المحرر موضوع: ليل طويل يركض وراء صرخات الحروف  (زيارة 1022 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ليل طويل يركض وراء صرخات الحروف
كريم إينا

صدر للشاعر هشام عبد الكريم  مجموعة شعرية بعنوان: " ليل أطول"  الطبعة الأولى سنة 2017 تصميم الغلاف: جيهان خير طبعت المجموعة في مطبعة دار الينابيع في دمشق يقع الكتاب بـ (100) صفحة إحتوت المجموعة على (15) قصيدة والكتاب من الحجم المتوسط كتبت قصائد المجموعة في الفترة الواقعة بين عامي 2002- 2003  كتب مقدمة نقدية عن المجموعة الشاعر والناقد الأكاديمي د. فيصل القصيري بدأ الشاعر بأوّل قصيدة علاقات ص21  وهو يقول: // وقف الرسام أمام اللوحة // حدّق في الألوان // كان اللون الأسود يزهو! // مجمل القصيدة تنام على نار هادئة لوقع خطى الخبب، فنرى الرسام يضع التفاصيل على اللوحة بينما الشاعر يحرك ما في داخلها من تفاصيل حسب دلالة الألوان في الخلط ينتج لدينا تلميحات الأنف والعين بلون حنطي ولكن اللون الأخضر ما زال يشع في اللوحة حسب قوله: // مات اللون الأسود // والأخضر غطى نصف اللوحة//. التصوير الشعري لدى هشام هو بونارامي يتقمّص قيم روحية تتسارع أحداثها لتنزع من الجمهور تصفيق الإعجاب بدموع الفرح رغم أنّها ممزوجة بآهات الألم. يتقاسم ضفائر الملكات بين الطفل والشيخ كقوله: في سور أبي زيد الموصلي ص25 // وبعيد هذا اليوم// يتفقون// مثل النهر والشطآن//. لا يكتفي الشاعر بالمعاني اللغوية والصور البيانية للألفاظ والتراكيب بل يعتبر قطعهُ الأدبية ثمرة طبيعية تنقسم إلى قسمين: البيئة والأديب أهم ما تحمل من معنى لتشمل جميع المؤثرات الطبيعية والإجتماعية والسياسية والفنية والعلمية لشعب ما. وهذا يرجع لتربته الصالحة التي أنضجت أدبه. ما زال يقاسم صرخته الأولى لربّما تفتح له نافذة للنور، حيث يقول: في نفس القصيدة ص26،27 // في اليوم الثاني إنطفأت // بعض مصابيح الحي// وحيداً، كنتُ أفتشُ // عمّن يأخذ بالكف// ويفتح نافذة للنور. أمّا في ص28 قصيدة مشاهدات يستذكر جهوده المتواضعة التي كرست تعليم الصغار وبعد مغادرتهم أصبحوا جيلاً ثر يكادُ يمسك بالبحر كضرورة لمسايرة العصر لأنّها إشارة إلى الوعي الذي يغير باب من أبواب الإبداع. فالبحث عنده يثلج الصدور ولكن لا زال الزمان ديدنه الأول. فهو يختار الصورة الشعرية على أقصى طاقته كنتيجة لسعادة الفرد ورقي المجتمع. ففي ص40 قصائد منها: أخطاء فهو يقول: // كيف أعدّ؟ دروباً لا تحصى// أشجاراً تتناسلُ كلّ مساء// في يوم ما// ربّتما يحصيني نفر ما //. عندما تعمّقتُ بألفاظ قصائده إكتشفتُ في أحشائها معنىً مدّخر يكمنُ فيه الجمال. يناقض الشاعر واقعهُ بإمتلاكه الوطن حيث يقول: في ص50 // أنا لي وطن طافح بالندى// طالع كالنهار// لي أمانٌ وحلمٌ// تخلقُ عبر السنين//. يقال أنّه إذا ما إجتمع الوعي والخيال والأساطير في قصيدة ما لأي متأدّب ستفوقُ شاعريته الحد المألوف ويلقّب بصياد ماهر للأشياء دون علم الغير. أيضاً نرى في ص78  صورة إستذكار الشاعر وهو يرفلُ ويقول: // مذ تناءى التينُ // عن أغصانه قبل الأوان// مذ تقاسمت النساء الخبز في سوق النخاسة//. تتكرّر كلمة مذ عدّة مرات في شعر شاعرنا هشام وأذكرُ مرّةً أهداني الشاعر الرائد المرحوم معد الجبوري ديوانه الموسوم " إعترافات المتهم الغائب" الذي تقول: إحدى قصائده: (صورة) // مذ هوى رأسي بين يدي..// أمسى كرةً،// يتنازعها صبيان الحي..// أصبح ذاك الوجه الشاحبُ،// لوحة إعلان..// يتمرّى فيها الزمنُ الضائعُ، // تحفرها بصماتُ حزيران..