المحرر موضوع: الكنز ..موجود داخل قلوبنا  (زيارة 507 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خالد عيسى

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 338
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

الكنز ..موجود داخل قلوبنا

الدكتور
خالد اندريا عيسى
منقول بايجاز

 
عندما أتابع وادرس ما يعانيه العالم من أهوال السباق نحو المال وحب الاقتناءوالتكنز إلى حد النهم، والصراعات بين الأعراق والديانات والمذاهب، والأنانية التى وصلت إلى درجة القتال والسرقه، وما نعانيه من جائحة ملعونه فرقت العالم بدلا من أن تجمعه فى مواجهة خطر واحد، والتغيرات المناخية التى تسببنا فيها بتلويثنا البيئة والخلق، والسعى إلى أقصى ربح على حساب الأرض والبشر والمجتمع التى نعيش عليها، والحروب الأهلية والتعصب والفتن، أتذكر أقوال وأشعار وسيرة «سيد العاشقين» جلال الدين الرومي، الذى كان مذهبه هو حب الله وتجلياته فى الإنسان والطبيعة، ورؤيته أن الجمال الحقيقى هو جمال القلوب، فهى التى ترى وتسمع وتعقل، وليست العيون والآذان، ويرى أن الصمت أكثر بلاغة من اللسان، وفيه يمكن التأمل والإصغاء والتفكر العميق، ونصل عبره إلى أعماق النفس، التى تصبو إلى جمال الخالق والمخلوقات.
لقد كان جلال الدين الرومى يرى أن الأديان جميعا تسعى إلى نشر المحبة والتسامح، وأن تفرقها إلى أعراق ومذاهب وطوائف جنح بها فى اتجاه مغاير، وأن علينا أن نتأمل حكمة الله فى الاختلاف بين الأمم، دون أن نفرق بين إنسان وآخر على أساس اللون أو العرق أو العقيدة؛ لأن روح الله تكمن فى جميع مخلوقاته المتنوعة، وعلينا ألا نجهد أنفسنا فى البحث عن الثراء فى العالم، لأن الكنز الحقيقى داخل قلوبنا، وإذا أردنا تغيير العالم بذكائنا، فإن الحكمة تقتضى تغيير النفس، وعندما نستطيع ذلك نكون قد غيرنا العالم.
حظيت أشعار ومقولات إمام العاشقين باهتمام شعراء ومثقفى العالم، ووضعوه فى مرتبة عالية، ورأوا فيها أنها الأمل فى إنقاذ البشرية من ركضها وراء المكاسب والأرباح والاقتناء، والحروب التى تنشب بين الدول، ومن أقواله «لماذا أنت مفتون بهذا العالم، إن كان باطنك يطوى منجماً من الذهب؟
ويرى الرومى أن البشرية تفرقت بعد حين من اجتماعها إلى أعراق ومذاهب وطوائف وأيديولوجيات، وأن اختلاف إنسان عن أخيه باللون والعِرق والجنس لا ينبغى أن يعمى قلبه عن حكمة الله فى خلقنا بهذا التنوع البديع، ولا نرى روح الله وسره التى أودعها سبحانه فى البشر..
كل البشر.
لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى بشرا، وجعل للإنسان كيانا متراكباً متكاملاً من عناصر ثلاثة متداخلة ومتناسقة، فقد أسكن الروح الملائكية التى هى سره الأعظم ونفحة من فيض نوره فى جسد الشهوات المخلوق من طين الأرض الصلصال، ثم جعل بينهما النفس المُلهَمة بالفجور والتقوى محققة إرادة الإنسان وحافظة وسطيته، ويكاد يتجلى منتهى إبداع الله حين خلق هذا البناء المثالي والكيان الموصوف بـ»الإنسان» متنوعا مختلفا فى الظاهر، متشابها متطابقا فى الباطن، الجميع له جسد وروح وبينهما نفس، وتلك عظمة حكمة الخالق، إرادته أن نكون بشرا نخطئ ونصيب، نجاهد ما بين رغبات الجسد وشهواته وبين صفاء الروح وطهرها.َ».
 
