في اثناء الحرب العالمية الاولى قاد اغا بطرس حركة عسكرية من تركيا الى ايران ثم العراق ،ثم أصبحت سياسية ذات اهداف محددة. عمل أولاً بجانب مار بنيامين الى ان أُغتيلَ الاخير بسبب سياساته ،من قبل الاكراد.
ثم تعكرت الأمور بين آغا بطرس ايليا البازي و بين كنيسة المشرق ( النسطورية) التي مَلَكَها البطريرك الصغير-ايشاي- آنذاك بسبب تولّي عمته سورما أمور الكنيسة و السياسة معاً و بما انها مالت للانكليز فقد توسعت سيطرتها في كلا الاتجاهين.
خلق العداء العشائري القديم في تياري و سيطرة سورما على كل أمور الطائفة، تشققاً و انشقاقاً قاده خوشابا التياري الذي حارب بجانب اغا بطرس سابقاً و تباينت آراءه تجاه الكنيسة.
أُرغِمَ بطرس إيليا البازي على الانسحاب من المشهد و نُفيَ و أُغتيلَ… بقيت الكنيسة بقيادة سورما ممثلة البطريرك اليافع في المحافل العراقية و الانكليزية … و انشقَ خوشابا التياري عنها و انتمى لكنيسة شقيقة ثم اخرى. بقيت الكنيسة هي الممثل السياسي للشعب.
وفي 1933 حدثت مذبحة سميل بسبب السياسات المتناقضة بين طرفي تياري و سكن قسم من قبائل الاثوريين سوريا و أسسوا هناك قراهم و ابتعدوا عن المشهد العراقي و القومي في العراق.
و طُردَ البطريرك و معه طاقم الكنيسة من عمته و والده و أقاربه و بقي الملعب خالياً، و انتهت مرحلة إعادة بناء شعب ممزق بتمزيق الشعب الى ملل و طوائف.
بقي خوشابا التياري وحيداً و ارتمى في ملعب غير ملعبه القومي
و انتهت مرحلة الكنيسة و السياسة .
في 1968 نشأ الاتحاد الاشوري العالمي على انقاض هذه الاحداث مع أنه تأسس من اغلبية إيرانية و فكرة اشوريي ايران و في المهجر إلا أنه ضمَ او جذب أبناء قيادات قديمة هاجرت بعد نفي بطرس آغا و احداث سميل و استقرار بعض جماعة ياقو ابن اسماعيل التياري المناهض لخوشابا في سوريا.
حاول الاتحاد استمالة الكنيسة اليه، يبدو انه لم ينجح لأن الكنيسة منذ نفي البطريرك و سورما خانم ابتعدوا عن السياسة و سكنوا اميركا الحرة و تناسوا مصير العراق و شعبهم هناك ( مرغمين او ربما خائفين من الغوص في سياسة جديدة مع الحكومات العراقية )
الا ان الاتحاد الاشوري لم يتوقف عن جر الكنيسة للسياسة
في 1970 يعود مار ايشاي للعراق لكن في زيارة و ليس للاستقرار، لم يقبل وعود البعث في العمل معاً سياسياً لإسقاط الحركة الكردية المتزايدة.
كانت عشائر تياري العليا مازالت معه تسانده منذ نعومة اظافره و رؤساؤها يلتفون حوله بل ربما أيضا يتدخلون في اموره ، عكس العشيرة الأخرى من تياري السفلى التي بقيت قيادتها في العراق و التي عادت البطريرك منذ طفولته و عرفت من اين تؤكل الكتف و استمالت للحكومة العراقية ( مهما كان نظام او اسم الحكومة )
في 1964 أسس ذلك القسم الثاني من تياري كنيسة جديدة (يدعون انها قديمة و اصلية ) بدعم من الحكومة و انشقت الكنيسة الى نصفان رسمياً بعد ان كانت منقسمة منذ اوائل النزوح للعراق ولو بشكل غير رسمي.