// هذا دلالة على أنّ شاعرنا مطّلع كلّ الإطلاع على دواوين الشاعر الراحل معد الجبوري. الميزة التي يمتاز بها الشاعر هشام عبد الكريم أنّه يحملُ ذوقاً في إختيار كلماته لا يبتعد عن الواقع أو المجتمع المعيش. إذاً ليس الصدى يضعُ السؤال وكأنّ الذكرى ترسمُ أشياء لا تحصى. إنّ المسحة الشعرية في قصيدة شجرة الأسى ص55 تتأرجح بين الحب، البكاء، الخجل ثمّ تتوارى كل هذه الكلمات لتخرج من أعماق بركان. ما زال إيقاع الشاعر يلائم فسحته المتجذرة ويلذع سنين الجمر. تراهُ يصفُ ما يشاهد من وصف وتحليل ويعرف كيف يستخدم المفردة والعبارة الشعرية ضمن محاسن الإسلوب. يحرك الشاعر بالقلوب أكثر ممّا يحرك بالعقول ويحرص كلّ الحرص على المعنى بعد عامل الصياغة. فتراهُ يفيضُ من القلب أكثر ممّا يفيضُ من جوانحه الطامحة. ينسجم جمال الوزن مع أنفاس الشاعر إضافة إلى تلاؤمه مع الأفكار التي يفصح عنها طولاً وعرضاً. ربّما يميل الشاعر إلى الإنزياح الدلالي في النص الشعري ويهدف ذلك إلى إبهار المتلقي وشدّه إلى القصيدة بإعتبار أنّه خرج عن المألوف، والقارىء عندما يسمع كلمة( ليل) يتوقع أن يسمع موصوفاً مناسباً له ككلمة (مظلم) لكنّه يفاجأ بسماع كلمة ليل أطول وهي كناية عن عدم يقظة الشاعر وبداية إضطرابه. إنّ للصورة الشعرية أهمية كبيرة في القصيدة الحديثة لأنّ الصورة مفردة تحملُ أكثر من دلالة. لذا قد تكونُ في منهاج علم النفس إستعادة لذكريات مدركة أو إعادة إنتاج عقلية ما. إذاً الدلالة ترتبط بنوع من الأحاسيس التي تتعلّق بالحقل الأدبي من زاوية التعبير المجازي ولا تقف عند هذا الحد بل تتمايز بين الشعراء. تعد الصورة الشعرية مقياساً تقاس به موهبة الشاعر. يفكك هنا الشاعر جملة// ويملأني بالفرح الغض// ليزيد من زمن الفرح الغامر رغم إندلاق القطرات الحارقة في زمكانيته. لا زال يحفرُ في الصخر المائج فبهذا الإسلوب يتمّ إختيار طريقة للتعبير عن المعاني بهدف التأثير والتوضيح. عاطفة الشاعر صادقة وعميقة وثائرة. فيبدأ بالنداء بعد فوات الأوان // أي أيّها الوجه المحدق// في الزمان// أما كفى ؟//. ومن أجل ذلك أصبحت لهُ محاولات للبحث في المعابد العتيقة. لكل شاعر فضاء تنعكس فيه شخصيته في الكتابة فعندما يركض وراء النص المفتوح يرى روحه في خانة خاصة تمنحهُ نزعة شعرية لإجتراح طقوس ممزوجة بالإرث الإسطوري. ربّما تفكيك اللغة يحتاج إلى ذاكرة منسوجة من الطبيعة لدعم فكرة التأمل وإصطناع دهشة المتلقي. الشاعر كالساحر وهو أيضاً كالفنان متمرد على الحياة بسلبها الموجع على كل مظاهر الظلم والتخلف. الشاعر هشام ذو هوية عظيمة تحملُ في طياتها طاقة الذهن المفتوح ودائماً تكونُ بيمناهُ شحنة الغضب ضدّ الظلم أينما ذهب. معظم قصائدهُ مملوءة بالرؤية تبوحُ لنا أطياف متنوعة كـ (العين، الجسد، الأشجار، الشمس، الموت) تكتملُ فيها قصة التكوين التي ينفخ أبواقها ليل نهار كرذاذ الحلم ملؤها حلوه ومرارته فيكونان ذائقة لملكوت الكلمات. حقيقة أنا معجب بكتاباته وصمته المشاكس وهذا ليس تبجحاً أو تزلفاً لعلّ الليل أزاد من ثقل الدمع إلى أعماق حامله فبدأ بجراحات وإنكسارات تلحفُ حضيض التراب فيربط الليل بالعالم بخارطة تكاد تكون عيون الحبيبة فيها أو يقصد العصر الذي نعيشُ فيه. تظهر مثلاً قصيدة جنون ص43 متزامنة مع الأحلام لها مرفأ لتختفي فيه خلف الأسوار وتعانقُ أكفّ الأغصان بفرط محبته وهو يقول: // كيف ستنمو أشجار التين// وأشجار اللوز// وأشجار الرمان// لكن الأغرب من هذا// أنّ الحارس لا تأتيه سينة النوم// حتى يشعلُ بعضاً من أشجار البستان//. إنّه شاعر يتقدّم شعرياً بالشكل القديم للقصيدة بناءً وعروضاً