أجيــالنا المحظوظــة !
مقدمة :
رغم كلّ المآسي والكوارث والحروب التي عاشتها الأجيال البشرية الحالية ,لكن في ذاتِ الوقت أظنّ أنّ الذين ولدوا ما بعد الحرب العالمية الثانية ,هم من الأجيال الأكثر حظاً على مرّ العصور في هذه الحياة على كوكبنا الأزرق الجميل ,كونهم شهدوا مدى واسع جداً من التطوّر البشري!
لقد اُعتبرت تلك الحرب أعظم الكوارث البشرية على الإطلاق التي تسبّب فيها الإنسان نفسه .وقُدّر عدد ضحاياها بين 70 و 90 مليون إنسان غالبيتهم مدنيين!
بالطبع هناك كوارث من صنع الطبيعة ذاتها كالزلازل والبراكين والفياضانات والتسونامي والأعاصير والمجاعات ,لكن أشهرها فيضانات الصين عام 1931 هذه لم تقتل أكثر من أربعة ملايين إنسان!
إذاً لماذا أقول (أجيال محظوظة) في عنوان ورقتي هذه؟
سأذكر أسبابي أدناه ,لكن قبل ذلك يجدر التنبيـه الى أنّ كلمة الحظّ (ومثلها الصدفة وسوء الطالع وما شابه) هذه مصطلحات ترتبط بالأديان والخرافات ,لا بالعلم!
العلم يُسمّي الحدث الذي يصيب الإنسان خارج إرادتهِ الذاتية بأنّهُ أحد الإحتمالات العشوائية النادرة ,لكن ممكن حدوثها للجميع ,كالحوادث المميتة والأمراض القاتلة والفشل أو النجاح الساحق أو حتى أن يولد المرء غنيّاً وارثاً إمبراطوية ماليّة!
***
صورة : جدّة إسكتلندية لست أجيال و90 حفيد!
***
تطوّرات وقفزات علميّة رهيبة!
كان أهمّ درس ( من الحرب العالمية الثانية) فهمه العقلاء والحكماء والعلماء والفلاسفة وحتى الساسة ,هو هذا الدمار الذي تخلّفه الحروب والنكوص الحضاري الذي يصاحبه نتيجة التركيز على القتال وترك باقي أوجه الحياة!
ردّ الفعل الأوّل كان ينصب على النهوض بالإنسان عن طريق توجيه العلوم و أهمّ الإختراعات بإتجاه سعادة وصحة ورفاهية الشعوب!
بالنسبة لجيلي وما حواليه بالكاد شهدنا في طفولتنا وشبابنا إختراعات الغرب (الكافر) الحديثة حينها كالراديو والتلفاز والسيارة والثلاجة والهاتف السلكي وماشابه من أجهزة قفزت حينها بالبشرية خطوات واسعة!
ثمّ فجأةً حدثت (القفزات الكنغرية) في العلوم عندما بدأ إستكشاف الفضاء وصناعة الكومبيوترات وبناء مُسرعات الجسيمات الذريّة والمختبرات الطبية الحديثة والطائرة والموبايل والساتلايت ...الخ
ثمّ تلى ذلك في العقدين الماضيين من القرن الحادي والعشرين الحديث عن الذكاء الإصطناعي وتطبيقاته في جميع مفاصل الحياة ,بحيث بتنا نرى أجهزة إلكترونية جديدة كلّ يوم لا يسعنا حتى حفظ أسمائها!
ناهيك عن التقدّمات الطبية المُذهلة بالأخص في مجال الهندسة الوراثية التي أصبحت تتناول إطالة حياة البشر بصحة جيدة وإستبدال بعض أعضائهِ بأعضاء حيوانية أو حتى صناعية!
وفي الأمس قرأتُ خبراً من الصين يحكي عن إتمام تجربتها في الإندماج النووي لإنتاج طاقة حرارية تعادل خمسة أضعاف حرارة الشمس الفعليّة ,إنظر الرابط!
مثل هذا المشروع (ومثله بدأ في فرنسا وبريطانيا) عندما يتّم إستخدامهِ عمليّاً في العقود القريبة القادمة ,سيوفر طاقة نظيفة صديقة للبيئة بكلفة تقرب من المجّانية!
***
دان براون :
الكاتب الأمريكي الشهير (دان براون) صاحب الروايات الأكثر مبيعاً / الحصن الرقمي ,ملائكة وشياطين ,حقيقة الخديعة ,شفرة دافنشي ,الرمز المفقود ,الجحيم والرواية الاخيرة (أصل) ,نشرها عام 2017
يمزج هذا الكاتب في رواياته العِلم والفلسفة والدين والتقدّم التكنلوجي والخيال العلمي بإسلوب مشوّق جميل!
