صاحب الحكيم
وسوسيولوجية الشيوعية في النجف
عبد الحسين شعبانما أخطأتك النائبات / إذا أصابت من تحب
الشريف الرضي
لا تُذكر الشيوعية في النجف إلاّ وهي مقترنة بثلاثة أسماءٍ كبيرة، أولها–سلام عادل (حسين أحمد الرضي) الأمين العام للحزب الشيوعي، الذي استشهد تحت التعذيب في العام 1963 على يد إنقلابيي 8 شباط/ فبراير، وثانيها- حسين محمد الشبيبي (صارم)عضو المكتب السياسي، الذي أعدم في العام1949 مع يوسف سلمان (فهد)أمين عام الحزب الذي يعتبر أحد أبرز مؤسسيه والمساهم الأكبر في بنائه، ومحمد زكي بسيم (حازم)عضو المكتب السياسي، وثالثها - صاحب جليل الحكيم (جهاد)، والثلاثة ينتسبون إلى عوائل دينية، فوالد سلام عادل درس في الحوزة الدينية، ووالد حسين الشبيبي الشيخ محمد الشبيبي كان قارئاً للمنبر الحسيني وكان منبره تحريضياً تعبوياً عامراً، أما الحكيم فوالده السيد جليل وشقيقه السيد سلمان وعدد غير قليل من آل الحكيم من سدنة الروضة الحيدرية للإمام علي أيضاً.
وعلى هذا المنوال المتنوع بين الإنحدارات الدينية والتوجّهات المدنية كان المجتمع النجفي يمورُ بالجدل والنقاش و الإختلاف بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وكانت قد انبعثت الروح التجديدية في الحوزة الدينية منذ أن جاءها الإمام الطوسي ملتجئاً في العام 448 هجرية وتوفي فيها في العام 660 هجرية.
وظلت النجف منذ نحو 1000 عام قبلة للعلوم الدينية ومرجعية مرشدةً للدارسين من شتّى الأقطار العربية والإسلامية، مثلما كان وجهها الآخر مشرقاً بالثقافة والأدب والشعر بخاصة. وعلى مرّ العهود كانت الكبرياء تسكنها، فهي مدينة عصيّة على الترويض، ولعلّها تآخت مع التمرد، ولم تستكن في كل الظروف والأحوال، بالرغم من محاولات تطويعها في السابق والحاضر.
وعلى الرغم من أجوائها المحافظة ، إلاّ أن هاجس الإصلاح والتجديد كانا على الدوام في رفقةٍ مع نخبها الفكرية والثقافية المتنوعة.فالنجف بتناقضاتها وجوار أضدادها وروح الجدل التي تحوم حولها تمثّل "الفكر المنفتح في المجتمع المنغلق"،حسب السيد مصطفى جمال الدين كما ورد في كتابه " الديوان" 1995، فباحاتها وجوامعها ومساجدها ومدارسها تضجّ بالدارسين والمنشغلين بالعلوم الدينية واللغة والنحو والفقه والعبادة. حيث مرقد الإمام علي الذي يعتبر مزاراً لعموم المسلمين.وقد خرّجت النجف أعداداً كبيرة من " علماء " الدين من البلدان العربية والإسلامية وأوفدت إليها "علماء" دين يمثلون مراجع " كبار" في النجف.
والنجف مدينة مفتوحة للوافدين والزائرين وهي تقع على طرف الصحراء بالقرب من نهر الفرات المار بالكوفة وهي ملتقى الأطراف المحيطة بها من حضرٍ وبدوٍ ومللٍ ونِحلٍ وفيها أكبر مقبرة في العالم تسمى "مقبرة وادي السلام" وهي رابع المدن الإسلامية بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف وهي دار هجرة الأنبياء ومواطئ الأولياء، فقد نزل فيها النبي ابراهيم الخليل ودفن فيها النبي هود والنبي صالح وفيها انتعشت مدرسة الكوفة التي أبقت باب الإجتهاد الفقهي واللغوي مفتوحاً.
