بعد غياب اجباري بسبب استكمال عملية استبدال عدسة العين اليمنى وللمرّة الثانية خلال سنة واحدة نعود لنستكمل بحثنا في موضوع التأوين ( التحديث والتجديد ) الذي طرحه غبطة البطريرك ساكو للأهميّة القصوى لهذا الموضوع
خلاصة الجزء الثاني : ان التأوين ( التجديد والتحديث ) يخضع لقوانين تخصّه وما دمنا نتكلّم عن مؤسسات دينية تخضع لقانون واضعها ( ايديولوجياً الرب يسوع المسيح وتنظيمياً الرسول بولس ) من هنا لابد ان نلتزم بما جاءوا به وكما شرحنا في الجزء الأول ان السيد المسيح عندما قام بعملية التأوين شملها كلّها ولو يستثني جزء منها أي لم يقسمها لأجزاء وانتخب جزئية منها لكن ما لاحظناه عند غبطة البطريرك انه جزء تأوينه لاحتفالية القداس بموضوعين ( اللغة والأناشيد " التراتيل " ) فقط تاركاً خلفه ما هو مهم بل ومهم جداً في مستوجبيّه التأوين وعذره الصقه في عملية التطوّر المجتمعي وبالتالي انفكاك الكثير من المؤمنين لحضور الاحتفالية بينما أسباب التسرّب لها عواملها واسبابها المنطقية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ( تصرفات الكهنة " الموظفين " وتعاملهم الفوقي مع الرعيّة باعتبارهم " خرفان " ) وهذه واحدة مما تستوجب ( التأوين ) وسنمر عليها لاحقاً بمشيئة الرب . من هنا كان لزاماً علينا ان نبرز المحظورات في عملية التأوين فيما طرحه غبطته :
اللغة : اللغة الطقسية التي يفترض ان تسود احتفالية القداس يجب ان تكون على أصولها التراثية لأنها التعبير عن قومية ( المجموعة المؤمنة ) لنوّضح اصل ذلك
** نبذة تاريخية بسيطة : في القرن الرابع الميلادي في ( 325 م ) تغيّر حال ( الكنيسة المسيحية بصورة عامة ) فأصبحت ( مؤسسة ) فانتقلت من الاضطهاد إلى الزعامة واخذت دورها في قيادة المؤمنين المسيحيين ( الروحي ) بجانب رئاسة الدولة التي تقود اجتماعياً وسياسياً فأعادت امجاد ( مؤسسة السنهدريم " المؤسسة الكهنوتية اليهودية " واحتلت موقعها ) تمخض مجمع نيقيه عن امرين غاية في الأهمية
(( الأول )) استبعاد أسقف روما [( آريوس مع سبعة من اساقفته ) في انقلاب ابيض الذي كان له الفضل كلّه في انعقاد هذا المجمع كونه كان المتلمذ للإمبراطورة هيلانة والدة القيصر بعد ان حوّلها إلى المسيحية وبتأثيرها تبنى القيصر تحويل الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية وبعد العشرات من السنين حصل الأنقلاب الثاني بعد استعادة الكرسي الرسولي إلى روما وبقائه لعهد البابا يوحنا بولس الثاني البولوني الأصل ( البابا الرابع والستون بعد المائتين منذ 16 اكتوبر 1978 حتى وفاته في 2 ابريل 2005 ) وتناوب بعده الألماني بندكتس ثم ليومنا هذا البابا فرنسيس من اصل ارجنتيني ] وكان ذلك عن طريق التصويت تحت مبدأ الأغلبيّة كون روما القيصرية كانت تخضع للنظام البرلماني حينها وكان آريوس مع سبعة أساقفة يمثلون روما وعدد الأساقفة الشرقيين كان 380 اسقفاً وهنا نلاحظ سيطرة المشارقة على الكرسي الرسولي الأول ... والتاريخ اليوم يعيد نفسه من جديد بسيطرة البطريرك ساكو على قرارات المؤسسة الكلدانية بتصعيد اعداد كبيرة من الأساقفة لم يسبق لأي بطريرك سابق عملها ومنهم تم تشكيل ( تكتل بغداد ) لوأد أي تكتل مستقبلي يحدث ضدّه كما حدث لغبطته ان شكّل تكتل ( أساقفة الشمال ) الذي أطاح بالبطريرك عمانوئيل دلي واوصله لسدة حكم الكلدان بعد البطريرك يبداويد ولضمان بقائه على كرسي السلطة ضرب التكتل القديم بإنشاء تكتل جديد وهذا ايضاً يعتبر واحد من ( تأوين غبطته لكرسي السلطة ) .