لم يخلقنا الله ملائكة من النور بل كانت إرادته فى أن نمارس إنسانيتنا وبشريتنا مجتهدين بالسعى للعمران والسلام والخير والمحبة تتواتر علينا «الأحوال» صعوداً وهبوطا طامحين فى «المقامات» العُلى، وتلك حكمته التى يجب أن يُدركها الإنسان ويتقبلها ويمارسها، نحن بشر نسعى فنصيب ونخطئ مُدركين بوعى حقيقى ويقين راسخ أننا نجتهد ما بين رغبات طين الأرض ونور روح الله بنفس تقاوم هواها واقفة ما بين الفجور والتقوى،
 هذه الحقيقة أوردها الله فى الكتاب المقدس في رسالة الرب يسوع المسيح حين قال فى رسالة بولس الرسول الأولى «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِى فِيكُمُ، الَّذِى لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُم.ْ*«\
 
ويرى جلال الدين الرومى أن على كل إنسان مُدرك حكمة الله فى خلقه أن يُبحر فى بحور ذاته متخذآً دين الإنسانية طريقه وفُلكه، ساعياً بترويض نفسه على الحق، باحثاً عن الحقيقة المُطلقة، زاهداً فيما لا يُغنى حاله ولا يرفع مقامه، وإن كان كنز الحياة فى رحلتها، فإن خارطة الكنز مطوية داخل الكيان الإنساني.
إننا بذلك الكيان الذى أبدعه الله نستطيع أن نمارس كل بديع وجميل؛ فلا حب يُقدم للآخرين دون أن تحب ذاتك وتمارس إنسانيتك، ولا يقين بالصواب دون ممارسة الخطأ، ولا جمال يمكن تذوقه فى الكون ما دمت لم تتمكن من إحساسه بداخلك، ولا سلام بين العالمين من غير أن ينبع من الذات، ولا يمكن أن تستطيع قبول الآخر وأنت غير متقبل لبنائك الإنسانى ومتعايش معه، ونستخلص رسالتنا الثانية «سلاماً على أولئك الذين يفيضون بالروعة حين يسلكون مسالك الحقيقة من أجل الحق ويمارسون الإنسانية بلا التفاتٍ لزخرف أو ملهاة وبلا حيود عن كل معانى التسامح والزهد والخير والتجرد، سلاماً على تلك القلوب التى غمرت بالخير محيطها وفاضت به فى جنبات الكون وجعلته عنواناً لله وسبيلاً فكانت السعادة اسماً لها ونعتاً».
 
كان جلال الدين انسانً مؤمنً بتعاليم الإسلام، لكنه استطاع جذب أشخاص اليه ومن ديانات وملل أخرى، وبالنسبة إليه وإلى أتباعه فإن كل الديانات خيّرة وحقيقية بمفاهيمها، ويرى الرومى أن الموسيقى والشعر والذكر الجميل سبيل للوصول إلى الله، فالموسيقى الروحية بالنسبة له تساعد المريد على تعرف الله والتعلق به وبمبادئه الساميه، فالإنصات للموسيقى هو رحلة روحية تأخذ الإنسان فى رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال.
 
إن العشق الإلهى الذى دعا إليه جلال الدين الرومى ينبغى أن يتجلى فى الحب والسلام بين البشر، وأن يزهدوا فى السعى وراء المكاسب الصغيرة، وأن يروا الجمال القريب المتيسر، ولو اهتدينا بتلك الرؤية لأمكننا إنقاذ الأرض والبشر من المهالك التى تهددهم، ولتوحدنا فى حماية الطبيعة من أنشطتنا الملوثة، وتعاونَّا فى إنتاج الأدوية والأمصال لتقينا من الأمراض بدلا من سباقات القوة والاستحواذ على الثروة، والتفرقة بين البشر، لنحقق سعادة حقيقية تجعلنا جديرين بما منحه الله لنا.