المحرر موضوع: جينيفوبياgynéphobia*:الرهاب من الأنثى  (زيارة 567 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل زينب حداد

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 4
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
جينيفوبياgynéphobia*:الرهاب من الأنثى
                                     
زينب حداد/تونس
 2021/12/27

ما كنتُ لأكتبَ في هذا الموضوع لولا ما أقرؤه يوميا على صفحات التواصل الاجتماعي من أفكار ومواقف يُصرّ أصحابها على استصغار المرأة وإهانتها إن لم يكن بالاعتداء على حرمتها الجسدية فبالعنف اللفظي وبالسخرية المدمّرة لمعنوياتها واعتبارها كائنا ناقصا ووسيلة إمتاع يتلخص وجودها في أنها شيء للاستعمال الجنسي٠
سيقول أحدكم :وما الجديد في هذا فتراثنا وتاريخنا من قرون مبنيّ على قوالب نمطية جنسانية هي التي تخلق الفرق وعدم المساواة بين الذكر والأنثى ،وإذا كانت المجتمعات الحديثة تعمل على خلق" توازن جنساني يتمثل في المشاركة المتساوية والنشطة للنساء و الرجال في مجالات اتخاذ القراروالحصول على الموارد و الخدمات والتحكم بها" فإنّ مجتمعاتنا العربية وعقليتنا الشرقية تفضل أن تُعليَ الجدار الفاصلَ بين النساء والرجال وأن تتحنّط في مواقفها البدائية و تبقي على الصورة المتوارثة للمرأة التي كانت توأد  خوفا من عارقد تلحقه بأهلها٠ 
إنّ معاملة الذكور للإناث في المجتمعات العربيةأصبحت دليلا على مرَض هو الجِينِيفوبيا أو الرهاب من المرأة٠فكل مظاهر العنف الموجه إلى المرأة تواري خوفا منهالإحساس كامن في أعماق الرجل أنها الأقوى وأنها تمثل تهديدا لهيمنته الذكورية٠
قرأت مؤخرا نصا منشورا على وسائل التواصل الاجتماعي عن المرأة ولو صدر عن كاتب رجعيّ لما استنكرت أو استغربتُ لكنه صدر عن شاعرمثقفٍ لم أكن أحمل عنه إلا أجمل الانطباعات ولولا بعض التعاليق التي أعقبت المقالَ لما كلفتُ نفسي عناء التعقيب عليه… يختلف العرب على كل شيء لكنهم يجتمعون على تقزيم المرأة وإدانتها بسبب وبدون سبب :هي الطمع والجشعُ وهي الغدر والخيانةُ وهي الشرّوالكيدُ وهي الزور والنفاق والخديعةُ …حتّى جمالها الطبيعي يجد فيه بعضهم إدانةً لها  كما فعل صاحب المقال المذكور أعلاه إذ يراها حبيسةَ هذه الرغبة في أن تكون جميلة على الدوام "اتخذت المرآةَ صديقة ملازمة لها و مستشارة موثوقا بها في مجال التزين واكتساب هيئة جذابة…بل أكاد أزعم أنّ المرأة قد تنسى بعض الإهانات وإنْ أغضبتْها،ولكنها أبدالن تنسى مَن يطعن بشكلها أو هيئتها أو جمالها ويُهينُ ذلك و خصوصا أمام الملء…فذلك إثم كبير أحذّر منه…!!"
يرى صاحبنا إذن أنّ المرأة لا تعيش إلا لجمالها ولا ترى في الكون غير ذاتها تَتَعشّقها في المرآة وفي عيون الناس ،بل يرى صاحبنا انّ كرامة المرأة لا تثور إلا دفاعا عن جمالها الظاهر ،ليست المرأة في نظره أكثر من دمية توضع في واجهة للفرجة ،ليس لها كيان ولا شواغل ولا أحلام ولا مشاريع غير المساحيق والأصباغ ،تمثال لا روح فيه ،ويذهب صاحبنا أبعد من ذلك فيقول"و أخمّن أيضا…أنّ أسباباكثيرة تجعل المرأة تأنف أن يتخذ زوجهامعشوقةً او زوجةًأخرى في كثير من الثقافات وهذه الأسباب ليست مقتصرة فقط على ما هو متداول و معروف كالاستخفاف بها ككيان إنساني ذي اعتبار ولا حتى على الخوف من نقص في الماديات والواجبات الحسية و العاطفية الأخرى وغير ذلك ……المرأة التي يفعل زوجها ذلك تشعر كأنه يقول لها(أنت امرأة ناقصةأو أقلّ جمالا من النساء أو جمالك أدنى من أن يعجب أو يجذب وأن هذه المعشوقة أجمل منك …الخ)وستردّ الفعل على ذلك بطرح مجموعة من الأسئلة(بأيّ شيء تلك العشيقة أجمل مني؟وهل انا بشعة ألى هذه الدرجة لكي تبحث عن غيري؟هل انا ناقصة طول أو عرض أو…؟هل أنا عوراء أو عرجاء أو "؟)…"
