المحرر موضوع: رعشة خوف  (زيارة 1024 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رعشة خوف
« في: 23:54 28/01/2022 »
رعشة الخوف
كريم إينا 

أشياء كثيرة تمرّ في أذهاننا عن الظلمة والأشباح وما يعتريها من خوف لأجسادنا الزائلة نحو فردوس الكلمات، ونوائب الدهر تحمرّ بخوار ظلالها، فإذا ما تعاظمت الأمور طأطأت نحو رعشة مخيفة، وما هي إلاّ نوبات تكادُ تصرعني من الخوف حين أسيرُ في حلكة الظلام وحيداً أكلّمُ نفسي حول الخطر الرابض لمهجتي الرقيقة، ربّما أقفُ أمام شبح يشرأبُ برأسه المميت سائراً بين ثكنات الرفوف وهو يلفّني بقسوة، ويحاولُ خنقي بلا رحمة، وأنا أترقبُ كلّ القضايا بالصحف والمجلات عن مخالفات إرهابية وتشهير ومشاجرات، وفي كلّ صباح أقفُ أمام حادثة جديدة بإحساس عميق مليء بالبلاهة، بعدها عدتُ أدراجي خاسراً كل مراهناتي بالظفر مع مزيد من السأم، الخوف عندي وباء مشحوب لم يقدر عليه الأطباء، أقفلتُ راجعاً لأسبق أنفاسي المنقطعة بلا هوادة، حينها وجدتُ نفسي أرددُ بلا إنقطاع خ..و..ف إبتسم ظلّي لما يمرّ به شجني من سرّ مكنون وكأنّهُ يعزفُ أنامل الفراق أو يداعبُ بأصابعه أوتار آلة هندسية الأضلاع، لم أعرف ما هذا التشرّد الذي يضحى فراغاً في جو السماء؟. كأنّ عنتر الإستهلاك البشري أو خفقة رجل حدّ الإختناق، وحين أستيقظُ من نومي أجدُ نفسي وراء القضبان فأصرخُ لماذا الأزمنة تخيفني؟. أسمعُ صوتاً يأخذني بقهقة ساخراً بمرارة وهو يقول: عجيب هذا الليل الذي ترقصُ فيه الجنّيات، ربّما أغيرُ بعض الأحكام فأضربُ الأخماس بالأسداس حسب خطوات المارين بلغة مرتجفة وقاماتها المتوسطة في آن واحد، مشى نحوي الخوف بضع خطوات شعرتُ أنّهُ سيفقد وزني، قمتُ من وراء سريري وأسرعتُ لأضيء النور، ساندتُ نفسي حتى وصلتُ إلى الكرسي وجلستُ أتأملُ ما بين السرير والكرسي نظرات ذهول المصدومين، أو واهمٌ أنا في تخيّل الأنفاس اللاهثة لبعض المتعبين، لم أرَ شيئاً سوى دهشتي فهي ليست واهنة في الرؤية، بل هي قريبة منّي حسب علامات التكبير وبقيتُ أتأمل وأصغي ليشهق زفيري كأصوات تركضُ لتحرّك وجداني، تذكرني بأنفاس مخنوقة لقطة مائته ألقيت توّاً خارج المنزل فيصفى بها الدهر بحاوية القمامة، فتحتُ عيني لوداع تلك الصورة الناشفة بدم بارد ونظرة وداع أسكرت المساء الأخير لسفر طويل، ولا مجال للرجوع إلى ذلك المكان ثانية، بدأت ذاكرتي وحدها تقوم بعملية التأليف والإخراج على حين غرّة، بدأ خوفي العميق يسترسلُ في تأليف حدث جديد، أحضرتُ شاش ومعقّم لأسعف القطة، قبل أن أنبسّ بحرف واحد صمتتُ وبعد ثانية عاد بها لهاثها، أمّا أنا فقد تاق شوقي للحياة بإحيائها، عندما لمحتُ في وجهها تقاسيم النبضة الواثبة وبقيتُ للحظات أتأملُ وأصغي، تلاقت نظراتها بنظراتي فأومأت برأسها الإمتنان، حينها زفرتُ فكانت زفرةً فريدةً من نوعها، وهناك الكثيرين من أمثالي الذين يعتريهم الخوف ويجعل بعضهم ينتظر الموت بلهفة، رأيتُ عجوزاً على قارعة الطريق يستنبطُ الخلاص من الخوف، صمتتُ للحظة، جاءني صوتهُ وكأنّهُ يتحدث بلا وعي فرحتُ ألملمُ بقايا ذكريات مخيفة، بعثرت بعضاً منها ريح الخوف تحت همهمات زمجرتها، زفرتُ بكآبة معلنة لا يطلقها إلاّ الخوف الأرعن، فتلاشى بعض منها بلون الغياب، أردتُ أن أعرف ما يفضي إليه بكلّ ما لديه من حكاية لكنّ القسوة أصبحت سيف إنتقامه وهذا مصير كلّ حي، ولكن قدر الخوف لا يرحم مع الضعفاء غايته النهم الجشع برغباته وأوامره، فإنطفأت نظراته الخاصة لي وأغمض عينيه بالسفر، أجبته لا تذهب وتخيّل ما تحمّلت من شقاء ووحشة نحو غيابه الذي نبّه حواسي للقوانين المشرّعة نحو شريعة الغاب، وقبل أن أوقّع أوراق خوفي تفاخرتُ بإسراف، وأنا أقاتلُ غربتي وصدى صوتي غير قادر على تجاوز المسافات، هزّ العجوز رأسهُ بحزن وأضاف بقوله: ما زالت تذوي أمامي أيّامي وتنتقلُ نظراتي بين جدران مكتبي وآثاثه، أترى الخوف هناك؟، فهو ما زال يتربّصُ يحاولُ إستعادة شيئاً يخصّهُ كطيف مرّ من أمامي هارباً من شعاع الشمس، فبقيتُ في حيرة شديدة من أمر هذا الرجل!.. حاولتُ إستقراء أفكاره بدقّة بالرغم من ألمه المزدوج كالحزن والنقمة والخيبه، بلعتُ نشفة ريقي ثمّ عدتُ أسند ظهري بين عينين دامعتين فيهما نظرات عتب حارقة تطلقها سهام إتّهاماتي لذلك الشبح الظلّيل الذي أسميه" الخوف"، لن يحصل ذلك الشيء أبداً في أيّ مكان كان حتى لو وصلت إلى آخر الدنيا، ومع ذلك تحمّلتُ ذلّ الشعور بعين مجرّدة غريبة، ولكي أصرفُ النظر عن كبريائي، ردّدتُ مزاميراً ذات رنين مجلجل قد يفتحُ لي واجهات التاريخ، ربّما يجعلُ المرء يصرخُ على نفسه بدون شعور، أطرقتُ رأسي لحظة، ثمّ رفعتهُ بنظرة أمل وارفه تتحاينُ الفرص، فإبتسم القدر لي لمرّة واحدة بهذه المسوغات، أقنعتُ نفسي بصرف النظر عن بدائل مفقودة أصلاً.. نظر العجوز نحوي وكأنّهُ يبحث عن جواب ملفوف كإلتفاف الحباب بالغة الثقة، كنتُ مخدوعاً به تنهّدتُ فخرجتُ من صدر مصحوب بدمعة سقطت من هموم نفسي الحزينة وقسوة غربتي لا تجهد نفسها بقدومي مهما شاءت الأقدار، أغريتُ نفسي بقناعة مجهولة في تابوتي! وحين رأيتُ رعشة خوفي ركضتُ نحو الشارع لألحق بها، ولكنّها كانت سريعةً فسبقتني، أردتُ أن أتحدّثُ معها بكلمة واحدة... شهقتُ بنبرة مواسية، لا حدود لها، قدّمت لي عنوان مكانها وخطوط بياناتها على الخريطة كي لا أضيع أبداً لتسوية حساباتي معها، أو ربّما سأجعلُ من نفسي إضحوكة بين القراء لما أمسكتُ بالقلم وشرعتُ بكتابة رعشتي المخيفة هذه.