ولعل ذلك أوجد مناخاً متميزاً وأفقاً رحباً في النجف كرّسته بقبول تنوّع التيارات الفكرية والإجتماعية. فلا غرابة أن تكون النجف قد خرّجت شيوعيين كباراً أيضاً، عراقيين بالطبع وعلى المستوى العربي أيضاً من أمثال المفكر حسين مروّة الذي تمّ إغتياله في العام 1987 في بيروت والمناضل محمد شرارة والد الأكاديمية والروائية حياة شرارة والكاتبة بلقيس شرارة، وغيرهم.
وبقدر ما تكون بيئة النجف عراقيةً وعربية أصيلة فإنها كانت مفتوحة لتلاقح الثقافات وتعاشق الأعراق وتآلف اللغات والألسن، دون أن يعني ذلك إخلالاً أو إنتقاصاً من عروبتها وقيمها الحضارية وأبعادها الإنسانية، حيث كانت اللغة العربية لغة الدراسة التي لا يمكن التقدم والتدرج في العلوم الدينية والدراسة الحوزوية دون الإلمام بها وإتقانها.
شريط سينمائي
مرّ شريط سينمائي برأسي وهو أقرب إلى إسترجاعاتٍ و استعاداتٍ، وأنا في آخر زيارة لصديق العمر صاحب الحكيم ( مطلع أيلول /سبتمبر 2021 ) في منزل نجله باسم في بغداد، حيث قفزت إلى الذاكرة أسماء أخرى رنّانة من شيوعيّ النجف، وكان في المقدمة منهم حسين سلطان القيادي والوجه الإجتماعي المحبوب،وحسن عوينة ( الذي استشهد تحت التعذيب بعد انقلاب 8 شباط/ فبراير 1963)،وباقر ابراهيم الموسوي (أبو خولة) الذي قاد التنظيم الحزبي لنحو ربع قرن 1961-1984 قبل تنحيته،ومحمد موسى "حديد" ( الذي استشهد أيضاً تحت التعذيب في العام 1963 ) والدكتور خليل جميل الجواد، صديق العائلة وزميل الدكتورة نزيهة الدليمي والتي كانت قد اختفت بمنزله في النجف في الخمسينيات كما أخبرتني،ومحمد حسن مبارك المرشح للجنة المركزية، والذي عاش في عزلةٍ لأكثر من 10 سنوات توفي بعدها في ظروف غامضة وملتبسة بعد الإنتفاضة الشعبية في العام ،1991 ورضا عبد ننه ( أبو جبّار) الذي توثّقت علاقتي معه بعد إنتقاله إلى حزب القيادة المركزية إثر انشطار الحزب الشيوعي في العام 1967 ودخلت معه في نقاشات مطوّلة ، وآخرين ممن عرفتهم في مرحلة الفتوة الأولى، وتأثرت بالعديد منهم، خصوصاً لسجاياهم الأخلاقية وشجاعتهم، وأولهم صاحب الحكيم .
لقاء الوداع
كان اللقاء الأخير وداعياً، هكذا شعرت وأنا الذي يكره الوداع، فقد كنت أغيب عن أصدقائي وأحبائي حين أشعر بدنوّ منيّتهم، لأنني أريد أن أُبقي في ذاكرتي صورتهم وهم في عزّ قوّتهم، إلاّ أن اللقاء الأخير كان مفروضاً عليّ وحاولت أن أتهرّب منه، وكان صاحب الحكيم قد عرف بزيارتي إلى بغداد وهاتفني مستنجداً، فكيف لي أن أزوغ عن هذا الواجب الإنساني والأخلاقي وأنا الذي عرفته منذ أن أدركتني لوثة السياسة بأحلامها الكثيرة وهمومها الكبيرة، بحلوها ومرّها كما يقال، فقد عشنا منعرجاتها وتقلّباتها وتشعّباتها وتذرّراتها وإحباطاتها، فأين كنّا وأين أصبحنا؟
بعد زيارة لما يقارب الساعة ودّعته مع كلمات مجاملة غصّت في فمي باللقاء قريباً، وهممت بالمغادرة. حين وصلت باب المنزل عدت لألقي عليه نظرة الوداع. صعدت السيارة بجوار ولده باسم وكنت أشعر بحشرجةٍ داخليةٍ أخذتني إلى عالم آخر أقرب إلى الخيال أو التوهّم، حيث بدأت الذكريات تتقافز في رأسي وتمطرني بزخّاتٍ من الأسئلة. كيف لك أن تودّع صديقاً مثل صاحب الحكيم؟ وكيف طاوعك قلبك وراودتك نفسك لدرجة إنفجرت تلك العواطف الإنسانية بشيء أقرب إلى النحيب، "فما قيمة فضيلتي إن لم تجعل منّي إنساناً عاطفيّاً؟"على حدّ تعبير الفيلسوف نيتشة.
لا أدري بمَ تمتمتُ وأنا أهّمّ مسرعاً نحو مدخل فندق بابل. لحظتها استعدت بيت شعرٍ للصديق السيّد حسين هادي الصدر، والذي بقيت أردّده يومياً طيلة الأسابيع الثلاثة المنصرمة حتى جاءني خبر وفاته الذي نزل عليّ كالصاعقة (25 أيلول/سبتمبر 2021) ، وهو الذي يقول فيه :
سيف المنايا مرهفُ الحدّ / يُردي ولا نقوى على الرّدِّ
وفي اللّاوعي كنت أقرأ الفاتحة على روحه صباحاً ومساءً، مستعيداً الجواهري الكبير في قصيدته المهداة إلى صلاح خالص- أأخي أبا سعد:
فالمرء مرتطمٌ بحفرته / من قبل أن يهوى فيرتكسا
أو كما يقول في قصيدته المهداة إلى الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة السورية السابقة وهي بعنوان أسيدتي نجاح :
يظلّ المرء مهما أخطأته / يدُ الأيام طوع يد المصيبُ
أو بيت الشعر المشهور من قصيدته الإستذكارية للشاعر الرصافي 1959:
ذئبٌ ترصّدني وفوق نيوبه / دمُ إخوتي وأحبتي وصحابي
هكذا هي الحكمة الأبدية "فالموت يدرك كلّ ذي رمقٍ" وهو ما ورد في القرآن الكريم حيث تقول سورة الرحمن – الآيتان 26 و 27 " كلّ من عليها فان. ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام".
"أبو زمن" و الوعي الأوّل
بُعيد ثورة 14 تمّوز / يوليو 1958 وفي بدايات تكّون وعيي الأول بحكم إنتماء العائلة اليساري، وفي غُمرة الإبتهاج بالتغيير إلتقيت بصاحب الحكيم، الذي كان يُكنّى بأبو زمن وذلك بعد الإعلان عن تأسيس لجنة تحضيرية لإتحاد الطلبة العراقي العام وكان هو على رأسها، حيث أُعيد إلى الدراسة بعد أن فُصل منها لخمسة أعوام ( طالباً في الصف الثالث المتوسط – المسائي). واختارت اللجنة مقرّا علنيا لها في إحدى المقاهي في شارع نادي الموظفين بين متوسطة الخورنق وإعدادية النجف. وبعد الإنتخابات التي كانت حامية الوطيس أصبح الحكيم رئيساً للإتحاد ومثّله في المؤتمر العام الأول ( بعد المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في ساحة السباع في 14 نيسان / إبريل 1948). وتغير إسم الإتحاد إلى " إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية".
كان الحكيم (أبو زمن) عضواً في الوقت نفسه في مكتب اللجنة المحلية للحزب الشيوعي التي يقودها محمد حسن مبارك ، وفي نهاية العام 1959 ومطلع العام 1960 أصبح سكرتيراً للجنة المحلية وعضواً في لجنة منطقة الفرات الأوسط .
