قد يتفق الكثير من الحكماء والقراء الذين يملكون القدرة على التأمل وتحليل الاحداث، في انّ وضع شعبنا السياسي والثقافي في الوطن والمهجر في تنازل وانحدار مخيف بلا هدف سياسي وبلا رؤية فكرية للمستقبل، مُلقين اللوم الأكبر على احزابنا ومؤسساتنا السياسية والثقافية وحتى الاجتماعية التي بدأت بالانحلال ذاتياَ وذوبانها في مستنقع المياه الراكدة.
ونحن في جدال عقيم غير عميق منذ 25 سنة في موضوع تسميتنا! ولَّدَ مشاحنات ومهاترات ومد وجزر ومشاجرات، حتى وصلت الى حالة الفتور والنفور، مما أنجب جيلاَ مبتعداَ عن المؤسسات وعن المشاركة برسم الأهداف المرجوّة للامة، غير مهتم بواقع امته، لأنه لم يجد نفعاً من مؤسساتنا ولم يرَ نتائجاَ على الارض على مدى عقدين من الزمن، سوى التشتت والتنافر بدون هدف. فبالتالي اصبحت هذه المؤسسات عقيمة لا تستطيع إنجاب جيل جديد يحمل القضية على أكتافه.
ولم تستطع كل هذه المؤسسات السياسية او الثقافية ان تضم اليها دماءً جديدةً لسببين
1- تعلّق مسؤوليها بالمنصب الإداري، وعدم فسح المجال للشباب الواعي للقيادة دون تدخلهم
2- فُقرها الفكري العملي وربما انعدامه في معظمها وابتعادها عن الواقع المعاش وتمسكها بهدف واحد.. التسمية المنفصلة عن الآخر
التسمية
سُميَ شعب بلاد بين النهرين بإسم الامبراطوريات التي قامت فيه في فترات معينة اي الشعب الاشوري او الشعب البابلي
لكن ربما لم تكن تلك التسمية من منبع قومي بل قد تكون التسمية تبعت اسم الإمبراطورية التي تبعت المكان الجغرافي
وبخلاف هذه الحقيقة فإن الشعب البابلي سيكون حتما ذو قومية مختلفة عن الاشوري ومثله السومري يختلف عنهما وعن الأكدي.
لكن التاريخ يخبرنا ان الممالك قد اختلفت مناطقيا و كانت تسميتها تنبع من اسم المدينة او المنطقة التي تحكم منها بقية المناطق (اكد، سومر،بابل،اشور او آثور ، اورها ) و لم تأخذ اسمها من القوم الذين حكموها او سكنوها ولم تكن غريبة او منفصلة عن بعضها الاخر وكانت لغتها واحدة.
من هذا المنطلق يمكن ان نقرأ ان الشعب البابلي (شعب بابل) والشعب الاثوري (سكان آثور) انما استمدا اسمهما من عاصمة الامبراطورية وليس بالضرورة وجود شعبان مختلفان ذا قوميتان مختلفتان. كما في تسمية مجموعة ما بإسم قريتهم و من ثم تقسيم العوائل الى بيوتات بحسب اسم الجد مثلا (هوز- هوزايي- بيت زاوزو، بيت رشو... الخ.)
وبحكم سيطرة اقوام اخرى من امبراطوريات وجغرافيات غريبة على بلاد النهرين فيما بعد سقوط نينوى القاهر، امتزجت الشعوب وتغيرت التركيبة السكانية والجغرافية للبلاد
وربما اختفى الاسم القومي حينها في المحافل نظراً للحكم الثيوقراطي الذي كنّى شعبنا ب "النصراني" في معظم كتاباته بحسب المصادر العربية.
إلا انه جاء ذكر اسم السريان في فترة معّينة (والذي قد يكون تعريباً لإسم اشوريون) في المجال العلمي والثقافي، وهنا نود ان نلمح ان الاسم لم يكن يعني حتما سكان سوريا او شعب منفصل عن سكان العراق النصارى في ذلك الوقت. وقد يكون تعريبا من اليونانية بما ان اجدادنا اشتهروا بتعريب الكتب التاريخية والفلسفية من اليونانية لتعليم العرب وفيها نجد كلمات يونانية كان صعباَ عليهم إيجاد مرادف لها فلجأوا الى تحويل بعض حروفها فقط للعربية لتتسم بصبغة عربية. وجدير بالذكر هنا ان السريان أيضا عندما قاموا بحملة تعريب كبرى قبل قرن ونيف استخدموا نفس الأسلوب ومازالت الكثير من الكلمات المعربة لا تملك كلمة عربية خالصة مرادفة.
طبعا لا نملك اي مصادر عدا قلة من الصلوات القديمة لمؤلفين من ابناء شعبنا قد يتحدثون فيه عن اسمهم التاريخي او عن تسمية لغتهم وهذه بنُدرة وفي فترات لاحقة، ربما لتلف كتب تلك الفترة او نتيجة احراقها او هلاكها مثلما فعل هولاكو بالمؤلفات في مياه دجلة وربما لانصهار المقومات القومية في الأديان.
