"الحلم بالسفر والهجرة....الفئات المهاجرة .... أين الحقيقة .... !؟"
أن حلم السفر والهجرة للبلدان الأوربية وأمريكا واستراليا وكندا ونيوزلندا والدول المتقدمة , هو مطلب وحلم للكل.....ما هي الأسباب والضرورات....طبعا الجواب معروف وموجود وجاهز ومن السهل الإجابة عليه وبكل بساطة ... فالأمان والتقدم العلمي والاستقرار الأمني والوضع الاقتصادي الأفضل والعيش بكرامة والحرية والإنسانية ووووووو .......الخ.
وستجد الكثير من الأسباب الحقيقية منها والمبالغ في البعض منها .
ولكني لست بصدد هذا الموضوع وما اهتم به هنا هو متى يكون اتخاذ قرار السفر والهجرة صحيح ومناسب ؟ هل أن كل من هاجر إلى هذه البلدان أصبح سعيدا ووصل إلى الجنة الموعودة وحقق الحلم المنشود !؟....إن الإجابة على هذا السؤال ستكون ........ ( كلا).
فالكثير ممن هاجروا تجدهم قد مروا بفترة اسميها بشهر أو أشهر العسل التي يكون فيها مبهورا بما يراه من تقدم وحضارة ونظافة ويكون فرحا بالمساعدات التي قد يتلقاها , طبعا باختلاف الدول المستقبلة ففي بعض الدول تكون المساعدات مستمر إلى اجل غير مسمى وطبعا بشروط وقوانين صارمة والبعض يتحايل على القانون ليحتفظ بتلك المساعدات , وتجد دولا أخرى تتوقف مساعداتها بعد أشهر قليلة وطبعا تلك المساعدات تختلف بحسب العمر والحالة الاجتماعية. فالأعزب تختلف مساعداته عن العائلة والعائلة التي لديها أطفال تكون مساعداتها مختلفة أيضا. أن ما يحدث بعد تلك الفترة من تغيرات وتأثيرات تكون مختلفة أيضا
فبالنسبة لفئة الشباب تستمر تلك الفرحة واعتقد أن تلك الفئة هي من أفضل الفئات التي تكون الهجرة لهم مناسبة جدا وان عليهم اتخاذ قرار الهجرة أذا ما أتيحت لهم تلك الفرصة والتمسك بها وبدون تردد. لأنها قادرة بعد فترة من الزمن أن تتغير وتتكيف مع المجتمع الجديد فتراه يتعلم اللغة بسرعة ويشتغل ويدرس ويحصل على الجنسية ويحقق أحلامه بعد فترة وجيزة من الزمن وطبعا هناك اختلافات بين الشخصيات فأكيد أن الفئة الكسولة سوف لا تحقق شيئا ولا تستثمر تلك الفرصة.
الفئة الثانية هي العوائل وهنا اقصد العائلة صاحبة الأطفال وهنا سنتكلم عن جيلين الجيل الأول وهما الأب وألام سيعانون الأمرين من عدم التكيف وصعوبة وقساوة الحياة عليهم, نعم أن المساعدات قد تستمر لهم بسب وجود الأطفال إلا ان ما سيعانيه الآباء سيجنيه الأبناء فالآباء قد أتوا من مجتمع آخر ومختلف والأبناء سينشؤا في مجتمع أخر مختلف تماما عن ما اعتاده الآباء وتربوا ونشئوا فيه وهنا ستبدأ المصاعب والصراعات بين الجيلين بين التقاليد والعادات والمبادئ لا بل بكل شئ وهذه المشكلة طبعا ستبدأ حالما يباشر الأطفال بدخولهم المدرسة واختلاطهم بالمجتمع الجديد وبالنتيجة طبعا أن الجيل الثاني وهم الأطفال سيكونون الأكثر حظا وربحا من آبائهم حيث سينصهرون في المجتمع الجديد ويكونوا جزءا منه. أن اتخاذ القرار بالسفر والهجرة لتلك الفئة اقصد العائلة صاحبة الأطفال يجب ان يضعوا بحسبانهم أنهم سوف يكونون الخاسرين وان أولادهم سيكونون الرابحين في المستقبل. وأكيد لا قاعدة لكل شئ ومازالت الفرص موجودة أيضا للوالدين لتحقيق ذاتهم في المجتمع الجديد اعتمادا على اختلاف الشخصية والقابلية على التكيف ومقدار الاجتهاد .