(( الثاني )) ولادة قانون الإيمان العقائدي الذي صاغه ( خادم البابا اسكندروس بابا الإسكندرية الذي تم تعيينه كأول بابا شمولي للمؤسسة الكنسيّة والتي مقرها اصبح في روما " راجع تاريخ الكنيسة ومجامعها " ) (( نؤمن بإله واحد الآب ضابط الكل .... وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية .... " وهذه الفقرة تهمنا اليوم في موضوعنا هذا " )) وهنا يستوجب ان نشرح ماذا يعني مجمع نيقية بـ " كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية " :
المقصود بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية هو : استبعاد أي عقيدة او فرقة مسيحية لا تؤمن بهذا القانون سابقاً ولاحقاً واعتبارها " هرطقة " وثانياً وهذا المهم : انها مؤسسة قوميات تجمع العالم كلّه " شرقه بغربه بشماله وجنوبه " من خلال المؤمنين القوميين وليس من خلال كنائس مختلفة عقائدياً " ايديولوجياً " ( وهذا ما يشاع اليوم ويفهمه الكثيرون ومنهم اكليروس !! ) وهذا ما كان على ارض الواقع ... وبهذا تكون الكنيسة الواحدة الجامعة هي مجموعة الكنائس القومية وليس ( الكنائس العقائدية المنشقّة عن الأصل ) لكونها مختلفة ايديولوجياً " عقائدياً " ويكون المجمع بهذه العبارة اعطى الحريّة الكاملة للكنائس القومية بممارسة طقوسها كاملة غير منقوصة تبدأ من ( اللغة ) وتنتهي ( بتراث الأمة الحضاري الثقافي أي " عاداتها وتقاليدها صلواتها اناشيدها الحانها اشعارها... الخ " وصولاً لأسمها المؤسساتي ليس بسبب قداستها وانما لبصمتها القومية التي تميّزها بشخصيّتها الحضارية ) فأي مساس بهما يعتبر من المحظورات لكونه يتّصل بعنوان الأمة وتاريخها والأجدر بالمؤسسة العريقة ان تحافظ على عراقة امتها في ابراز اصالتها التي تتميّز بها امام العالم كلّه بان تكون حافظة لهذا الإرث لا مبددة له بحجة ( التأوين " التحديث والتجديد " ) ...
الخلاصة : المساس بإرث الأمة الثقافي هو بداية الغائها حضارياً وانسانياً وتاريخيا وهو ما يتسبب بموت شعبها والأولى بالمؤسسات الكنسيّة القومية الحفاظ على كل مقومات قوميتها لكونها تمثل خصوصيتها .. لهذا نرى اليوم الكاثوليكية عبارة عن بستان فيها الوان متعددة من الزهور كل واحدة فيها تتباهى بعطرها المميّز ... هكذا هي الكاثوليكية بمؤسساتها القومية ... وهذا ايضاً ينطبق على كل المؤسسات الدينية المتعددة القوميات ... نلتقي في الجزء الرابع لنتكلّم عن المسموحات ( والضروريات جداً ) لعملية التأوين شمولياً وللحاجة القصوى لتأوينه ..
تحياتي الرب يبارك حياتكم واهل بيتكم جميعاً
الخادم حسام سامي 17 / 2 / 2022