بعد ان استوفينا ببساطة فكر التأوين لدى السيد المسيح توّجب علينا الآن ان نقدم ايضاً فكرة بسيطة جداً عن التأوين وشروطه قبل الدخول في استعراض التأوين في فكر غبطة البطريرك ساكو المحترم ولنسير كما قصده غبطته ( التحديث والتجديد ) :
1 ) لا يقبل ( التجزئة ) للموضوع المؤين .
2 ) لا يقبل ( الانتخاب ) من اصل الموضوع او اجزاءه .
ولنعود إلى جزئنا الأول لنطبق ذلك :
الرب يسوع المسيح عندما دخل إلى موضوع التأوين لم يجزأه ولم يستثني مادة ويترك اخريات أي انه عندما ( حدّث وجدد ) موضوع ( تصريف الباحثين " موسى ومن بعده " لمواد العقوبات المرافقة للشريعة على من يخالف بنودها " تطبيق قانون العقوبات " والتي تخص علاقة الإنسان بأخيه الآخر أي الخاصة في بناء مجتمع الفضيلة مملكة الله الأرضيّة بيت الإنسان ) أخذها جميعها ولم يترك واحدة منها ليستكمل بها التحديث والتجديد ( التصريف ) ويعطيه بعداً متطوّراً وحسب المنهج الإيديولوجي له لهذا نراه تكلّم عن ( القتل وتصريفه والزنا واعطاه بعداً اخلاقياً شمولياً عندما وصفه بـ " الخيانة " كذلك السرقة والكذب والمشتهيات ... الخ ) .
كذلك لم ينتخب جزءً من موضوع ليركّز عليه ويترك البقيّة لينتظر تأوينه من قبل الرسل ...
(( إذاً التأوين لا يجزأ ولا ينتخب منه جزئية ))
بعد هذا الشرح المبسط لندخل إلى فكر غبطته :
مفهوم التأوين لدى غبطة البطريرك ساكو
( مجزأ ومنتخب ) والسبب
( المصالح ) لنشرح ذلك :
لا نريد ان ندخل في التعليق على ما شرحه غبطته في مجمل ما عرضه لكن سنختار الموضوع الأخير الذي نشره غبطته على صفحة البطريركية تحت الرابط (
https://saint-adday.com/?p=47462 ) بعنوان
( القديم والجديد ) يعطي خلاصة لما يفكر فيه ومقتنع به يلخص ما جاء في كل طروحاته وشرحه :
1 ) ركّز غبطته في عملية التحديث على
( الليتورجيا ) 2 ) انتخب غبطته موضوع
( اللغة ) منها
وسنأتي عليهما لاحقاً
وهنا يكون قد جزأ احتفالية القداس اولاً وانتخب لغته واناشيده
" خصوصية تراثه المجتمعي الديني " ثانياً ...
والتحديث يفترض ان يأخذ الاحتفالية بأكملها ليحدّث ويجدد كل قديم فيها ... لقد جاء غبطته بالمفيد جداً في استعانته بنص رائع من الكتاب وحاول ان يعطيه تفسيراً حسب
( فكره ) كما عوّدنا دائماً ...
اقتباس : (( لذلك يحذرنا المسيح منها ويدعونا بقوة الى ان نعمل ما يتناسب مع ( وقتنا ) بقوله :لا ينبغي ان نخيط رقعة جديدة على ثوب عتيق وكذلك وضع الخمر الجديد في زقاق عتيقة لئلا تمزق الزقاق وتتلف الخمر ( مرقس 2/21-22) . )) ...
(( ملاحظة بسيطة : وقتنا في الجملة يعنيها " زماننا " أي ظرفنا الموضوعي ... اما معنى وقتنا الثانية فتعني ظرفنا الذاتي أي ما يتعلّق بنا من توفير الوقت في خضم سعينا اليومي ( الدراسة ، لقمة العيش ، متابعة شؤون العائلة ... الخ ) . نعود إلى ما ذكره غبطته في الأسطر السابقة )) ولنستشهد بالاقتباس الثاني : ((اليوم يجد المسيحيون في كل مكان، أنفسهم امام واقع جديد، ونمط حياة مختلف عن السابق، وتمايزات خاصة بهم، ممّا يتحتم عليهم الانفتاح على الثقافة الجديدة والتواصل والتمييز بين الموروث القديم المتراكم والواقع الجديد المستمر مع اخذ بنظر الاعتبار ان ليس كلّ قديم أصيلاً ولا كلّ جديد مناسباً! )) انتهى الأقتباس ...... وهنا يتبيّن
( الظرف الذاتي ) .... ونبدأ بالنص الرائع الذي استشهد فيه غبطته ولنشرحه كما يتناسب وفكر الرب يسوع المسيح وبغاياته :
الرب لم يجزء القديم [/b]ولم ينتخب منه قطعة بل أخذه كلّه : فالرداء القديم يعني ( جميع مفاصل الأيديولوجية القديمة ) والقطعة الجديدة الصغيرة تعني ( ادخال التحديث والتجديد على تلك الأيديولوجية القديمة ) وبالتالي سيكون التحديث نشازاً عليها او وبالاً يؤدي إلى انحرافها وهنا فهذه العملية ممكن ان تدخل في بوابة " هرطقة " لكونها ستكون مخالفة لأيديولوجية العقيدة ... وهذا ينطبق على ( الزق القديم والخمرة الجديدة ) إذاً تجديد وتحديث الجزء له عواقب وخيمة لأنه (( يضيّع الجديد ويدمّر القديم )) وكنت أتمنى ان لا يأتي غبطته بهذا النص ولكن هذا ما تعوّدنا عليه منه .