الفئة الأخرى هي فئة ما بعد سن الشباب أو الذين ليس لهم أطفال أو أطفالهم كبار السن وغير معتمدين على الأبوين , تلك الفئة ستكون من أتعس الفئات التي هجرتهم ستكون ندما وآسفا لأنهم سيكونون غير قادرين على التكيف مع المجتمع الجديد وستكون دائما لهم ذكرياتهم وحياتهم الماضية ومجتمعهم القديم الجميل مقارنة بحياتهم الجديدة وقد تزداد ألامهم إذا كانت الدولة لا تزودهم بالمساعدات الكافية التي قد لا تسد حاجاتهم الأساسية. فبالماضي وفي بلدانهم قد يكون لهم شهاداتهم الدراسية ومكانتهم الاجتماعية وأعمالهم الخاصة مما يكون من الصعب عليهم الانخراط بأي عمل كالشباب المستعد لتلك الأعمال والتي تكون أحيانا من الأعمال الدنيا وبنفس الوقت أحيانا من الصعب البدء من جديد بدراسة أو تخصص قد يساعدهم بالبدء بعملا لائقا ومناسب لهم بسبب أعمارهم وقلة اهتماماتهم وصعوبة التعلم وعوائق اللغة . فتلك الفئة تكون من أسوا الفئات التي قد تقرر الهجرة والسفر. ومرة أخرى أكيد هناك اختلافات من شخص لآخر ولا قاعدة أبدا لكل شئ .
الفئة الرابعة وهم كبار السن والتي لا تختلف كثيرا عن الفئة الثالثة ولكن قليلا ما يرغب المسن بالهجرة إلا أذا اضطر لذلك فمثلا إذا هاجر مع أبنائه وأحفاده ولا معيل له غيرهم , ففي مثل هذا الحال سيتوجع كثيرا وسيكون راغب بالعودة ورغم المساعدات الكريمة بعض الشئ من قبل الدول المستضيفة له إلا انه متى ما سمحت له الفرصة والظروف بالعودة تراه يهرع إلى بلده ليقضي ما تبقى من عمره وتراهم دوما يرددون أنهم يريدوا أن يدفنوا في بلدانهم . وأكيد أيضا لكل قاعدة استثناء....وان لله في خلقه شؤون.
أن على المرء أن يفكر ألف مرة قبل أن يتخذ ذلك القرار الصعب والمصيري وهو الهجرة ولا يصغي إلى كل من يقول أن في السفر حياة أفضل من التي يعيشها أو يمتلكها....فان الحلم بالسفر والى تلك البلدان ليس دائما حقيقيا أو انه سيجد السعادة والجنة الموعودة . وان اغلب الناس ممن لم يجربوا السفر أو الهجرة يعتقدون أن بالهجرة حياتهم ستكون أحسن مما في بلدانهم فتصبح لهم حلما وهاجسا يسعون له طوال فترة حياتهم ومتى ما تحقق لهم ذلك ندموا على اتخاذه.
أن واحدة من الأسباب وراء ذلك الاعتقاد هو صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول لتلك الدول وبحسب القاعدة المعروفة حيث أن كل ممنوع يكون مرغوب وكذالك الإعلام المزيف والكاذب والمضلل في أحيان كثيرة لتك الدول عن الجنات التي يملكونها في بلدانهم وأسباب أخرى عديدة ذكرتها في البداية.