في 1975 احد أبناء تياري المقربين لمار ايشاي يغتاله، البعض اتهم الاتحاد الاشوري ، الاخر اتهم البعث، المهم ان مار شمعون قُتلَ و انتهت فترة التوارث في البطريركية لكنها يبدو لم تنتهِ في الكنيسة! و بدأت محاولات تسيييس الكنيسة من جديد و بحسب البعض تم إختيار بطريرك جديد نزولا عند هذه الرغبة
و تبين ذلك مع تبني الكنيسة لاسم قومي لها لتأييد الرأي فيما قد حدث و ان الكنيسة عادت لتكون روحياً و سياسياً هي المسؤولة عن الشعب
و أُقحمتْ الكنيسة من جديد في السياسة لكنها لم تكن تملك نفوذاً وسلطةً إلا في اميركا حيث مقرها و تواجد العدد الاكبر من مؤمنيها هناك.
بقيت كنيسة المشرق الاشورية ذات نفوذ محدود و بعيدة عن المشهد القومي و السياسي في العراق
في منتصف السبعينات نشأت أحزاب و قوى سياسية قومية اشورية في العراق، بعيدة عن العشائرية و عن الكنيسة التي ما عاد لها دور في العراق البعثي الا دينياً ، منها من هو موالي للحكومة و منها من هو معارض
في ظل هذه الاحداث لم تتدخل كنيسة الكلدان في السياسة مطلقاً لا من قريب و لا من بعيد بل اختارت الجانب الاسلم من مخالب الحكومة و هو الجانب الروحي التعليمي.
بعد انتفاضة ٩١ في الشمال ظهرت للعلن الحركة الاشورية -زوعا - كتنظيم اقوى من تنظيمات شعبنا ( ولو لم يكن للبقية وجود يذكر )
تباينت مواقف الكنائس في الشمال من الحركة ولو ان اغلبها لم يدعمها على الأقل في العلن الى منتصف التسعينات بعد الإنجازات المتكررة و خاصة في تعليم اللغة في المدارس و عمل اللجنة الخيرية و قبول الحركة فيما بعد في مؤتمرات المعارضة العراقية الرسمية و انضمام او دعم قيادات من الطائفة الكلدانية و السريانية اليها
حاولت الحركة استمالة الكنيسة لجانبها لكن دون إدخالها في السياسة، و كان الامر صعبا بدون وجود قيادات حكيمة تعرف التعامل مع رجال الكنائس و استمالتهم لجانبها، نجحت الى حد كبير في كسب ود معظمهم على الاقل منذ نهايات التسعينات.
في ٢٠٠٣ عقد اول واكبر واهم مؤتمر قومي في بغداد، دعيت اليه الكنائس ، و هنا بدأت الكنائس تشعر بخطر السياسيين عليها من اخذ زمام الأمور منها او كان خوفاً على نفسها من التعامل مع السياسة التي كانت غائبة عنها منذ زمن !! فبعد ان باركت الكنائس مقررات المؤتمر و أهمها تسمية الشعب و اللغة ، انسحبت فجأة ، لتضرب خنجراً في صدر المؤتمر و مقررات تهم الشعب في مرحلة حرجة ربما كانت ستكون مفترق كبير في حياة امة.
بعدها بفترة و في عام 2005 تمردَ المطران باواي سورو على كنيسته الام و فُصِلَ منها في 2007 ثم انتمى للكلدان.
إتهم البعض، بعض قياديي زوعا في الولوج في تلك الاحداث، خاصة بعض قيادات المهجر الأمريكي بدعم من زوعا بغداد!
بعدها حدث صدع كبير في علاقة الكنيسة بزوعا و ابتعدت عن تأييدها و بدأت زوعا تشعر انها خسرت عموداً كبيراً في خيمتها
لكنها لم تعد تعرف الطريق الصحيح لإستمالة الكنيسة اليها و ساءت الأحوال مع تناقص شعبية زوعا بعد 2007 و بروز شخصية سركيس اغاجان و تأسيسه للمجلس الشعبي.
