 1220 ، 1245 وأخيراً بوفيه 1247 – 1272 مع أعلى سطح بأرتفاع 50 م والذي سقط فيما بعد .
ثالثاً : مرحلة الغوطي المتوّج الملتهب 1350- 1500 مع تزييد المعابد الجانبية ، والتركيز على ألام المسيح ، والموت ، وأم الأحزان .

رابعاً : مرحلة الغوطي المتأخر: من القرن 16-18 ، وهي فترة الرد على البروتستانتية ، فكان للإصلاح البروتستانتي تأثيراً سلبياً كبيراً على الفن المسيحي لأن الفكر البروتستانتي المناهض لكنيسة الأم رفض كل الفنون التشكيلية فجرد الكنائس من الأيقونات والمنحوتات وتم إزالة رسوم المسيح ، والعائلة المقدسة ، والعذراء ، والقديس يوسف ،و لم يقبل الرسم في الكاتدرائيات إلا القليل . أنتشرت هذه الهندسة الجديدة في كل أنحاء أوربا ، أولاً في فرنسا ، وأسبانيا ، وقد وصلت إلى إنكلترا ، ومن ثم أكملت الهندسة الغوطية طريقها الخاص في إنكلترا ، مع الهيكل الطويل والأبراج المربعة الإحتفالية ، لكن دون أي فن تشكيلي . ووصل النفوذ الغوطي في القرن 14 إلى ألمانيا . ولم يدخل في إيطاليا الفن الغوطي إلا قليلاً من التزيين ، وبنيت تحت تأثير الرهبنيات المتسولات كنائس عالية دون شبابيك متكرسة للكرازة .

أما أهم صفات الكاتدرائات الغوطية فهي :
ا- الروح الجديدة التي تجسد في إنسجام الفنون الهندسية والتشكيلية المختلفة كلها .                 2- مفهوم الكاتدرائية كصورة الفردوس ، وكبيت الشعب المؤمن ، والمبنية على يد الكل .            3- إستعمال القوس الحاد عوضاً عن القوس على شكل نصف دائرة .                          4- تشكيل القنطرة من خلال تصالُب قوسين متقاطعين .                                             5- إستعمال الزافرة ، العقد الساند والركائز . 6- الأتجاه نحو الأعلى مع الخط العمودي الرفيع  7- الحائط المفتوح لقبول النور . 8- الكاتدرائية كمدرسة ومعجم المعارف الطبيعية والأدبية الأخلاقية والتاريخية .                                                                                        ب- الأسكولاستيك : حاول الإنسان المثقف في القرن 13 ان يجمع بين كل عناصر العلوم والمعرفة اللاهوتية والفلسفية بنظام شامل واضح يجمل فيه الحقائق والخلائق لتترتب كلها نحو القمة في الله ، وقد وضع آنسيلموس من كانتوربوري 1033- 1099 البراهين العقلية لوجود الله ، وعرف ارسطو والفلسفة اليونانية في الغرب عن طريق الترجمات العربية . ومن أبرز المعلمين هم : سكوتوس ، وبونافنتورا الفرنسيسكاني ، وتوما الأكويني الدومينيكي الأيطالي . ظهرت في فرنسا إلى جانب المدارس الأديرة القديمة ، جامعات كبيرة مهمة حرة ، أشهرها جامعة باريس التي قصدها علماء وطلاب من العالم كله . كما تمكنت العقلية الغوطية ايضاً من وضع دوائر المعارف وموسوعات ، ومن دوائر الصور المترتبة المتركزة .
ج- مؤسسات الرهبنة المتسولة : إلى جانب الجماعات الرهبنية القديمة المتركزة في الأديرة الريفية المحصنة ، أسست منظمات جديدة تهتم أكثر بحياة الفقر الأنجيلي والتبشير الرسولي لدى الشعب ، فقد جدد برناردس الروح البندكتيني 1090 – 1153 وأعطى مجالاً أوسع للشعور الديني ، ثم أسست الرهبانيات المتسولات على يد القديس فرنسيس الأسيزي 1181 – 1226 والقديس عبدالأحد الأسباني 1170 – 1221 مع الأديرة وسط المدن .
د- الشعر الفرساني : خلق خلال تلك الفترة أيضاً الشعر العاطفي الذي به يعبر الفارس عن شعوره تجاه الأميرة المثالية ، والذي كرس حياته من أجلها ، أعظم شاعر كان ( دانتي الفيرنزي ) الذي ألف الكوميديا الإلهية بعد سنة 1300 خلال المنفى في رافينا ، وهي رؤيا سماوية عن الأمور الأرضية .


