تمر الأيام، وتمضي الأعوام ..
كلُّ عامٍ يمضي، نقترب من خط النهاية، فتنقص أعمارنا، وتتراجع صحتنا، وتخور قوانا ..
عامٌ آخر مضى من عمر الزمن بما حمله من كمدٍ و همومٍ و شجن، وعام جديد أقبل، لا نعلم إن كان مُجلِباً لبشائر الخير والفرح، أم لمزيد من الكوارث والمحن ..
عامٌ جديد، لا نعلم ما يحمله لنا، وعامٌ مضى، توشّح بالسواد شعبُنا ..
عامٌ مضى، وعامٌ أتى .. ودّعنا واحداً، ونستقبل آخر ..
وبين القديم الذي مضى والجديد الذي أتى، تضجُّ حياتنا، ويتردد صدى أمنياتنا ..
ومثل هذا التردد بين ماضٍ لم يعد لنا قدرة على التأثير فيه، وحاضر لا نملك منه شيئاً، ومستقبل لا يمكننا التكهن بما فيه، نبقى تائهين بين ماضٍ جميل، وحاضر مؤلم، ومستقبل مظلم، نرى أنَّ حاضرَنا أفضل منه، فالأمس أفضل من اليوم، واليوم أفضل من الغد ..
ثمّة عام جديد حلَّ .. ثمّة رؤىً وأحلام وأمانٍ حائرات، وثمّة خطط وقدرات وطاقات، وثمّة صخور وحواجز وعقبات، وثمّة إنسان يبحث عن السلام، ويحلم في العيش بأمان ..
كل يوم يمضي من العمر، يمنحنا الخبرة ويمكّننا من اكتشاف حقائق جديدة، ويجعلنا في حالة بحث مستمر من أجل حياة أفضل وواقع أجمل، حتى تصبح أمور حياتنا أكثر سلاسة وأسهل ..
إذن، لماذا يتشبّث الناس بالماضي دائماً، ويقولون إنّه أجمل من الحاضر؟
إنَّ ذلك ليس من باب التشاؤم ، بل الواقع يعبّر عن ذلك، فلو رجعنا للماضي وتفاصيله، وشاهدنا الحاضر وصوره، لقلنا أنَّ الماضي حقّاً كان أجمل وأفضل من حاضرنا، وهذا رأي الأغلبية التي تردد وتقول: ما أحلى أيام زمان، فهم في حنين واشتياق إلى الماضي البعيد، بما يحمله داخلهم من ذكريات وقصص جميلة.. فعلى الرغم من صعوبة الحياة وقساوتها في ماضي الزمان، إلّا أنّ التواصل والترابط الأسري، وصلة الرحم كانت أقوى ممّا هي عليه الآن، لأنَّ ذلك يتناسب عكسياً مع التطور، فكلّما تقدمت الحياة وتطورت، تراجعت الروابط الإجتماعية، وضَعُفَت العلاقات الإنسانية ..
وحاضرنا يقول: رغم المعايير العالية للرفاهية، بفعل تأثير التقدم العلمي والتكنولوجي على مظاهر الحياة، ورغم سهولة التواصل بين الناس، إلّا أنَّ الترابط الأسري مفقود والروابط الاجتماعية في تراجع مستمر، حتى النفوس لم تسلم من الإصابة، ففي الماضي كانت النفوس نقية طاهرة، رغم الفقر والجهل والعوز، أما في وقتنا الحاضر، ومع تقدم العلم والانفتاح، أصبحت النفوس تمتلىء بالحقد والكراهية والبغضاء، ناهيك عن الشعور بفقدان الثقة والأمان، فقد سيطر هذا الشعورعلى الجميع وأدخلهم في دوامة، أفسدت عليهم حياتهم وكل إحساسهم بالأمان، في ظل ضغوط فظيعة وخوف من مستقبل مجهول وحاضر مقلق وضعف في الإيمان، ومع محاصرة العديد من الأزمات المتتالية والمتلاحقة التي كان لها تأثير مباشر على حياة الناس و شعورهم بالخوف من المجهول، وما أقسى هذا الشعور الغريب المؤلم، في أن نشعر بأنّنا وسط أمواج متلاطمة، نبحث عن الأمان ..
وهنا نتساءل :
لماذا نقبع في دائرة الأسوأ، كـ ( حاضرنا ) دائماً ؟
هل نحن لا نعرف كيف نعيش، أم أنّنا نعيش من أجل أن لا نتعلم كيف نكون في وضع أفضل من الماضي، أم أنّنا نركض دائماً وشبح الماضي خلفنا، يطاردنا ؟
لماذا ماضينا أحلى دائماً من حاضرنا ؟
إنّها مجرد أسئلة تبحث عن إجابة مقنعة ..