في فترة الخمسينيات كان يتردّد على بيتنا هو وبعض المسؤولين الحزبيين لإداء عدد من المهمات الحزبية حيث كان مشرفاً على اللجنة الطلابية التي ضمّت محمد موسى ( مسؤولاً) ورحيم الحبّوبي وشوقي شعبان وعبد الزهرة الحلو وكان معهم قبل ذلك عبد الرضا فيّاض الذي حكم عليه لمدّة عام وعام آخر تحت المراقبة إثر إنتفاضة العام 1956 انتصاراً للشقيقة مصر وضد العدوان الثلاثي الإنكلو- فرنسي الإسرائيلي.
وعاش شيوعيو النجف بكل جوارحهم حالة إنشقاق ( راية الشغّيلة)بكل تفاصيلها،حيث انشطر الحزب الشيوعي إلى جناحين( القاعدة و راية الشغيلة) وقد توالى على مسؤولية اللجنة المحلية التي تضمّ النجف وكربلاء حمزة سلمان الجبوري الذي استشهد عام 1963، وكان قد اعتُقل لإتهامه بأحداث الموصل إثر حركة العقيد عبد الوهّاب الشوّاف (آذار / مارس 1959)، وأُعدم بعد إنقلاب 8 شباط / فبراير. وقد استلم مسؤولية اللجنة المحلية بعده صالح الحيدري وهو من عائلة كردية معروفة وشقيق الشهيد جمال الحيدري الذي استشهد تحت التعذيب في تموز/ يوليو 1963، وكان حسين سلطان من الذين تولوا مسؤولية اللجنة المحلية لأكثر من مرة، وبعد تحقق وحدة الحزب لم يستطع سلطان إستيعاب التغيير المفاجئ، خصوصاً ما كان من خصومة وعداء واتهامات وتراشق بين الفريقين المتصارعين التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى مودة ورفقة وتضامن ومبدئيةٍ ، فاعتذر عن المسؤولية وسلّم قيادة اللجنة المحلية إلى صاحب الحكيم لفترة مؤقتة شهدت إزدهاراً ونمواً واتساعاً للحركة الشيوعية .
أبو بشائر وأسماء أخرى
أخذنا نسمّي صاحب الحكيم "أبو بشائر" بعد ولادة إبنته البكر بشائر( المهندسة حالياً )، وبعد زواجه من الشيوعية فهيمة عمران الدجيلي العضوة في رابطة المرأة والتي اعتقلت في العام 1963، وكان إسم أبو بشائر يتغيّر باستمرار إلاّ للخاصّة والأصدقاء المقربين، فحين عمل في منطقة بغداد كان إسمه "أبو محمد" وفي سوريا أطلق على نفسه "أبو سعدون" وحين إلتقيته في طهران وأنا عائد من مجزرة بشتاشان أبلغني أن إسمه "أبوهادي"، وهكذا، وعلى الرغم من أنه عمل في قطاعات تنظيمية مختلفة فتارة مسؤولاً للمثقفين وأخرى مسؤولاً عن محليّة الكاظمية ومنظماتٍ أخرى،إلاّ أنه ظلّ يتابع أوضاع الطلبة وحركتهم وكانوا أحد مشاغله أيضاً ، و بقي على هذه الحال لسنوات غير قليلة، ولاسيّما بعد خروجه من السجن وانتقالنا إلى بغداد، وحاول الإتصال بعدد من الطلبة الذين يعرفهم في الجامعات، وخصوصاً بعد الإنشقاق الذي حصل في الحزب العام 1967 ، فانتدبته إدارة الحزب للمشاركة في تعزيز التنظيمات الطلابية والإشراف على هذا القطاع المهم الذي كان في غالبيته الساحقة مع مجموعة القيادة المركزية بإدارة عزيز الحاج، وهكذا ساهم مع كوكبة لامعة لإعادة بناء إتحاد الطلبة والتنظيمات الحزبية.
