المحرر موضوع: لماذا لا يمكن تجنب مواجهة الفصائل المسلحة  (زيارة 659 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31468
    • مشاهدة الملف الشخصي
لماذا لا يمكن تجنب مواجهة الفصائل المسلحة
الفصائل تريد من حكومات بغداد أن تحافظ على ما يسمى بـ”سلاح المقاومة” وذلك يعني حرفيا أن تسمح الدولة بخرق الدستور وشرعنة سلاح خارج عن سلطتها وهذا يعني تقويض أي معنى للدولة.
العرب

علاقة تزداد تصادما
سياسة المواجهة الحازمة الآن هي أفضل أمل للعراق في إقناع الفصائل المسلحة في نهاية المطاف بتغيير مسارها، ووضعها على الطريق نحو مستقبل تنافسي سلمي في العملية السياسية يضم تعاونا حقيقيا. هذا ما يأمله العراقيون، لكن لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يعتمد سياسة “الضغط بلا مواجهة” رأي آخر.

بعد محاولة اغتياله، عقد الكاظمي اجتماعا ضم قيادات جميع الفصائل المسلحة المشتبه بتورطها في المحاولة، وأيضا قادة كتل الإطار التنسيقي الشيعي. كان الهدف من الاجتماع وضع العلاقات بين الحكومة وهؤلاء على أساس أكثر استقرارا. ولكن، بخلاف العديد من البيانات التافهة، لم يسفر الاجتماع عن اختراقات جديدة للتعاون بين الحكومة والفصائل المسلحة كما يأمل رئيس الوزراء. وبعد المؤتمر الصحافي الذي طال انتظاره حول نتائج التحقيق في محاولة اغتياله، أثار التبادل الحكومي غير الفعال مع تهديدات الفصائل المسلحة سؤالا أكبر حول الطبيعة الحقيقية للعلاقة بينها وبين رئيس الوزراء.

سياسة الكاظمي تجاه الفصائل المسلحة تتضمن مزيجا من “التعاون والمنافسة والمواجهة”. ولسوء الحظ فإنه لم يُفعّل بعد الشق الأخير من سياسته عدا عن مستوى التصريحات المبهمة.

على الرغم من آماله الكبيرة في التعاون مع الفصائل المسلحة، بما يضمن بحسب مزاعم من داخل إدارته “السلم الأهلي”، بتذويب كياناتها وأسلحتها وقياداتها ضمن هيئة حكومية عسكرية تضطلع في مواجهة التحديات المشتركة تحت قيادته، كمحاربة تنظيم داعش، فإن الواقع هو أن العلاقة الحكومية بالفصائل تهيمن عليها بشكل متزايد عناصرها الأكثر تصادما.

محاولات رئيس الوزراء تنمية الفصائل الخارجة عن الدولة باعتبارها “صاحب مصلحة مسؤول” في نظام سياسي قائم على قواعد المصلحة المتبادلة قد فشلت أيضا، وهناك حاجة إلى نهج جديد أكثر صرامة، قامت به إدارة الكاظمي على نحو خجول في عمليات بدأت بدايات رائعة وانتهت للأسف بتأصيل نهج المنافسة الاستراتيجية مع قوة يفترض أن تعتمد الدولة معها مبدأ فرض السلطة وليس التنافس على تقاسمها.

لا يمكن أن تكون المنافسة أفضل توجه حين يتعلق الأمر بمواجهة جهات خارجة عن سلطة الدولة، إذ تعني المنافسة أن يلعب المشاركون ويلتزمون بنفس القواعد المتفق عليها، وقواعد التنافس مع قوى خارجة عن القانون تعني بالضرورة إضعاف الدولة.

الفصائل المسلحة، وإن كانت تشارك بأجنحتها السياسية في النظام السياسي القائم في العراق اليوم، فهي تنتهك بشكل منهجي قواعد النظام الذي ساهمت في إرسائه، لترسي نظاما جديدا يضمن اعترافا دائما بأنها صاحبة السلطة المطلقة في العراق، ولن ترتضي مبدأ التنافس أو المشاركة حتى من الفرقاء السياسيين أو من الجهات التي ساهمت في تنصيبها شخصيا على رأس السلطة التنفيذية في البلاد.

من الصعب أيضا العثور على أدلة كثيرة على التعاون في العلاقة الحالية بين الفصائل المسلحة وحكومة الكاظمي، أو النظام السياسي القائم في العراق برمته. حتى في المناطق التي يعرب فيها المحللون عن أملهم في أن تشهد شيئا من استمرار المشاركة، فإن المواجهة أفضل ما يمكن أن يوصف به حال الطرفين في تلك المناطق. في ما يتعلق بمحاربة داعش، تعد الفصائل المسلحة التي تقاتل التنظيم أكبر مصدر لاستعادته قوته بسبب الانتهاكات الجسيمة وملفات إفراغ القرى من سكانها والفساد المستشري في المناطق المحررة، الذي تديره المكاتب العقائدية لتلك الفصائل، والتي تسلب الدولة بهذا السلوك كل جهودها في محاربة التنظيم وتفرض سلطتها المطلقة على المناطق المحررة وليس سلطة الدولة (جرف الصخر نموذجا).

لذلك فإن القول إنه يجب على الدولة والفصائل المسلحة التعاون بشأن التحديات التي تواجه العراق يبدو مثيرا للسخرية في وقت تشكل تلك الفصائل التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة، الأمر يشبه أن نقول إنه يجب علينا التعاون مع اللصوص للتقليل من عمليات السطو.

تريد الفصائل من حكومات بغداد أيا كانت أن تحافظ على ما يسمى بـ”سلاح المقاومة” وذلك يعني حرفيا أن تسمح الدولة بخرق الدستور وشرعنة سلاح خارج عن سلطتها. وهذا يعني تقويض أي معنى للدولة تماما.

المصطلحات التي تستخدمها الفصائل الخارجة عن القانون لتبرير خروجها عنه ليست مجرد تمارين دلالية. الكلمات التي تستخدمها لها تأثيرات حقيقية على طريقة تفكير المجتمع في أحقية تحديها أو مواجهتها، وتقيد الدولة في قدرتها على المواجهة، لأنها مصرة على البقاء ككيان مواز للدولة بل المهيمن عليها، لذلك يتعين على حكومة الكاظمي، وحلفاء العراق أن يفهموا تماما أن هذه علاقة تزداد تصادما، ومن المرجح أن تزداد سوءا وقد لا تتحسن.

إنهم بحاجة إلى الاستعداد لهذا الواقع من خلال التشدد مع الفصائل المسلحة وأجنحتها السياسية عندما تنتهك القواعد، والتطلع إلى إبعاد أنفسهم عن التأثيرات الخبيثة لهذه الجماعات وعدم الاجتماع بها، والحذر كل الحذر من تقديم العلاقة بين الدولة العراقية كائنا من كان ممثلها، الكاظمي أو سواه، والفصائل المسلحة كوصفة من التساوي والمنافسة لأن ذلك يخلق تصورات خاطئة نتائجها العكسية خطيرة جدا.