عندما دخلت الطباعة في مجتمعاتنا بواسطة المبشرين -الاميركيين خاصة- بدأت الاقلام تكتب عن هذا الشعب وخاصة بعد الاكتشافات الاثرية العجيبة، مما خدم شعبنا من كلتا الناحيتين (اكتشاف آثار اجدادنا والطباعة) من قبل الغربيين مشكورين.
وكانت بِكر المطبوعات في إيران-أورميه واغلبها كان يكتب عن ال سورايي ونشاطات ال سورايي وبعضها ذكرهم ك آثوريين
ومع ان تقسيمات الكنائس الاصلية والمستحدثة كانت في اوجها وفي اوج تفرقة الكنيسة الفلانية عن الفلانية الاخرى لشعبنا
لكن لم نجد في مطبوعات نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ذكر للاسم الكلداني كشعب منفصل الا في المذهب الديني.
اما بالنسبة لتسمية السريان فقد كانت أكثر شيوعا في بدايات القرن العشرين كما نجد في مطبوعات المجلات السريانية
الا ان بعض رواد الصحافة السريانية القوميون كانوا يدعون لامة آثور وبدأوا بحملة توعية قومية بين سريان تركيا والمهجر اللاتيني داعين للوحدة بإسم آثور.
في هذه الفترة واثناء النزوح الجماعي من تركيا العثمانية، حمل اغا بطرس، بحكم انتمائه الكنسي الكلداني ودفاعه عن شعبه بمشاركة قيادية من قبائل اثورية، شعار ال كلدواثور
ولم نجد في مطبوعات تلك الحقبة اي اعتراض على هذه التسمية ربما لانشغال الشعب بمصيره المجهول بعد الحرب العالمية او ربما من قبيل قبول الفكرة بديهياً وكواقع حال سياسي للوحدة بين العشائر المختلفة في المذهب.
ونجد انه مع ظهور الاثار الاشورية على السطح، لمع اسم الاشورية أكثر فأكثر ومع بدء تأسيس تجمعات سياسية تنادي بالإسم التاريخي الاثوري، بدأت بوادر كناية الشعب الاشوري على مسيحيي كنيسة المشرق
ومع تنامي الوعي القومي اصبح اسم الاشوري-الاثوري يستعمل لكل التنظيمات السياسية لشعبنا (الاتحاد العالمي، الحركة الديمقراطية،الحزب الوطني ،المنظمة الديمقراطية ..)
بعد انتفاضة 1991، ظهرت للعلن الاحزاب الاشورية الداعية لوحدة الشعب تحت مسمى واحد- اشوري
حتى ظهر الاتحاد الكلداني كحزب مدعوم او متكوّن" كما أُشيعَ "من اعضاء في البارتي الكردستاني، معارضا للتسمية الاشورية ولأحزابها ولغتها
ثم بدأت الاحزاب والمؤسسات تتكون معتمدة على الاسم الكلداني او الاشوري بشكل منفصل
حتى ان السريان في سهل نينوى اسسوا فيما بعد سقوط حكومة صدام مؤسساتهم القومية الخاصة بإسمهم ايضاَ.
وهنا بدأت الاحزاب الكردية خاصة، بشق الصفوف ودعم كل منها لحزب جديد من أحزاب شعبنا حتى اننا وصلنا لحالة من التشتت والضعف بحيث ان حزب العمال الكردي التركي كانت له يد عاملة في احدى مؤسساتنا!
بقي الاسم الاشوري يجذب ويحتوي الشخص الكلداني والسرياني، فيما لم تضم ولم تستوعب المؤسسات الكلدانية او السريانية اعضاءً من اي من الطرفين الاخرين (وبدا وكأن الإسمان الكلداني والسرياني هما أكثر انفصالا وتقسيما لشعبنا والاشوري أكثر شمولية)
وازدادت ملامح الانفصال بين شعبنا من خلال مؤسساته بعد سقوط نظام البعث ومع كل تأسيس لتنظيم اشوري او كلداني نرى تأسيس تنظيم مماثل له، مختلف عنه بالاسم الانفصالي.
في 2003 عقدَ اهم مؤتمر عام ضمَّ كنائس وتنظيمات شعبنا قاطبة في العراق وسوريا والمهاجر (عدا حزب الاتحاد الكلداني الذي لم يكن هناك) ولم نشهد بعده اي مؤتمر شامل.
في ذلك المؤتمر التاريخي، اتفق المجتمعون قاطبة على توحيد الخطاب بإسم سياسي موحد في الحكومة العراقية وفي العالم
فكانت استعارة واستعادة اسم (كلدواشور) السياسي، كتسمية توافقية رغب بها وباركها جميع الحضور كمَخرَج لأزمة ظهرت من سنين. وأصبح الاسم السرياني هو عنوان ثقافتنا ولغتنا كما كان في الماضي.