يقول في رواية (أصل) على لسان أبطال القصة :
أهمّ سؤالين شغلوا البشرية منذ بدأت تتمتع بوعي ذاتي هما : من أين اتينا ؟ والى أين نحنُ ذاهبون؟
ثمّ يقول :
رغم الفوضى الموجودة في كلّ مكان وفي الكون ذاته ,فإنّ الدماغ البشري يوّلد منها نظاماً ,كما يفعل الموسيقار عندما يستخدم نوتات غير متناغمة ليُنتِج منها أجمل الألحان!
ويضيف : إنّ إستعدادنا للتنظيم مكتوب في حمضنا النووي!
لذا لا عجب في كون أعظم إختراع آتى به العقل البشري هو الكومبيوتر!
تلك الآلة التي صُممت خصيصاً لمساعدتنا في إنتاج النظام إنطلاقاً من الفوضى!
يقول :
العلم هو نقيض الأيمان والاديان ,لأنّهُ يسعى للوصول الى دليل مادي لكل ما هو مجهول أو غير مُحدّد ويرفض كلّ ما لا يقترن بدليل!
بينما الإيمان بالاديان يتطلّب أن تضعوا ثقتكم في اللامحسوس وغير المُحدَّد وتتقبلوه كواقع لايُمكن إثباتهِ بالادّلة التجريبيّة!
(هنا تظهر لوحة مرسوم عليها سمكة يسوع تأكل سمكة داروين)!
ثم يضيف : تأريخياً طالما قَمعت الحماسة الدينيّة كلّ تطوّر علمي ,وتأريخياً أيضاً يُعتبر رجال الدين هم الأكثر خطورة على وجه الأرض بالأخص عندما تصبح آلهتهم مُهدَّدة!
لكن المعتقدات الروحيّة تكون مزروعة في نفوسنا بعمق منذ سنّ مُبكرة كونها وصلتنا من أكثر الناس الذين نحبّهم ونثق فيهم ,أعني الآباء والمعلمين ورجال الدين.لذا فالتحوّلات الدينية لاتحدث بسرعة بل على مدى أجيال ,ولا تخلو من الإضطرابات وإراقة الدماء .نعم لقد أوشك (عصر الأديان) على نهايتهِ!
***
الخلاصة:
في الرواية المذكورة أعلاه يُخاطب العالِم المُستقبلي (إدموند كيرش) الحضور بما يلي :
فكرّوا بهذا : لقد إستغرق الجنس البشري مايزيد عن مليون سنة للتقدّم من إكتشاف النار الى إختراع العجلة!
ثمّ إحتاج بضعة آلاف من السنين لإختراع المطبعة!
ولم يمضِ سوى مائتي عام فقط حتى بنوا التلسكوب!
وفي القرون التي تلت ذلك وبفترات أقصر إنتقلنا من المُحرّك البُخاري الى السيارات التي تعمل على الغاز أو الكهرباء ,ومن ثمّ الى المكوك الفضائي!
ولم يلزمنا من الزمن بعد ذلك سوى عقدين لنبدأ بتعديل حمضنا النووي!
نحنُ نقيس الآن تقدّمنا العلمي بالأشهر ونتقدّم بسرعة مُذهلة!
ولن يمضي وقت طويل قبل أن يبدو أسرع جهاز كومبيوتر خارق في يومنا هذا قديم العهد .وتصبح الوسائل الجراحيّة الأكثر تقدمّاً بربرية مقارنةً بالقادم!
وسوف تبدو مصادر الطاقة التي نستخدمها في عصرنا غريبةً علينا ,تماماً مثل إستخدام شمعة لإضاءة غرفة!
كان على الإغريق أن ينظروا للوراء قروناً من الزمن لدراسة الثقافات القديمة.
في حين ما علينا اليوم سوى النظر للوراء لجيل واحد لنجد أولئك الذين عاشوا من دون التكنلوجيّات ,التي نعتبرها اليوم من المُسلّمات!
نعم لقد تقلص الإطار الزمني للتطوّر البشري ,والمسافة الفاصلة بين القديم والحديث تنكمش لتختفي تدريجيّاً !
لهذا السبب أؤكد لكم أن السنوات القليلة القادمة للتطوّر البشري ستكون صادمة وخطيرة ولا يمكن تصوّرها إطلاقاً !
***
الرابط / الصين أشعلت شمسها الإصطناعية الأقوى من الفعليّة بخمس أضعاف / الأنديبندنت البريطانية / صفحة العلوم!
https://www.independentarabia.com/node/291826/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%B4%D8%B9%D9%84%D8%AA-%D8%B4%D9%85%D8%B3%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%88%D9%89-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D8%A3%D8%B6%D8%B9%D8%A7%D9%81رعد الحافظ
6 يناير 2022