وحتى خلال فترة إدارته للتنظيم في دمشق، طلب منّي الإشراف على عقد كونفرنس طلاّبي لإختيار قيادة لجمعية الطلبة العراقيين في سوريا، وذلك بحكم تجربتي الطويلة في هذا الميدان. وقد اصطحبت معي الشاعر سعدي يوسف الذي خاطب الجمع الطلاّبي إنطلاقاً من تجاربه المهنية والفكرية، واختارت الجمعية قيس حسن الصرّاف رئيساً لها.
أوّل سجن
إثر إنتفاضة العام 1956، كان الحكيم قد اعتقل عدّة مرات في الخمسينيات، لكنه سُجن لأول مرّة لمدّة عام حيث اعتقل في بغداد، وبعد الحكم عليه نقل إلى سجن بعقوبة، والتقى لأول مرّة بالرفيق عزيز محمد في السجن والذي سيصبح أميناً عاماً في العام 1964 ويستمر في موقعه ل 29 عاماً، وحين أُطلق سراحه نُسّب للعمل لقيادة منظمة الشامية ومنها إلى الحلّة (لم يستمر فيها) وعاد لقيادة محليتها في العام 1962 ، حيث اعتقل فيها، وحكم عليه لمدّة سنتين تنقّل خلالها في سجون عديدة منها سجن بغداد المركزي وسجن الحلّة وسجن نقرة السلمان وسجن الرمادي حيث شكّل لجنة لقيادة السجن ضمّت يوسف حمدان وكمال شاكر وزهير الدجيلي.
وبعد لقاءات مستمرة أغلبها عامة وبعضها خاصة إلتقيته آخر مرّة قبل إنتقاله إلى قيادة محليّة الحلّة وذلك خلال زيارة سريعة لشقيقه سلمان الحكيم، وبعدها انقطعت أخباره بالنسبة لي بتردّي الأوضاع السياسية واتجاه الزعيم عبد الكريم قاسم للإنفراد بالحكم وإتّباعه أساليب دكتاتوريّة وقمعيّة، ثمّ إلتقينا في المعتقل بعد 8 شباط (فبراير) 1963 لتتوطّد علاقتنا وتبدأ صداقة حميمة بيننا لم يفرّقها سوى الموت.
عائلة الحكيم
بودّي أن أتوقف هنا للحديث عن عائلة الحكيم، فشقيقه الأكبر السيّد سلمان من الشيوعيين الأوائل البارزين في النجف وقد اعتقل عدّة مرّات ومثله الشيخ وهاب شعبان وهما من سدنة الروضة الحيدرية للإمام علي، وكلاهما نالا قسطاً وافراً من التعذيب والتنكيل. وكانت المرحلة الأولى للحركة الشيوعية النجفية قد بدأت إرهاصاتها في مطلع الأربعينيات، ويدون كتاب الصديق محمد الشبيبي عن والده الموسوم "الرائد علي محمد الشبيبي - ذكريات التنوير والمكابدة" محطات التأسيس الأولى.
أما شقيقه الثاني، فهو السيّد ناجي فقد سجن بعد 8 شباط/ فبراير1963، وبعد إطلاق سراحه عمل في لجنة محلية الكرخ لغاية العام 1970 وقد اعتُقل في قصر النهاية. وأخته العلوية زهوري هي زوجة الرفيق حسن عوينة الذي استشهد في العام1963، وكان حينها عضواً في لجنة الإرتباط لتنظيمات الحزب مع الألوية (المحافظات) والمكاتب في إطار"لجنة التنظيم والرقابة المركزية "(لترم)،ووالدته العلوية زكيّة عملت كمراسلة لأكثر من مرّة بتكليف من الحزب الشيوعي. ففي كامل مرحلة الخمسينيات كانت تزور السجون العراقية للقاء المعتقلين من أبنائها، فما أن يخرج واحد حتى يدخل آخر وهكذا. وكانت والدته وشقيقتاه عضوات في رابطة المرأة العراقية بعد ثورة 1958.