غير متصل صباح قيا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1901
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: عناصر الفن الغوطي في أوربا
« رد #1 في: 13:54 29/09/2021 »

عزيزي الأخ والصديق الفنان التشكيلي وردا اسحق
سلام المحبة
أبدعت في تقديمك المعلومات القيمة عن الفن الغوطي
صدر حديثاً كتاب من تأليف الكاتبة Diana Drake
وبعنوان (Stealing from The Saracens), How Islamic Architecture Shape Europe
إدعت الكاتبة أن الفن الغوطي مسروق من الفن الإسلامي.
علّقت أنا على الكتاب الذي أشارت إليه إحدى الطبيبات في موقع طبي خاص,  وأدرج البعض من تعليقي:
ليس كل ما يقال يستوجب التصديق, مثلاً "فن الكوثك" الذي تتكلم عنه صاحبة الكتاب لا علاقة له بالفن الإسلامي بل مقتبس من الفن الروماني القديم. ألمعروف أن قبب الجوامع والمنارات مقتبسة من هندسة الكنائس ونظرة بسيطة  إلى كنيسة آيا صوفيا التي حولها محمد الغازي إلى جامع دليل على الهندسة الرائعة التي كانت سائدة في القرن السادس الميلادي أي قبل أو مع ظهور الإسلام. ألكاتبة تحاول ترويج كتابها لذلك اختارت العنوان الذي يجذب العالم الإسلامي لاقتناء الكتاب. تجار اليوم يتاجرون حتى بإسم الله وهنالك من يتبع. رجائي من الاعزاء عدم التطرق إلى ما يتعلق بالدين إلا بعد التأكد من صحة الخبر كي يستفاد الجميع لا أن يتأسف البعض.

ألمفرح أن وجهة نظري أعلاه أيدتها ثلاثة من الطبيبات المسلمات.
سأحاول ان أنقل مقالك التوضيحي على ذلك الموقع زيادة في المعرفة.
تحياتي


غير متصل وردااسحاق

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1208
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • https://mangish.net
رد: عناصر الفن الغوطي في أوربا
« رد #2 في: 15:29 29/09/2021 »
الأخ الدكتور صباح قيا المحترم
بعد التحية
جوابي للدكتورة التي أدعت بأن الفن الغوطي الذي ظهر في القرن الثاني عشر في فرنسا مسروق من الفن الأسلامي عليها أن تبرز لنا نماذج فنية أسلامية تشبه ما موجود في كنائس وأديرة فرنسا ، ثانياً وهل للأسلام فنون تشكيلية ؟
كان لدينا أستاذ لتاريخ الفن في كلية الفنون الجميلة أسمه شمس الدين " تم إعدامه في بداية الثمانينات " لكونه ملحداً وشجاعاً ومناهضاً لسياسة تلك الفترة  وكان يتحدث بدون خوف ، فقال لنا في أحدى محاضراته ( الأسلام حرم كل الفنون التشكيلية ولم يبقى منها غير الخط العربي والزخرفة الأسلامية ، وهذه لا تدخل ضمن أنواع الفنون العالمية ) . إذاً الأسلام هو سبب تأخر الفنون في بلداننا . فنهضت أحدى الطالبات " الرفيقات " وقالت له هذا غير صحيح يا أستاذ . فقال لها كيف تفسرين قول البخاري في صحيحه في باب عذاب المصورين يوم القيامة (7/ 167) رقم (5950):
«إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون» ( هنا يقصد بالمصورين ، الرسامون والنحاتون ) .
وقال البخاري أيضا في حديث رقم (5951) :
"حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أخبره: أن رسول الله ﷺ قال: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
يعني يا دكتور آني أعرف مصيري من الآن أين سأكون .
كما تفضلت في تعليقك ، هندسة الجوامع مأخوذة من الكنائس ، والمنارة مذكورة في سفر الرؤيا ، وللكنائس منارات وقبب قبل الأسلام . لا وبل أقول آلاف الكنائس تحولت إلى جوامع ، كما أقول ، هل جوامع الأندلس الجميلة مهندسيها وبنائيها كانوا مسلمون ؟ ولماذا لم يبنوا أفضل منها في المكة والمدينة ؟
كما أقول لحد اليوم لا يوجد معهد فنون جميلة واحد في بعض البلدان العربية لهذه الأسباب . وفي العراق بدأت النهضة الفنية بعد أرسال الحكومة العراقية في نهاية ثلاثينات القرن الماضي طلاب إلى أوربا لدراسة الفن كجواد سليم وفائق حسن وآخرين وبعد عودتهم أسسوا معهد الفنون في أربعينات القرن الماضي . أخيراً نقول للدكتورة ليس الفن الغوطي فقط مسروق ، بل كل ما يكتشفوه علماء الغرب هو مسروق من مصادركم . والله يسامحك .
شكرا لمرورك دكتور والرب يحفظك