وسأذكر لكم مثلا واحدا عن الكذب والنفاق الذي غالى به عن تلك البلدان وعدم نقل الحقيقة فقد ذكر لي صديق وهو صادق في روايته ففي مرة من المرات وهو جالس على شاطئ النهر يتأمل واذا بشخص أيراني وزوجته رما صنارة الصيد بالنهر وزوجته تمسك الجهاز الخلوي بيدها تنقل صورة حية وهو يتكلم مع شخص آخر استنتج صديقي انه يتكلم مع احد أصدقائه أو معارفه في بلده الأم وطبعا المكان جميل جدا والطبيعة خلابة وسمعه يقول له هكذا هي الحياة هنا في أمريكا كم هي حلوة وجميلة واخذ يغني ويرقص طبعا الشخص الذي ينقل الحدث يقول أنا اعرف هذا الشخص فهو يعمل بتنظيف الحمامات في فندق ويتذمر ويشكوا دوما من عمله لأنه كان يعمل مهندسا في بلده فانه بذلك يحاول أن يخدع الآخرين وينقل بزيف الحقائق ليخفي حقيقته ووضعه البائس , وطبعا المسكين صديقه سيصدق ماراه وسيعتقد أن الحياة هي كلها هكذا جميلة ومن حقه هو أيضا أن يحلم بيوم يعيش فيه الحياة التي يعيشها صديقه الصدوق ولا يعلم منها إلا الوجه الجميل الذي أرد صديقه أن ينقله له.
ومرة شاهدت فلم قصير صوره احد المهاجرين على اليوتيوب وهو يقود سيارته في إحدى شوارع أمريكا ولمدة نصف ساعة ليصور للناس كم هي الشوارع نظيفة وجميلة وكم هو النظام المروري منظم والعمارات شاهقة وفي نهاية الرحلة يصل إلى مقر عمله ويقول لقد وصلت ألان إلى البناية التي اعمل فيها ولم يذكر ما هو نوع أو طبيعة عمله وهو لم يصور نفسه وهو يغسل الأواني أو المكان الجميل الذي يشتغل فيه , وهو نوع آخر من أنواع الخداع وتزيف للحقائق.
لست ضد العمل الشريف ومهما كان نوعه سواء كان جمع النفايات آو غسل الحمامات أو غسل الأواني كلها أعمال شريفة وعفيفة واتفق مع هذا , لأنه أكيد سيقول البعض هذه الشعارات وهم أيضا من مزيفي الحقائق...لان الحقيقة ليست كذلك وتبقى تلك الأعمال دنيا حتى من وجهة نظر المواطنين الأمريكان والاروبيين والاستراليين أنفسهم . أنما أريد أن أبين مقدار صعوبة العمل بالأعمال الدنيا واخص هنا بالذكر المهاجر تحديدا أذا ما كانت طبيعة عمله في بلده مختلفة وأعلى شأنا وذات طابع ومستوى أرقى بعض الشئ .
لقد سمعت مرة وأنا في دور المراهقة شخصا قد عاد من أوربا بعد أكمال دراسته فيها بعد أن سأله احد الأشخاص لماذا عدت والأوضاع هنا غير مستقرة ...أجابه اشتاقت إلى خبز بلدي...ضحكت في حينها في سري ولم افهم ما قاله وقتها...واعتقدت في قرارة نفسي انه مجنون ....ألا يوجد خبز هناك ليعود....عرفت الآن انه يقصد بالخبز ماضيه وروابطه الاجتماعية بأهله وجذوره الممتدة التي عاشها في بلده حيث يتذكر طفولته وهو يدور ويلعب ويشاهد أمه تخبز بالتنور ويشم راحة شواء الخبز اللذيذة لتدس بيده أمه خبزه ساخنة خرجت لتوها من التنور وذلك الطعم اللذيذ الذي بعد تذوقه لا يمكنه نسيانه أبدا مهما ابتعد عن وطنه أو ما طال به الزمن .
ويبقى موضوع اتخاذ قرار السفر والهجرة أذا كان مرتبطا بالدواعي الأمنية أو لظروف اجتماعية معينة قرارا ضروريا وملحا ولابد منه وتحت أي سن أو ظرف رغم صعوبته.