أما والده فعلى الرغم من كونه يعمل مرشداً في حضرة الإمام علي، إلا أنه كان متعاطفاً مع اليسار مثله مثل العديد من سدنة الروضة الحيدرية من آل الحكيم وآل الرفيعي وآل الخرسان وآل شعبان وغيرهم، إضافة إلى عوائل دينية معروفة مثل آل الشبيبي وآل سميسم وآل الجواهري وآل بحر العلوم وآل الدجيلي وآخرين، وحين اعتقلت زوجة الرفيق محمد حسن مبارك في الحلة قاد السيد جليل الحكيم وفداً لإطلاق سراحها، فإلتقى بالسيد محسن الرفيعي مدير الإستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع وطلب منه التدخل لدى الزعيم لإطلاق سراحها ونجح في مهمته وهو ما ترك أثراً طيباً لدى النجفيين. جدير بالذكر أن منزل السيد جليل الحكيم هو الذي استضاف أول كونفرنس للحزب بعد الثورة في منطقة الفرات الأوسط حضره سلام عادل وهو ثاني لقاء بين صاحب الحكيم وسلام عادل كما أخبرني .
وعلى ذكر سلمان الحكيم فقد كان صديقاً لوالدي عزيز شعبان، وقد رفض جميع المغريات خلال فترة الجبهة، وبشهامة منقطعة النظير وبمروءة عالية استضاف صاحب الحكيم لعدّة أشهُر حين تسلل الأخير إلى بغداد في العام 1983 لإعادة التنظيم وتلك قصّة درامية أخرى، لا يتّسع المجال لذكرها في هذا المقام.
وكان السيّد سلمان الحكيم بعد العام 1958 عضواً في لجنة مختصّة بالوسط الديني مؤلفة من الشيخ باقر الفيخراني والسيد نوري الموسوي وهما خطيبان منبريّان والسيد أحمد الحكيم (نجل السيد سعيد الحكيم البصراوي ) والشاعر عبد الحسين أبو شبع الذي كان عضواً في الحزب قبل ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 وإسمه الحزبي "علي"، وتتبع هذه اللجنة أكثر من خلية وحلقات أصدقاء ومتفرقين يتوزعون على خدم الروضة الحيدرية والحوزة الدينية وقرّاء المنابر الحسينية وأصحاب المواكب، وكان بعضهم من أنصار السلام . وكانت النجف تعرف تاريخهم أذكر منهم الشيخ حبيب سميسم ومحمد مصطفى الحكيم (الذي سبق له أن إلتقى بفهد) وحسن الحكيم ( الذي استشهد عام 1979 ) وثلاثتهم كانوا معتقلين معنا في خان الهنود والشيخ مجيد زيردهام والشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء والشيخ ابراهيم أبو شبع وعدد من مرشدي حضرة الإمام علي من العوائل التي جرى ذكرها وهي تابعة للجنة المثقّفين، وكان لولبها السيد سلمان الحكيم الذي يملك "فندق النجف" في دورة الصحن الشريف، وبالقرب منه محل والدي المستأجر من صالح معلّة بعد أن انتقل من (السوق الكبير) لفترة قصيرة، ثم عاد إليه في العام 1959.
وكان بجوار الفندق أيضاً آل سنجر ومحلّهم المعروف لبيع ماكينات الخياطة، ومصطفى الأطرقجي الملقّب "أبو الزوالي – محل لبيع السجاد" ويقترب منه دكّان سهل الخيّاط ( المبالِغ في يساريته) وهو والد جواد الطالب الذي كان معنا في الحزب الشيوعي وهو خال علي ناجي بر، وبين هذا الوسط كان السيّد خلف الحبوبي وتعليقاته على لقاء عفوي يجمع من يريد الإطلاع على جريدة " إتحاد الشعب" أو تصفّح بعض المجلّات السوفيتية مثل المدار وصحف مثل أنباء موسكو ومنشورات وكالة نوفوستي. وكان يشير بإصبعه إلى الخط الأحمر، لكن هذه اللقاءات التي استمرّت لأشهر سرعان ما انقطعت بعد تدهور العلاقات السياسية.