استطاع سركيس مامندو كسب ود كل كنائس شعبنا ،و اصبح المجلس الشعبي مباركاً ولو لفترة من قبل الكنيسة بينما استمرت قيادات زوعا في فشلها لكسب ود الكنيسة - الا الكنيسة الشرقية القديمة- التي بقيت في بغداد و بقي مؤمنيها من أبناء تياري السفلى منتمين لزوعا و مؤيدين لها
بعد سنوات قليلة اختفى سركيس مامندو عن الساحة فجأة و اختفى معه التأييد الكنسي للساسة او بالاحرى للسياسة.
بعدها حاولت زوعا التمسك بقشة ما
وجدت ضالتها في قناة فضائية يملكها احد اشوريي ايران في اميركا، حيث انه لم يكن يملك سياسة واضحة او كادر اعلامي في قناته، لكنه امتلك المال الإعلامي، و إلتفَّتْ عليه قيادة زوعا و حشَّدته بأخبار زوعا و دعايات زوعا و دسَّت له بكوادر زوعا في القناة، و طبعاً كانت السياسة ضد كنيسة معينة، فوضحت تلك الصورة من خلال الإعلام الجديد لزوعا، و بالمقابل أيضاً اتخذت الكنيسة تلك سياسة مماثلة مما اتخذته مع قيادات زوعا، بالتعارض مع هذه القناة او الواجهة الإعلامية لقيادة زوعا المستحدثة بعد 2010 و ازدادت المشاحنات بين هذه القناة ( رؤية زوعا ) و هذا القسم من الكنيسة حتى وصلت الأمور الى تحريم العمل في القناة من هذا الطرف و التنكيل برؤساء كنيسة المشرق الاشورية من ذاك الطرف. مما عكس وجهة نظر مسيّري زوعا تجاه هذه الكنيسة ووجهة نظر كنيسة المشرق تجاه قيادات زوعا بعد 2007
ووجدت زوعا نفسها تنطمس في نفس المياه العكرة مرة أخرى لكن هذه المرة اكثر انغماساً و تورطاً بسبب ضعف وجود زوعا و ضعف سياسة و قيادة زوعا هذه المرة.
هذا كله و ضعف او انعدام وجود قادة حقيقيين في الميدان من كل التنظيمات فسح المجال للكنيسة الكلدانية ان تدخل ضمار الحقل المدني كرد فعل لافعال عديدة الا انها كانت تلجّ تارة و تسحب نفسها تارة، ثم ادت الاوضاع هذه لتدخل كنيسة المشرق الاشورية من باب واسع لتولّي زمام أمور الشعب من جديد مع تضاؤل وجود و دور الكنيسة الشرقية القديمة في العراق (مع ان تواجدها الأكبر كان في العراق ).
و بما انّ قيادة زوعا كانت متوغلة اكثر في ضمان كسب ود الكنيسة القديمة اليها، وجدت نفسها في مفترق طرق خطير بعد ان عاد كرسي كنيسة المشرق الاشورية للعراق ولكن! ليس في بغداد الموجودة قيادة زوعا فيها منذ ٢٠٠٣ و المتواجد فيها كرسي الكنيسة الشرقية القديمة، و لكن عاد الكرسي في الإقليم حيث الاكراد الذين لم تعرف قيادة زوعا بعد٢٠١٠ كيف تكسبهم لصفها او تسايرهم سياسياً بل أظهرت سلبية في سياسة الاخذ و العطاء معهم إما تودداً للشيعة او ظناً منها ان حكومة بغداد افضل لها لكسب القوت اليومي.
هذه السياسات الضعيفة و الخاطئة فتحت الباب الان لكنيسة المشرق الاشورية على مصراعيه لإعادة التنفذ في أوساط الشعب سياسياً ، فاذا كان البطريرك الجديد و من يقف خلفه بذكاء حاد، سيسحبون آخر الأمتار المتبقية من البساط من تحت اقدام زوعا و بالتالي التنظيمات الاخرى الأصغر، خاصة ان معظم رجالات كنيسة المشرق الاشورية الان من نفس الانتماء العشائري المناطقي و يشاركهم بعض قيادات البارتي الاشورية السابقة المتنفذة .