الآن لنعطي مثالاً عملياً على ذلك :
1 ) القداس عبارة عن احتفالية بمراحل للوصول إلى الغاية منه وهي ( القربان المقدس ) الذي هو محور الاحتفالية ( اعملوا هذا لذكري ) وبالتالي فهو يخضع لبرنامج تم اعداده مسبقاً بواسطة البشر يتضمن ( صلوات وحركات ) كلٌ لها معنى لاستحضار ( الروح القدس ) ليحل على القربان " قطعة الخبز كما يحلو لغبطته تسميتها " هذه الاحتفالية للتبرك بالرب في حضوره مع جماعة المؤمنين ( اذا اجتمع اثنان " باسمي " أكون معهم )
ملاحظة مهمة : من قرأ الكتاب المقدس بعمق ورسائل الرسول بولس يعرف جيداً ان الرسول بولس " هو من أسس الكهنوت المسيحي وليس الرب يسوع المسيح " وبنى على ذاك النص ( اصنعوا هذا لذكري ) لقد كتبنا عن هذا الموضوع " الفرق بين احتفالنا اليوم بالرب وبين ما هو اصيل على يد الرسول بولس "
لم يكن الاحتفال بهذا الحدث كما هو عليه اليوم بل كان يختلف كلّياً لقد تمت صناعة هذه الاحتفالية شاملة ( الصلوات والتراتيل "والحركات " واهم ما فيها هو " الكلام الجوهري " الذي يفترض ان يكون للسيد المسيح وتعاليمه الجديدة ) من خلال المؤسسة وقديسيها أي ( الباحثين في اللاهوت والكتاب ) عقود كثيرة فهذه كلّها شكّلت احتفالية القداس اليوم انه (( " تراث شعب " صنعته مجموعة من الذين اعتمدتهم المؤسسة النابعة من هذا المحيط الاجتماعي على مدى سنين كثيرة بألحان وقصائد شعبية تتغنى بالسيد المسيح وبأمه العذراء مريم )) هكذا يصنع التراث المجتمعي الديني إذاً لو آمنّا ان الذين صنعوا هذا التراث هم ( قديسين ) سيكون نتاجهم مقدس أي غير مسموح تأوينه لأنه يتمتع ( بالحصانة المقدسة ) وهنا يتم التعامل مع نتاجاتهم كما تعامل الرب مع ( الوصايا الخمسة الأولى أي ... لم يمسسها ولم يجري عليها معاملات التحديث والتجديد ) . إذاً عملية التأوين هنا غير صحيحة ... ولو اعتبرناهم ( باحثين ) هنا نكون قد رفعنا عنهم ( القداسة المؤسساتية ) ( ونحن مع هذا ) فيصبح بالإمكان تداول ما وضعوه واخضاعه لعملية التأوين . من هنا يكون عندنا موقف جديد وهو (( ليس كل ما تأتي به المؤسسة مقدس وليس كل ما يخرج من المؤمنين العلمانيين مرفوع عنه القداسة )) وبهذا سنعود لأصل فكر الرب يسوع المسيح والرسول بولس عندما يصف القداسة انها ( مجاهدة شخصيّة وهي الطريق السليم للوصول إلى الكمال مع الرب الإله ) ... (( وهنا نكون قد وصلنا إلى قناعة بأن غبطته مصيب في عملية التأوين لكن بفارق المقاصد والأدوات )) وهنا يكون التراث الليتورجي بتراتيله وحركاته ولغته خاضع لعملية التأوين ..
لكن لنضع في اعتباراتنا اننا سنقع في اشكال آخر كبير لما فعله غبطته ( التجزئة والانتخاب ) تجزئة احتفالية القداس وانتخاب جزء بسيط منها للتأوين ...
البقية تأتي لاحقاً في الجزء الثالث لأهمية ما سنقدمه سيشمل ذلك اللعب على أوتار التأوين لتمرير غايات ومقاصد شخصيّة .
تحياتي الرب يبارك حياة جميعكم واهل بيتكم
الخادم حسام سامي 23 / 1 / 2022