الكوتا المسيحية المريضة
لم تكن الانتخابات العراقيّة الآخيرة سوى تسجيل لواقع يتمثّل في تراجع مُلفت للحضور المسيحي على كل الأصعدة، جاءت الانتخابات لتقول أنه لم يعد هناك من يهتم بهذه العملية بالأساس ولا حتى من يمثلهم داخل البرلمان، لهذا العزوف وعدم المبالاة أسبابه الكثيرة ربما في وقت آخر نشرحها بمزيد من التفصيل.
استحوذت قائمة بابليون على أربعة مقاعد من أصل خمسة مخصصة للمسيحيين تدعى كوتا أي (حصة)، فرزها الاحتلال الامريكى في العام 2003، حصل ذلك أم لم يحصل لا يُغير من المعادلة السياسية داخل قبة البرلمان العراقي بشيء، ماذا تستطيع أن تقدم خمسة أصوات قبالة 329 صوت، ليست سوى ذر الرماد في العيون لا أكثر ولا أقل، أو نوع من الدعاية والبروباغندا يحتاجها العراق في المحافل الدولية مفادها أن الأقليات لهم من يمثلهم في البرلمان، هل لهم قوة ونفوذ، هذا لا يهم كثيرًا.
جاءت الانتخابات النيابية الآخيرة لتثبيت هذا الفشل الذريع لكل هذه القوى السياسية المسيحية والتراجع الكبير لها، بدءاً من الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) الذي إستطاع أمين عامها يونادم كنا تحويلها إلى مزرعة خلفية له يتحكم بمفاصلها كيف يشاء، دون لا محاسبة ولا رقيب، مرورًا بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، الذي فقد زخمه وحضوره السياسي والاجتماعي في السنوات القليلة الماضية، الاسباب وراء ذلك عديدة، ولكن أهمها هو سقوط الموصل والمناطق المحيطة به في يد تنظيم داعش، مما سبب خلل في الموازين على أرض الواقع، ابرزها عملية الهجرة الجماعية خارج الوطن في تلك الفترة وما تلاها، وشبه انتهاء بما يعرف بقوة الحراسات.
لا يختلف إثنين على أن مرشحوا قائمة بابليون الأربعة حازوا على الأصوات من خارج صندوق المكون المسيحي، من أين جاءت كل تلك الأصوات من الناصرية والبصرة والعمارة وغيرهم، إذا لم يكن هنالك حضور مسيحي يذكر. هذا جزءً من الفساد والتزوير وشراء الذّمَم والاصوات الذي شابّ العملية الانتخابية.
كتائب بابليون التي يتزعمها ريان سالم الكلداني جزء من فصائل الحشد الشعبي وهم بالأصل ميليشيات تابعة مباشرة ل الجمهوريّة الإسلاميّة، وتأتمر بأمرها، ولولا الدعم الشيعي له ما كانت الكتائب لتبصر النور ولا أن تلعب هذا الدور الذي يزداد نفوذًا مع تراجع باقي الحركات والأحزاب المسيحية العراقية، لكن يبقى السؤال الأكثر خطورة، ماذا يستطيع أن يقدم شخص مثل ريان الكلداني مدرج على لائحة قائمة الإرهاب الدولية أن يقُدم للبلد، غير الإرهاب والفساد والسرقة، من المؤكد إن نوابه الأربعة على نفس الشاكلة.
على الرغم من ذلك كله كان الحضور المسيحي خجول في الانتخابات البرلمانية، وهذا يعكس مدى عزوف الفرد المسيحي من ناحية ومن ناحية أخرى عدم ثقته بالمرشح المسيحي بالأساس، وهذا يتحمل جزءً كبير منه يونادم كنا نفسه، الذي جاء على ظهر الدبابات الأميركية في العام 2003، حيث لم يستطيع بلورة أي رؤيا سياسية ذات أفكار جديدة، أو أستطيع أن ينجز شيءٍ يذكر، من ذلك الوقت وحتى أيام قليلة خلت، ثمانية عشر عامًا لم يتمكن من خلالها أن يفعل أو أن يقدم أي شيء، فكانت النتيجة النهائية تكريس لمفهوم القطيعة مع كل ما يمت بصلة للسياسة ورجال السياسة إذا كانوا على مستوى كنا وغيره.
وحده الوقت سيكشف هل النواب الأربعة الجُدد يستطيعون خلق صورة جديدة مُغيرة عن الأولى، أم هم مجرد ذراعًا للحشد الشعبي تُحرك خيوطها طهران.
يظل هناك ما هو أبعد من الانتخابات العراقيّة، هو مصير مكون أساسي كان له جذورًا عميقة في التربة العراقية، أين هو حضوره وما هو مصيره، أم إنّ الهجرة نخرته في الصميم ولم يعد له أيّ حضور يذكر. هذا هو السؤال الكبير الذي يجب أن يطرح اليوم.