هكذا كانت العشائرية و المناطقية دائما متغلغلة في الوسط الاشوري إبان الاستقرار في العراق و من ثم انشقاق الكنيسة النسطورية و بعدها في تكتلات الكنيستين بعد الالفية الثانية خاصة و في التنظيمات السياسية مما اهلك الشعب و القضية سابقا و اهلكها مؤخرا.
ظهرت بوادر هذه التخبطات و التكتلات عند تنصيب مار اوا بطريركا و هو الذي كانت قنوات زوعا الإعلامية تعاديه و كانت مفاجأة لم ترغب بها قيادات زوعا و لم تتوقعها، حتى إختُلقَتْ مسألة حساسة عند تنصيب مار اوا من قبل مطران الكنيسة القديمة المدعو للحفل..و المصادفة المُعَد لها مُسبقاً انه بثَّ مشكلته علنياً على الهواء من خلال قناة انترنيتية مباشرة بعد التنصيب و انتقد كنيسة المشرق بمحاولة تغييبه في رسامة البطريرك، و بث كلامه من داخل قرية مؤيدة لزوعا و منتمية لكنيسته حتى ان احد منتسبي زوعا هو من كان يرتب للقاء فيما بدا من خلال البث الحي و اصر المطران على انه خطأ متعمد و كأني به يريد تأجيج الصف الموالي له او بالعكس.
ثم رأينا كيف حاولت زوعا استغلال الحدث و طار قيادييها الى بغداد لإستقبال المطران المستاء ( او قد يكون مستاء لقضايا شخصية لا نعلم ) ، ثم حضرت قيادتها مراسيم تنصيب مطران بغداد للكنيسة القديمة كإعلان اعتصام و رد فعل ضد تكتلات كنيسة المشرق
ردود الفعل هذه كانت حاضرة في خطاب المطران مار ياقو في مدحه لحكومة بغداد رداً على كلام مسؤولي كنيسة المشرق يوم تنصيب البطريرك في مدح حكومة الاقليم. و هذا يعيد للاذهان ما حدث في ستينيات القرن الماضي.
وهذا يشبه توجه قيادة زوعا في الميل لبغداد على حساب الإقليم الذي يضم غالبية سكان شعبنا
و قد يكون خطاب كلتا الكنيستين مسيساً من قبل البعض، والله أعلم
المهم نلاحظ كما في السابق محاولة إقحام الكنيسة في السياسة من قبل بعض ممارسي السياسة لتغليب كفتهم على خصومهم
و نرى إقحام السياسة في الكنيسة من بعض رجالات الكنيسة مجدداً مما سيخلق طرفي نزاع احدهما مع المركز و الاخر مع الإقليم بدلاً من استغلال ذلك بالتنفذ في كلتا المنطقتين لمصلحة الشعب و القضية المنهكة.
هنا يستحضرني كلام احد أعمدة زوعا الذي سقط فيما بعد في نظر القوميين ، السيد نينوس بثيو عندما ذكر في مقال له انه في فترة ما حرجة من حياة زوعا كان لا يحبب و لا يؤيد استمرار القائد الحالي لزوعا لانه لا يملك حنكة في التعامل مع الكنيسة بل قيادي اخر اكثر حنكة و حكمة في ادارة هذه الامور، طبعا لم تتغير القيادة و سارت الأمور نحو الأسوأ بعدها و ساءت علاقة زوعا مع اغلب الأطراف و خاصة الكنيستين الكلدانية و المشرق الاشورية.
لن نتكلم هنا عن دور الكنيسة الكلدانية في السياسة في اخر ١٠ سنوات لانها لم تؤمن يوماً بالسياسة في الكنيسة لكنها أُجبِرَتْ في أوقات ما للولوج اليها ثم الخروج منها بسرعة كل مرة و هذا موضوع اخر سيطول.
اتوقع دور كبير لكنيسة المشرق في الاقليم في غضون الخمس سنوات القادمة خاصة اذا عملت مع الكنيسة الكلدانية و اقتدت بعملها في الاقليم في العشر سنوات الاخيرة علمياً و ثقافياً و روحياً. الا اذا ظهرَ تنظيم سياسي جديد بكوادر مثقفة سياسياً و هذا استبعده حالياً.
ماجد هوزايا
2021