العُظَماء لا يموتون
لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا ٱلْأَرْضِيُّ ، فَلَنَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ ٱللهِ ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ ، أَبَدِيٌّ ( كورنثوس الثانية 5 : 1 ) .
تستمر وسائل التواصل الأجتماعي ، وبعض القنوات التلفزيونية منذ منتصف نهار السبت الماضي في نَعي والحديث عن إنتقال المغفور له " الأب ألبير أبونا " الى الحياة الخالدة ، وجميعها تتفق حول أمر معيّن ، هو الخسارة العظيمة التي حلّت على الكنيسة الكلدانية بفقدانها أبنها البار الذي خدمها لأكثر من " ثمانون عاماً " ليس فقط عن طريق ممارسة واجبه الكهنوتي دون كلل ، بل أضاف اليها ما قدّمه للكنيسة وشعبها من كنوز ثقافية في التاريخ الكنسي ، وفي اللغة الكلدانية " اللهجة الشرقية للغة الآرامية " فضلا عن ترجمات الكثير من الكتب الأيمانية التي تعزّز وتنشر الأيمان المسيحي ، ولعلّ : هناك العديد من آباء الكنيسة الكلدانية ، والأخوة الشمامسة والكُتّاب من هم أفضل مني في التعبير عن ذكر تلك الكنوز التي تركها المغفور له الأب " البير أبونا " ولكني سوف أتكلّم بأيجاز عن مراحل مهمة عن مسيرته الحياتية حسب ذكرياتي عنه بحكم معرفتي الشخصية به .
عرفت المغفور له وأنا في حوالي العاشرة من عمري ( الصف الثالث الإبتدائي ) في قرية فيشخابور وهو لا يزال تلميذا قبل رسامته الكهنوتية بثلاث سنوات في " معهد مار يوحنا الحبيب " ، حينما كان يأتي في العطلة الصيفية الى بيته في القرية ، وكان ظاهراً عليه النشاط الأيماني منذ ذلك الحين ، حيث كان مع صديقه : المغفور له القس ( لاحقا ) عمانوئيل خوشابا ( الذي كان يدرس في سمنير البطريركية في الموصل ) كانا في كل سنة (( أثناء العطلة الصيفية )) يقومان بنشاط ثقافي ، إجتماعي ، أيماني لأهل القرية ، ففي عام (1947 ) قاما بتأليف وإخراج عمل مسرحي عن ( يوسف الصدّيق ) ، وجرى عرض المسرحية لأهل القرية في باحة كنيسة القرية ( حافظة الزروع ) ، وكنتُ أقوم بدَور يوسف الصدّيق في طفولته ، أما في شبابه فقام بدوره أحد شباب القرية ، وحسب ذاكرتي كان ( المرحوم – يوسف ياقو جَبّايا ) .
حين رسامته الكهنوتية ، كنتُ قد أنتقلت الى بغداد ، وأنقطعت لقاءاتي به الى بداية السبعينات حينما كان يدرّس في معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل ، وأنا كنت في قاطع الشمال ، وكنت أزوره بين فترة وأخرى ، إما في بيته بالقرب من المعهد ، أو في مكتبه في المعهد ، وكان في كل مرّة يزودني بمجموعة من نتاجاته التي ألّفها أو ترجمها ، وحينما كان كاهن كنيسة الوردية المقدّسة في الكرادة ، كنت أيضا أزوره في إجازاتي الدورية ، وكان أيضا يزودني بآخر نتاجاته ، وكنت أيضا معه في " مستشفى وليد الخَيّال " حينما أجرى فيها العمليّة .
زرته حينما كان في السويد في إحدى سفراتي ، وكان يعيش في غرفة من إحدى غُرَفْ شقّة أبن أخته " هاني " حيث كانت مكتبه وكنيسته الذي يقيم القدّاس فيها يوميا ، عدا أيام الآحاد ، وأعتقد أنه تيقّن أن كهنوته لم يُكَلَّفْ به ليقضيه في هذه الغرفة ، فعاد الى العراق – وعنكاوة بالذات حيث توفّر له كل مستلزمات ممارسة رسالته الكهنوتية ، وظلّ هناك الى أن أراده الرب يسوع أن يكون في كنيسته السماويّة ، حيث لا إضطهاد ولا ألم ، بل تسبيح وإنشاد دوماً بحضور العرش الإلهي .
(( لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا ٱلْأَرْضِيُّ ، فَلَنَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ ٱللهِ ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ ، أَبَدِيٌّ ( كورنثوس الثانية 5 : 1 )) .
وقبل أن أختم هذا الموضوع ، أود أن أنوّه أن علاقتي ومحبتي للمغفور له " ألبير أبونا – يوسف ميناس " لم تكُنْ بسبب كونه شخصية كنسيّة متمَيِّزة فقط ، بل مُضافاً اليها أيضا " علاقة القُربى بيننا " حيث كانت المرحومة أمه " كاترينة " أبنة عمّتي – شقيقة والدي ، وكانت تنادي والدي ب " خالـــو " .
لتحلّ علينا وعلى كافة أبناء كنيسته الكلدانية التي خدمها بكل جدّ و محبة و إخلاص ، صلواته وشفاعته لدى الرب يسوع المسيح .......... آمين