واختلطت الامور فيما بعد، ولن نأتي على الاسباب والمسببات الان، ولم تنجح المؤسسات في تطبيق وعودها في المؤتمر.
بعد ظهور سركيس آغاجان كظاهرة غريبة وطارئة، تم استخدام تسمية الكلداني السرياني الاشوري وبمباركة الكثيرين
ثم انهارَ واختفتْ الظاهرة وخفّ استخدام التسمية الثلاثية حتى ان الكثيرين أصبحوا يسخرون منها وينعتونها بتعابير لا تليق بشعبهم
مع ان الاسم المُرَكَّب بقي للان مستخدما في الكثير من الأحيان كحل توافقي أوسط عند الحاجة له.
كلدو اشور
يا ترى ماذا لو كنا ارتضينا بالاسم التوافقي (كلدواشور) قبل 19 عاما حتى مع ظهور البعض من المعارضين فيما بعد!؟ ماذا لو تبنت تنظيماتنا التي وقَّعت واقسمت على توحيد الخطاب، الاسم الكلدواشوري كعناوين لتنظيماتها وفي صحافتها وإعلامها؟ أ لم نكن ربما في حال أفضل ولو بخطوتين من ناحية الخطاب الموحد او على الاقل من ناحية جذب وتوحيد الجيل الجديد وتسهيل عمل شباب اليوم مع بعض بتقارب أكثر؟ بدلاً مما نراه من تشرذم وانفصام رؤى بين الشباب وابتعادهم عن المشهد لعدم وجود أرضية صلبة وحدوية يعملون عليها ويعتمدونها؟
نعم نعلم ان التسمية لن ترضي الجميع الان كما لم ترضهم بالأمس لكن يبقى هدفنا وحدة التسمية السياسية والخطاب، خاصة في هذه الفترة الحرجة التي تم اعتماد الاسم المسيحي الديني علينا بدلا من القومي كما في بداية حكم العرب المسلمون، ليس لسبب الا بسبب تشرذم مسؤولي هذه المؤسسات طوال سنوات وعنادهم الشخصي مع بعض حتى بتنا نُسلِّم قضيتنا بيد ممثلين لا يمثلوننا كما حركة بابليون التي لا تمثل حتى البابليين وبات الاكراد يتلاعبون بمصيرنا كما الشيعة الذين لم يشاركونا مصيرنا يوماَ ولا مناطقنا الجغرافية.
بعد هذين العقدين من الانفصال والانفصام نرى ان الاثوريون عادوا للتزمت والاعتماد على التسمية الاثورية لوحدها، كذا الكلدان والسريان. لكننا نشعر ان الانسان الكلدواشوري الحاضر وشبابنا يئسَ من هذه القضية وابتعد كثيرا عن الموضوع القومي ولم يعد مهتما بالأحداث ولا بالمؤسسات ولا باللغة السريانية ولا بثقافتها واهم سبب لهذا هو ضعف وقُصر رؤية وتخبط هذه المؤسسات الممثلة لشعبنا.
لكننا نرى اننا لوكنا اعتمدنا الكلدواشوري كتسمية سياسية لنا والسريانية لغتنا منذ عقدين لكُنّا الان نتشاجر على قضايا اخرى في كيفية خدمة شعبنا عامة متناسين حرب التسمية لكي نصل لأهداف أسمى.
سيكون من المهم بعد كل هذه الاحداث المؤلمة، التي شهدت عدم توافق وعدم وضوح في الأفكار، العودة لبحث اهمية هذه التسمية رغم معارضتها من قبل البعض لان هذا البعض سيعارض اي شيء في البداية لكنه سيتقبل الفكرة مع مرور الزمن
فإننا نرى مع تراجع الإدعاء بالتسميات المُفَرِّقة شيئاَ فشيئاَ، ومع شل عمل ونفاذ مدة صلاحية معظم التنظيمات التي عملت على ذلك، سيكون من المهم العودة لبحث توحيد التسمية بشكلها المقبول كما كان سابقا وهو الكلدواشوري ولغته السريانية باعتباره لا يبحث في العمق التاريخي للإسم وانما في العمق الثقافي والمؤسساتي والسياسي الحالي.
لا ندَّعي ان الكلدواشوري واللغة السريانية سيكون الاسم المقبول من الجميع لكنه اسم لمرحلة سياسية تبعدنا عن بعثرة الجهد وعن مرحلة التفرقة بالأسماء وعن التسمية الدينية التي دخلت السياسة، لئلا نتحول الى ذميين او مجرد اهل كتاب. وارى انه الاسم السياسي الأكثر تمثيلا لنا، مما سيشجع الشباب على العمل والقيادة بروحية تعاونية جديدة.
ماجد هوزايا
2022