هل أبشع من هذه الصورة تجرد المرأة من كل الاعتبارات الإنسانية ومن كل القيم والمفاهيم لتحبسها في إطار من الفراغ الفكري والروحي والعاطفي و لتحوّلها إلى صورة كرتونية معلقة على جدار ،تتأملها عيون فارغة بلهاء لتلبّيَ بجمال الخطوط والتعاريج نداء غريزة شبقة مكبوتة،فمَن المهووس بالجمال الظاهري:المرأة أم الرجل؟المرأة التي تجملت لأن الجمال يريح النفس وهو مطلب طبيعي وهي تتجمل لنفسها لا للآخرين ،صحيح أنها تقف أمام مرآتها لكنها تقف كذلك أمام الآلة وأمام الحاسوب و تقود الطائرة والحافلة  وسيارة التاكسي بالليل والنهار ،وهي تدير مؤسسات بل دولا  ،هي الوزيرة وهي الفلاحة وهي ربة البيت ،وهي الطبيبة والمعلمة …تجدها في كل المواقع أنيقةً،عطرةً نظيفةً جميلةً وناشطةً متحركة ذات مشروع سياسي واجتماعي    …
المرأة كائن حيّ ،إنسانةٌ مكتملة وهي تشق طريقها بخطى ثابتة وهذا ما يخيف الرجلَ ،الرجل الشرقيّ بالخصوص ،يخاف أن تعيَ المرأةُ بإمكاناتها وأن تتركه في موقع خلفيّ فتضعف سيطرته عليها لأنه يريد ان يبقى دائما المثل النمطيّ ل"سي السيد" ولا تكتمل فحولته إلا بالأمر والنهي والغطرسة لذلك هو يستنبط كل الحيل والوسائل لتقزيم المرأة ،والغريب العجيب لدى هذا الصنف من الرجال -وما أكثرهم -هو التناقض الذي بني عليه تفكيرهم وهو يؤكد أنّ نظرتهم السلبية للمرأة ليست إلاّ من أعراض الرّهاب من الأنثى وأستعرض بعض التعاليق التي أردفت المقال المذكور آنفا (كفانا الله شرّ النساء)،(إنّ كيدهنّ عظيم)،(أوّل حروفها مر) ويقصد المرارة …
أليست هذه المرأة هي نفسها الأمّ التي يقدسونها ؟أليست هي الحبيبة التي يتغزلون بها وينتحرون على أعتابها عشقا؟ هذه المرأة (الشيطان) أليست هي نفسها الملاك الذي تمتلئ به الرسوم شفافا نورانيا ؟أليست هي البنت التي ننوه بعطفها وحنانها ؟ هل بلغت درجة  خوف الذكر من الأنثى أن شيطنها كائنا حيّا ليهرب منها إليها في خياله وعلى الورق ؟
ولنتجاوز هذا كله :لمَ كلّ هذا الاهتمام بالمرأة وجزئيات حياتها وتصرفاتها؟ إن هي إلا نتاج للمجتمع الذي تعيش فيه وكما تكونون تكون نساؤكم ،لماذا لا يكون حديث عن الرجال وما يستحدثون من سلوكات غريبة فقد وجهوا اهتمامهم كذلك إلى العناية بالمظهر فلبسوا الحَلْيَ والحلل واستعملوا المساحيق والاصباغ واعتنوا بالقوام والأرداف ولزموا المقاهي لأن المرأة قد حملت عنهم ثقيل المسؤوليات ،ولمَ لا تتجند أقلام المثقفين والشعراء وأشباه المثقفين والشعراء وأشباه الشعراءلإثارة القضايا الأمّ التي تعاني منها مجتمعاتنا فهل حللنا كل المشاكل التي ترزح تحتها بلداننا من فوضى سياسية وتهميش للكفاءات ومن سوء حوكمة في الموارد والثروات وتجويع وتجهيل وقتل لمواهب الشباب ودفعهم الى الموت  ومن إرهاب وتهريب دمر الاقتصاد  ومن إهمال للبنية التحية …(والقائمة لا تنتهي)…هل عالجنا كل المشاكل الاجتماعية والقضايا الوجودية لنجند الأقلام والأفكار للتفاهات ولمراقبة المرأة وتشديد الحصار عليها ،دعوا جسدَ المرأة للمرأة فهو ملكها كما ان جسد الرجل ملك للرجل وعالجوا عقدكم فليس المشكل في عناية المرأة بجمالها بل المشكل في كيفية النظر وتقييم الجمال ،يراه البعض فتنةً فيدعو ألى حجبه ومنع النور عنه وبدل أن يعالج نفسه ويتحكم في غريزته الحيوانية يفرض على المرأة الحجاب والنقاب وبعضهم يدعوه حبُّ الامتلاك الى حبس المرأة في المنزل لا تغادره ويحرمها من حقها في العمل ومخالطة الناس وبعضهم يستغل الجمال فيجعله كأية بضاعة للبيع وبعضهم يحصر كينونة المرأة فيه ومن هذا المنظور تصبح المرأة (شيطانا وشرّا)وفي الحقيقة الشيطان كامن في عين الناظر وحبذا لو نبحث عن الجمال المعنوي لأنه الباقي ،نبحث عنه لدى الرجل والمرأة لأن الجمال مطلب طبيعيّ فالله جميل يحبّ الجمال وعندما جاء رجل إلى سقراط الفيلسوف شاكيا اليه قبح زوجته أجابه سقراط"إنّك لم تعرف كيف تنظر إليها"…
حرّروا المرأةَ من قبضتكم ومن عقدكم ومن أمراضكم فهي إنسان كامل في عقله وحواسه واحساسه وجسدها من طين كجسد الرجل واهتمّوا بما يطوّر الحياة العامّةَ وهي لن تتطوّر إلا بفاعلين اثنين هما المرأة والرجل٪؜