المحرر موضوع: الدوامة  (زيارة 1109 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدوامة
« في: 02:21 18/03/2022 »
الدوامة
كريم إينا

منذ أن إلتقيتُ بسلمى بدأ الربيع يقتحمُ حياتي، ومنذ أن أرزقني الله بتوأم كاترين وسما أحسستُ حينها بأنّي أسعد مخلوق على وجه الأرض، وحينها قررت مهما واجهت من الصعاب والألم في حياتي، سأبقى الرجل ذو الثمانية والستون عاما، سأتخطاها ولن أسمح لشيء بأن يقتحم حياتي  بدا لي كلّ شيء متغير في شهر أيلول،ذلك الخريف المتمثل بصباح بارد يعجّ بالأوراق البرتقالية المتناثرة من الأشجار، وهي تنهي حياتها لتبدأ بحياة جديدة وجيل جديد ينمو مكانها،كأنّ حياتنا كلها مقتبسة من الطبيعة، سبحانك ربّي كم أنت عظيم في كلّ شيء،إستيقظتُ باكراً ليس كعادتي،لأنّ ذلك اليوم كان مهماً لا حدود لهُ، أعتبرُ نفسي أسعد رجل في العالم،أمتلك أطفال وزوجتي جميلة ولي عمل أشعرُ بأنّ الله راض علي، حياتي ما زالت سعيدة، تغيرت الحياة فجأة، في أحد الأيام وأنا أودّعُ زوجتي سقطتُ على الأرض في غيبوبة لمدة ساعة،وعندما صحت روحي رأيتها تصعدُ للسماء والأحياء لا يشعرون بها، وهي تراقب تصرفات عائلتي، بأنّها كانت تخونني، وأولادي ليسوا نابعين من دمي، كلّ ذلك مرّ بآذاني كمذياع أخرس، لا أريدهُ أن ينقطع، رغم ذلك ما زلتُ بهذا العمر لا أستطيع أن أقنع نفسي، ظلّت روحي تدورُ حولي لطرد الأشباح التي تساقطت كقطرات المطر، كأنّه ذنبي لما يحدثُ لي، فأضحيتُ أضربُ رأسي بعنف قاطعاً الطريق من أعماق عقلي،أحدّثُ روحي بعقلانية لما كل هذه الآثام تنزلُ على جثتي الجامدة،أمشي في الشارع وأنا أتلوّى بكارثتي، إضطرب قلبي بشدة لما رأيت وما سمعت أهكذا تكون الحياة رخيصة، أحسستُ بروحي تقتربُ منّي وهي غير راضية على ما حصل،رغم أجواء الشتاء الباردة، بحتُ لنفسي ساعة واحدة كي أراقبُ ما ضاع منّي من عمر هرم، في لحظات عصيبة إمتلأت براكين غضبي بالكراهية والعنجهية، صبرتُ في غضون أسابيع وأرى نفسي في المرآة بلون داكن، لأحدد معالم وجهتي نحو الفردوس، ولكن ثمّة خيوط تتشربُ من رأسي الضائع، هكذا تهرب نفسي بدون قانون، وتجعلُ لها مسكناً للأتقياء، هل أنا عائد من الجحيم، أم خطوات تطرقُ ميزان موتي لا أدري كيف أسامحها؟!. أذابت قلبي ولم أستطع أن أحرك ساكناً، ما زال الدهر يمازحني ويغرقُ في صمته، ألهذا الحد أصبحت إبتسامتي غامضة؟. بئساً لحياتي التعيسة التي جلبت لي رفيقة حياتي الخائنة، أصبحتُ كالشارد في عالم الخيال، ولكن إلى متى؟، ربّما ألمحُ ظلّي بمعجزة النار التي ما زالت تلتحفُ بأوردتي من جديد، هل ذنبي أنا لأنّي كنتُ مغرماً بها؟. أم دناءتها الجسدية أقفلت مقلتاي. لم يخطر ببالي إلاّ أن أخنق نفسي بكلمات لا تنطفىء، قلتُ لها هل أنا في عوامة؟. لم تبق منها غير ذكريات على قارعة الطريق، لا أستطيعُ البقاء، لقد سحبت منّي الدفء ورحلت إلى أجل غير مسمّى، خاطبتها بألفاظ نابية وتوعدتها بالقصاص كضرب مطرقة على الطاولة، ضاغطاً عليها بقوة كطرد الخفافيش من كهف مهجور. لكن خيالها المتمرد ما زال يبعثُ ذكريات عابرة.