وهو كثير الإنفتاح على الشكل الشعري لأنّه يقيم حفريات في العروض وهذا يقودهُ في البداية عندما درس الشعر القديم بكل ألوانه وتوصل إلى بعض التفرعات العروضية وهذا مؤكد سيتراكم في ذاكرته ومخيلته في تكوين جسد القصيدة شكلاً وبناءً وإسلوباً وهذه حميدة تضاف لهُ في عمر متفتح. نرى في قصائده يقدّم نصائح وحكم وهذا هو إسلوب تقوم عليه ركائز القصيدة وأعطى زمنية داخل النص كإلتماس الجروح والحزن. هو قريب كلّ القرب مع تحولات جماليات اللغة والصورة يتأكد بنفسه عندما يرجع للشكل الأفقي الخليلي أنّه متفاعل وجدانياً وروحياً في الإيقاع والجميل يختار شعرهُ بشفافية حيث إستخدم المثل والنصائح والحكمة التي تمثلُ الشكل القديم يكمل للشكل الحديث وقوام الشعر هو الدهشة. الإنفتاح لدى الشاعر تتعدّد فيه الإيقاعات وبالتالي يفضي البعض إلى البعض ومن هنا يظهر الكم الشعري في القصيدة. قد تظهر فجوات في إشباع النص مثلاً مفردات ظلامية موحية من عتمة الليل أو كلمات قديمة موغلة بالقدم لو تخلصت منها القصيدة لأصبحت أكثر طراوة وحميمية. الشاعر هنا يتأسّس ويتأهل بإستمرار هذا الحضور الذي يأتي على شاكلتين كتابة النص المستقر أي مشدود للشكل وضرورة إشتراطاته في الشعر. إنّ تطور الأدب لا يتمّ بمعزل عن المجتمع وأنّ دمج الصورة مع الفكرة تظهر طاقة شعرية تكاد تخلق شكل جديد من الإبداع. إنّ إستقلال المقاطع يمنح الحوار الموظف بصورة جيدة لبناء القصيدة وهنا يظهر تساؤل ما إلى أي مدى يكون عمق الترابط بين الأفكار المراد إيصالها عبر القصيدة وما مدى تحمّلها اللمحات الفكرية؟ قد تؤدي إلى إرهاقها ربّما يظهر إدخال النص في سردية مقصودة لغرض تلوين المعاني. مهما كان الشعر عمودياً أو حديثاً المهم الشاعرية وقدرة الإنسان على تحديد المعنى والصورة والأفكار والأهم من ذلك تجربة الشاعر الذي يكتب القصيدة بحس شعري صادق عن محيطات الحادثة. وخلجات الشاعر هي محطة تستوقف القارىء على نبضات القصيدة وكيفية رصف الكلمات والتلاعب بها كألفاظ وجمل ممّا يجعل الشاعر يحلّق نحو السماء بعد أن كانت أقدامه تلامسُ الأرض. ولشاعرنا طريقة عجيبة في إختيار الكلمات ببساطة وروح مرحة قد يواجه صعوبات عندما يخوض هذه التجربة. إنّ عين القارىء تلجأ إلى الإعتماد على الصورة في أغلب قصائد هشام رغم إمتلاكه أدوات شعرية مبعثرة. تظهر كلمات في قصيدة الزائر ص48- ص49 // فجأةً، دخل البيت// قادتهُ عيناهُ// لم يعد ذلك البيت// غير نوافذ مغلقة// وأيضاً في قصيدة أنا ص50 والمدينة ص51 توسع تشكيلة الجمل لتومض عطرهُ العابث في أنفاسه. أيضاً في قصيدة حسن شهاب ص52 تنقلُ الشاعر إلى سحاب النعاس والتثاؤب لأنّه يحتاج إلى قريحة منفتحة ممّا تعيق صلة الإندماج في الخاصية الثقافية، يطرح الشاعر تهويمات شعرية تغفو تحت ظل النص الشعري التي لا تخلو من الوجدانية وخبرات نفسية ضمن مفهوم الزائر والمدينة ويحددهُ في ذلك التوجه نحو الطمأنينة لمفهوم الضياع. ويستمر الشاعر مع شجرة الأسى 55 بدمع العين الذي سوف يبعد عنه الملذات من ذاكرته. الشاعر هنا منهمك في طرح قضيته ولن يتحدّد إلاّ بمجىء هذا الذي لن يأتي، رغم عتمة المشهد الشعري فهو متكيف ما يفتن القلب من إنثيالات كلماته وما يطرّز ذاكرته منذ زمن الطفولة وتظهر قصائد أخرى لا يغفو فيها اللمعان كـ ( ترانيم، أخطاء إملائية، أيشوم، أغنيات من محلة الخراب، بلدان، ذهول إلخ... كلّها قصائد تكاد تنقشع عنها الضبابية لخفّة جماليتها. أتمنّى لهُ الموفقية والنجاح لما آل إليه من جهد بإضافة جميلة مبدعة خدمة للمشهد الشعري العراقي والعربي  والله من وراء القصد.