المحرر موضوع: أمواج لإقتناص البياض  (زيارة 1016 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أمواج لإقتناص البياض
« في: 00:49 09/03/2022 »

أمواج لإقتناص البياض
كريم إينا

بأناقته يجذبُ آلاف النظرات متهندماً في الحفلة، بإستطاعته أن يلبس الحفلة ذاتها، بأناقته تتجلّى أنوثته على الطريق وهو يدوّن الفقر ويحلّقُ بإتجاه الزمان، وهو يصحو من كبوته ويدّعي أنّ الدهاليز قرب وسادته وأنّ الحبّ الذي يتمطّى في الأحداق سماءهُ وحنينه إلى ما لا نهاية، جرح أضلاعه في متاهات الخلجان والمضايق، صار يرحلُ مع كلّ رجفة أومأت خطوها، بين المياه والأعشاب رؤىً تعبت خطاها من التحليق... تجلّت عن حبّها المستباح مع هجعة الطيور، كان ربيعاً قرمزياً يطفو على زبد الأمواج الذي كان رأسهُ يشبه قدح زجاج، وكنت وحيداً تجابهك الرمال الصحراوية هذا حب يتركُ نزواته في لجّة الأحلام، سنرقصُ وترقصُ العيون ننتشي تحت ظلّ الشجيرات، أينع الماءُ المعدني من نوافذ الشطآن، يكوّنُ سعفة في ثقب الغيوم، أقابلُ نفسي وجهاً لوجه في المرآة أمام عدسات عائمة تحتملُ السقوط ينمو منها الشعاع. كان ليلاً لازوردياً تناثرت فيه نسيمات الصباح، مرّ الجنوب عليها فإلتمس آفاق السماء، وحشاشات أنفاس الرياح دعتني نحو أفق الدماء، كانت يداها تدخلُ قصيدتي المفعمة من طين مجبول أو عصف مأكول. يسألني النور عن بياض رأسي وتأجّجات زفراته المتيّمة تظلّ تندبُ خاطري المضطرم نحو مقامات الحريري. أقتنصُ البياض بأمواجي القادحة نحو سكرات الناي، حان الوقت لتشرع طاحونتي في الرحيل، المروج ساتر مرح يجري على قبعة الشمس وزهرة اللبلاب وقعت في غرام بزر الخشخاش الأحمر. إنحنى بياضي المنعكس نحو غابات مورقة، هرولت السعادة نحو الأفق فإنساب الضوء على صفحة الماء. كان البياض عبثُ الأطفال مسحة من الجنون فسالت دماء التعاسة نحو صباح أشدّ سطوعاً ولمعاناً، سطع مصباحي على وجه الليل النحيل فصاح بإنحناءة عميقة، ظلّ الصوت الغامضُ يرنّ كموسيقى سحرية تعبرُ وادي الظلال. ذات مرة إقتنص لوني الرمادي صمت الأمكنة وهو يتنفسُ صور ذهنية مألوفة الملامح. تحركت أسراب الطيور صوب السماوات المتوهجة بالزعفران والنرجس، كلّما أمرّ نحو البياض راكضاً بإشعاع طيفي تبتهل الزهور وترقص. في تلك الساعة المعتمة نهض الليلُ من سباته وصفّق بجناحيه عويلُ العاصفة. أشكال رمادية صاخبة مرصّعة بالنجوم يعتريها رصيف مصغر يعلو زبدهُ نحو مظلة الأماكن. الشموع في أيدينا وعيوننا رخام يُبحلقُ بالأرجوان. طائرٌ أنا كورقة خريف تفرشُ كلماتي لأزمنة ضائعة. أحصنة حمراء تسابقُ ريح طروادة بلمحة البصر، إندثر الغيم خلف الريح وبصيص عتمة المساء رحل نحو الضفاف البعيدة يشرعُ العطش والنذور، زحام الأمواج يدججُ روح الأصيل كانت خصلاته كمنطاد هلامي يحوي بداخله عناوين الذاكرة، بلّلني المطر بينما الأفق يسحبُ دخان أعضائه نحو مملكة الفردوس، البحرُ يقتنصُ بأمواجه فوانيساً هرمة وأرصفة اللحظات تمرّ دموعها بشوق من متاهات لقياي، بدأ النهار يتهندم كالشمس وينكر المدى في قوس قزح، المرايا تجلسُ خلسة في معبد غريق جرسهُ يرفلُ كالموتى، القبور تتنفسُ الأحياء والأموات بدون خطىً أو نشيد، ما زالت واحات نفسي البنفسجية تنافسُ زركشة الغبار وهو قابع على أحلام أرض غائمة، عبقُ الدروب يحلقُ رأسه في صالون الضحكة، خشخشة عمياء تركلُ العصافير بذيول الشهوة  شفق محترق وكواكب شاردة تبكي على هواتفي الحزينة التي بلّلتها مزاريب المطر، يحملُ الموج خطاهُ وهو يتبعثرُ كالشموع البيضاء. كلّما تلدُ الأمواج زبداً تهبطُ سفن السماء فيها. فتزدادُ رؤيا البياض وهي تجولُ في كهوف مظلمة تشعلُ قنديلها الشاحب، يتموّج  ينطفىء ثمّ يرتدي رمل البحر كتمثال هرم يغورُ في سفر عتيق، مشاهد تبكي لفائف النور وهي تتدلّى من شرفة الأيام تذبلُ قطرة قطرة في الرمل كزهرة تقتنصُ البياض من شمس الخريف فلا يجفّ ينبوع زرقتها. عندما تمطرُ الليالي يجولُ في خاطري إندلاق نبض القلب ذاك الجزء المتبقي من البياض فور إقتناصه حلم اليقضة.